تحديات واجهها مبارك.. الإرهاب أكبر الصعوبات والقضاء على تمرد الأمن المركزي وصمود التنحي
الأربعاء، 26 فبراير 2020 12:50 م
تحديات واجهها بالرئيس الراحل حسني مبارك، بدأت منذ اليوم الأول لجلوسه على عرش مصر، ولكن يبقى مشهدان ارتبطا بالرئيس الأسبق، وعلقا في أذهان أذهان الكثيرين ممن عاصروه، وخاصة من أبناء جيل الثمانينات، الذين ولدوا تزامنا مع وصوله إلى السلطة بعد انتهاء زمن الحروب.
ومن أهم المشاهد أن مبارك كان جالسا في إحدى احتفالات أكتوبر يستمع منسجما لأوبريت «اخترناه»، بينما كان ثانيهما قابعا خلف القضبان أثناء أولى جلسات محاكمته، ليرد على القاضي بصوت متهدج، ربما تغلب عليه صدمة الواقع الجديد، أكثر من المرض، قائلا: «أفندم أنا موجود».
وبين المشهدين المتناقضين تماما، تبقى العديد من التفاصيل، وربما التحديات التي واجهها الرئيس الأسبق، حيث كانت وسيلته دائما في التعامل معها هي المواجهة، ربما بسبب طبيعته العسكرية، وخوضه الكثير من الحروب، ليخرج منتصرا في الكثير منها، رغم بعض الأخطاء التي ارتكبها في الكثير من الأحيان، اللهم إلا في تعامله مع التظاهرات التي أطاحت به من السلطة خلال أحداث 25 يناير، حيث كان تقاعسه عن المواجهة، أو بمعنى أدق، مواجهته المتأخرة لمطالب المتظاهرين السبب الرئيسى في سقوط نظامه، ما وضع البلاد على حافة الفوضى العارمة لسنوات، أنقذتها بعد ذلك ثورة 30 يونيو، والتي أعادت الأمور إلى نصابها الصحيح.
بدأت أهم التحديات التي واجهها مبارك منذ اليوم الأول لجلوسه على عرش مصر، خاصة وأنه جاء بعد اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات، وبالتالي كانت هناك العديد من التهديدات الأمنية، والتي شهدت موجات بين الصعود والهبوط، لتصل إلى ذروتها مع التسعينات من القرن الماضى، عندما نصبت التنظيمات الإرهابية فخاخها لقتل عدد من مسئولي الدولة، على غرار رئيس مجلس الشعب الأسبق رفعت المحجوب، والذى اغتيل في أكتوبر 1992، ومحاولة استهداف رئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقي، بينما امتدت يد الإرهاب الآثمة لاستهداف السياحة، على غرار حادث الأقصر الشهير في عام 1997.
محاولات الاغتيال طالت مبارك شخصيا ولكنها لم تنل منه، لعل أبرزها محاولة اغتياله الشهيرة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في عام 1995، والتي نجح في التعامل معها، عبر إصدار تعليمات مباشرة للسائق بالعودة إلى الوراء بسرعة، والتوجه إلى المطار للعودة إلى القاهرة، بينما نفذ قوات الحرس الجمهورى حينها ملحمة بطولية، نجحوا خلالها في القضاء على الخطر المحدق بالرئيس.
ولكن بالرغم من جثامة تحدي الإرهاب، نجح مبارك في احتوائه إلى حد كبير، في الداخل، عبر دعم جهاز الشرطة المصرية، بينما كانت دعواته للعالم للقضاء على الإرهاب تجد صدى دوليا كبيرا، حيث ينسب له الفضل في إطلاق أول دعوة لمكافحة الإرهاب العالمي، خلال كلمته أمام الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في يناير 1986.
أحداث الأمن المركزي
تعد أحد أبرز التحديات التي واجهت الدولة المصرية في حقبة مبارك، وللمفارقة أن ذكراها الـ34 تتزامن مع يوم وفاة الرئيس الراحل، حيث يرجع تاريخها إلى يوم 25 فبراير 1986، حيث جاءت نتيجة شائعات حول مد فترة التجنيد الإجبارى لجنود الأمن المركزى، وتخفيض مرتباتهم، ما أدى إلى حالة أشبه بالثورة في ذلك الوقت، شهدت اعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة، إلا أن الدولة نجحت، عبر المواجهة، من خلال تدخل الجيش لاحتواء الأمور المتفاقمة.
الرئيس الراحل خرج مخاطبا الشعب، سارداً تفصيل ما حدث، في اليوم التالى، معلنا حظر التجول في القاهرة الكبرى، ومكلفا قوات خاصة من القوات المسلحة للسيطرة على الأعمال، التي وصفها بـ"الإجرامية"، وإلقاء القبض على الأشخاص الذين قاموا بها.
نهاية رئيس
مظاهرات قطاع كبير من المواطنين فى 25 يناير لم تكن تؤشر فى البداية أنها تحمل نهاية نظام بقى 3 عقود، إلا أنها ربما كانت المرة الأولى التى يتقاعس فيها مبارك عن التعامل مع التحدى، وهو ما يرجع فى الأساس إلى عامل السن، بالإضافة إلى الدور الذى لعبه قطاع من المحيطين به، ما أدى فى النهاية إلى قراره بالتنحى فى فبراير 2011.
من القصور للسجون
مواجهات مبارك لم تقتصر على فترة بقائه في السلطة، وإنما امتدت إلى مرحلة ما بعد الحكم، حيث كانت كلماته في خطابه الأخير، قبل التنحى عن السلطة، والذى أكد خلالها أنه سيبقى على أرض مصر، وسوف يموت عليها، بمثابة دستورا خاصا وضعه الرجل على عاتقه، في مرحلة جديدة، خرج فيها من حياة القصور، إلى السجون، لتنال مواجهته الأخيرة احترام خصومه قبل محبيه.
ولعل إصرار الرئيس السابق على البقاء في مصر، رغم ما لحقه من محاكمات وصفها العالم بـ"التاريخية"، لتتسابق الكاميرات على التقاط صوره بينما كان ملقى على سرير، يمثل انعكاسا صريحا لقدرته على المواجهة كأحد القادة العسكريين، وربما كان سببا رئيسيا في خروجه بانتصار جديد، يتمثل في تعاطف قطاع كبير من المصريين، ومن بينهم عدد كبير من خصومه، والذين أبدوا احترامهم له، خاصة وأن مشاهد أخرى مماثلة شهدتها دولا أخرى في المنطقة، آثر خلالها الرؤساء الأخرون الهروب إلى خارج بلادهم بحثا عن ملاذ آمن.
مبارك يواجه الإرهاب بعد التنحي
ومن أبرز المشاهد التى ترتبط بمواجهات مبارك، هى ظهوره فى المحكمة، للشهادة فى قضية اقتحام السجون إبان أحداث 25 يناير، لتهريب عناصر جماعة الإخوان الإرهابية، حيث بدا الرجل رغم عمره الذى كان قد تعدى الـ90 عاما، ثابتا قويا، محتفظا بقدرته على الحديث، وهو ما بدا واضحا عند تحفظه فى الإجابة على أحد الأسئلة الموجهة له، معتبرا أن الحديث فى هذا الأمر يتطلب تصريحا رسميا من القوات المسلحة، وهو ما يعكس احتفاظه بنفسه كرجل دولة، يدرك ما ينبغى أن يقال "على الملأ".