المجد للزيتون والبرتقال
السبت، 29 فبراير 2020 04:55 م
إذا كان ذلك كذلك فعليك أن تصدق أولًا ثم تفرح ثانيًا بإنجاز مصرى يمكن البناء عليه والصعود على أكتافه.
مصر هى الأولى عالميًا فى إنتاج الزيتون، وأظن أن الخبر قد وصلك، نعم هو زيتون مائدة، يعنى يستخدم فى صناعة المخللات، ولكن يكفى الآن أننا لم نعد نستورد المخلل وهو الطاعم صاحب الشعبية الكاسحة بين جميع طوائف المصريين، نعم لن يؤثر إنتاجنا الوفير جدًا من الزيتون على معدلات استيرادنا لزيوت الطعام، ولكن رغم ألف لكن يجب أن نلتفت للمعنى، معنى القدرة على الزراعة والرعاية والصبر على الإثمار، والصبر على مقاومة كل العوائق، وصاحب القدرة مصرى والأرض مصرية، والذى زرع أشجار زيتون المائدة يستطيع زرع أشجار زيتون الزيت، وساعتها سيوفر عشرات الآلاف من فرص العمل كما سيوفر مئات الملايين من الدولارات، يعنى مليارات الجنيهات التى نغذى بها اقتصاد الدول التى نستورد منها زيت الطعام.
ثمة دول نهضت وبنت مجدها على أشياء تبدو من صغرها كأنها تافهة لا يصح الالتفات إليها، ولكن عزم الشعوب الحديدى يقهر المستحيل، وتعالوا نتأمل حال دولة مثل هولندا التى هى أقل من مصر فى كل شىء، مساحة وتاريخًا وقاعدة علمية وعدد سكان، هولندا نهضت بفضل زهور التوليب، نقرأ معًا ما كتبه المصرى الدكتور محمد المخزنجى: «من يتتبع تاريخ زهرة الزنبق أو التوليب، سيكتشف أنها الزهرة التى صنعت هولندا وانتشلتها من وهاد بؤس لا يتصوره كثيرون ممن يتخيلون أن دول الشمال الأوروبى الراقية والثرية قد وُلِدت هكذا، وبرغم أن زهرة التوليب موطنها الأصلى سهول آسيا الوسطى، ومرت إلى أوروبا عبر تركيا، إلا أن الهولنديين تبنَّوها، اعتنوا بها وعكفوا على تكثيرها وتهجينها، فتحولت من زهرة وحيدة إلى عالم من الألوان البهية والأشكال الخلابة، وبهذه «القيمة المُضافة» لمجرد زهرة، بدأ الاقتصاد الهولندى رحلة صعوده اللافت، ومعه التحضُّر والتمدُّن والعِلم، فصارت هولندا من دول صفوة الصفوة».
لقد كتب المخزنجى الفقرة السابقة عشرات المرات بصيغ مختلفة، فاتحًا باب الأمل والدعوة إلى استثمار أقل الفرص وأبسطها لكى ننطلق إلى الأمام ونصعد إلى الأعلى، هولندا فى العام الماضى سجلت صادراتها الزراعية مئة وثلاثة مليارات يورو!
رقم يبدو خرافيًا بالنسبة لرقم صادراتنا الزراعية، ويبدو خرافيًا عندما نعلم أن أساسه كان مجرد زهرة!
ولكن العزيمة والتمسك بالأمل وحُسن استثمار أقل الفرص، أمور متاحة لكل شعوب الأرض، ونحن نستطيع النهوض من خلال أغصان الزيتون وثماره.
وإذا تركنا ملف الزيتون سنجد فرحة جديدة وفرصة جديدة، تتمثل فى إنتاجنا من البرتقال، فقد أكدت الأخبار أن مصر قد بلغ إنتاجها من البرتقال خلال عام 2019 ما يقرب من 3.420 مليون طن بزيادة قدرها 7 % عن العام الماضى، ويرجع ذلك إلى زيادة عدد الأشجار بمقدار 350 ألف شجرة بنسبة زيادة 3 % ليصل إجمالى الأشجار المثمرة إلى 12.650 مليون شجرة مقارنة بالعام الماضى، الذى بلغ نحو 12.300 مليون شجرة، وهذا الإنتاج العظيم جعل مصر تتربع للعام الثانى على التوالى على رأس قائمة الدول الأعظم إنتاجًا للبرتقال، ومصر الآن هى المُصدِر الأول للبرتقال، إذ تصدر قرابة نصف إنتاجها.
إن الاستهانة بالإنجاز فى هذين الملفين لن يقدمنا خطوة إلى الأمام، ثم الاكتفاء بالوقوف عند حدود الإنجاز الرقمى، لا يعنى شيئًا، الواجب الآن أن يتحول البرتقال والزيتون إلى ثقافة شعبية، فعلى كل قادر أن يغرس ولو شجرة واحدة فقط، إن ملايين البيوت المصرية تستطيع تجميل وتظليل واجهاتها بشجرة زيتون أو برتقال، الأمر ليس مكلفًا بأى حال من الأحوال، فتربتنا جاهزة لإنبات هذه الأشجار التى لا تحتاج لكميات ضخمة من الماء ولا من السماد، تحتاج فقط إلى رعاية فى شهورها الأولى لأنها عندما تتجذر وترسخ، تعتمد على نفسها.. دعونا نحلم ونحن نحمل أسلحة إنجاز نراه بأعيننا، إنه ليس حلمًا فى الهواء الطلق، إنه الحلم القائم على حقائق موجودة على الأرض، فلو واصلنا الحلم والعمل سيكون المجد للزيتون والبرتقال.