جعلتنى صحفيا
الإثنين، 24 فبراير 2020 04:37 م
»ولا تنسوا الفضل بينكم».. كلما قرأت هذه الآية الكريمة تذكرت فضل «صوت الأمة» علىّ، فى أواخر 2011 كانت بداياتى مع هذه المدرسة العريقة، حينما التحقت بها ولم تكن معى واسطة تقوى ظهرى، وفى أول مقابلة شعرت بإحباط شديد؛ لأنى وجدت نفسى بين عمالقة كبار، حتى من كان فى مثل حالتى كان له خال أو عم أو قريب أو صديق يوصى عليه، ويتابعه ويشجعه من حين لآخر، وقتها نصحنى بعض الأصدقاء بألا أضيع عمرى فى هذا المكان؛ لأنه لن يلتفت إلى أحد، وسأتوه فى وسط تلك الجحافل الصحفية، إلا أننى صممت أن أتحدى نفسى؛ لأجد مكانا بين هؤلاء.
بدأت أطور من نفسى صحفيا، وأبحث عن تقرير أو تحقيق يلفت الأنظار، فاتجهت إلى ملفات الفساد أفضحها، بشرط أن تكون موثقة، وذلك كان شعار صوت الأمة فى ذلك التوقيت وطعمها الذى كان يطلبه القراء، ومضت فترة ولم ينشر لى شىء، إلى أن وقعت على مستندات لشركة كبيرة كانت توهم الناس بأنها تابعة لوزارة البترول وتأخذ منهم أموالا طائلة، والمستندات تثبت عكس ذلك فعرضتها فى أحد الاجتماعات وكان الأمر مثيرا وقتها، ما يعد فى لغة الصحافة «انفراد» أو «خبطة صحفية»، فقيل لى فى الاجتماع تمام غيره، فأصبت بإحباط شديد، وترقبت صدور العدد وفوجئت بأنه لم ينشر، انتظرت حتى انصرف الجميع من الجريدة، أبحث عنه فوجدت تحقيقى بمستنداته فى سلة الزبالة .
هذه اللحظة كانت فارقة بالنسبة لى، فإما أن أترك الصحافة وأرجع إلى عملى كمدرس، أو أتحدى كل شىء بما يحمل ذلك تبعات وعواقب ليست بجميلة علىّ، قررت وقتها أن أتحدى وأكافح، فعرضت التحقيق فى الأسبوع الذى بعده على رئيس قسم آخر، وكان رؤساء الأقسام وقتها يتناوبون فى عقد الاجتماعات مع الصحفيين المبتدئين، فعرضت الموضوع الذى لملمت أوراقه من سلة الزبالة، فلقى استحسان رئيس القسم وقتها، وانتظرت فى ترقب هل سأجد اسمى وتحقيقى منشورا فى صاحبة الجلالة أم أتركها إلى الأبد ؟
وكانت الفرحة والتى كانت بمثابة سماع طالب نتيجته ناجحا فى الثانوية العامة، نشر التحقيق باسمى، وكان أول تحقيق ينشر لى فى صوت الأمة، وهنا صدمة جديدة، لم أهنأ بالفرحة كثيرا إذ عكر بعض صفوها غضب وهياج من رئيس القسم الأول الذى رفض تحقيقى، وألقى به فى سلة الزبالة، ولا أنسى كلماته لى حينها «لو رفضت موضوع ليك تانى ثم عرضته مرة أخرى لن تدخل صوت الأمة حتى ولو كنت ابن عبدالحليم قنديل» ومن عجائب صاحبة الجلالة أن بات رئيس القسم هذا من أعز أصدقائى حاليا، وغدت تلك الذكريات مادة شيقة للسمر .
أراد الله أن يرضينى فوجدت وزارة البترول ترسل ردا على تحقيقى تبرئ فيه ساحتها، ونشر رد الوزارة على تحقيقى، واستدعيت وقتها من أستاذى الإنسان ورئيس التحرير الدكتور عبدالحليم قنديل قائلا: «عاوزك ترد على رد الوزارة» ووجدتنى وقتها فى معركة صحفية، وحينما تركت مكتب الدكتور عبدالحليم، وجدت زملائى يهنئوننى: «أول تحقيق ينشر ليك يا زينى هز الوزارة» وجدتنى وقتها أطير فى السماء من الفرحة، وحينها عاهدت نفسى أن أجاهد وأبقى فى بلاط صاحبة الجلالة مهما كلفنى ذلك من متاعب.
لم تكن صاحبة الجلالة دائما راضية عنى، فكان ينتابنى فيها النجاح والتفرد، وأيضا اليأس والإحباط، كنت شغوفا بالكتابة عن التعليم وما زلت، لكن الأقدار ساقتنى للكتابة فى مجال الطاقة وخاصة الكهرباء، أيضا بإيعاز من رئيسى الإنسان د. عبدالحليم قنديل.
لم يكن الطريق مفروشا بالورود؛ وإنما الأشواك كانت وما تزال فى بلاط صاحبة الجلالة، خاصة لمن يحترم كلمته، وينأى بنفسه عن آفة كانت وما زالت تصيب الكتير من أبنائها، وهى الرقص بالكلمات كى تحقق هدفك.
وأخيرا وليس آخرا أختم مقالى بما بدأت به «ولا تنسوا الفضل بينكم»، فالفضل كله من قبل ومن بعد لربى أن اختارنى لهذا العمل بشرف وأمانة، أما الدكتور عبدالحليم قنديل فكان أبى الذى علمنى الصحافة، وشد من أزرى، أدين له بالفضل، رغم اختلافنا الكامل فكريا.