«صوت الأمة العدد 1000».. إيمان محجوب تكتب: 20 صفحة من كتاب تاريخ الوطن وطلقة حبر فى وجه أعدائه
السبت، 22 فبراير 2020 02:59 مإيمان محجوب تكتب :
الصحافة ليست صفحات وأعداد، لكن حبر مطبوعاتها مستمد من دماء وأحلام وآمال وإخفاقات أبناء الوطن، فعندما يكتب خبر أو مقال أو تحقيق صحفى ما هو سوى نقل دقيق لدقات قلب الوطن ووصف دقيق للحالة النفسية والصحية، وكل صفحة تمثل سطرا فى كتاب تاريخ الوطن، لذلك قالوا قديما لو أردت أن تعرف حال بلد عليك بقراءة صحفها كل صباح.
«صوت الأمة» ليست جريدة اعتيادية نشأت فى حضن الأنظمة المتعاقبة على مصر، لكنها نشأت متمردة بعيدة عن المسلمات والنمطية التى كانت سائدة أربعة عقود من الزمان فى شارع الصحافة المصرية، فصناع الجريدة شقوا الطريق الصعب وخاضوا تجربة صناعة صحافة خاصة بعيدا عن صحافة الدولة، فجاء الإصدار الأول من جريدة «صوت الأمة» الذى أصدره المحامى عدلى المولد والذى كان يعمل فى التأليف والإنتاج السينمائى، وأنتج وألف نحو 26 فيلما لفنانين كبار مثل نجلاء فتحى ونادية لطفى وأحمد مظهر وغيرهم من نجوم الزمن الجميل.
لكنه اتجه لإصدار جريدة فى وقت كان غير مسموح بإصدار جرائد خاصة، فتم إصدارها بترخيص من قبرص، حتى حصل بعد صعوبات كثيرة على ترخيص من المجلس الأعلى للصحافة باسم «صوت الأمة» كصحيفة خاصة فى 17 -2-1997، وصدر أول عدد منها يوم 25-3-1997 برئاسة مجلس إدارة للمحامى عدلى المولد، وظلت الصحيفة تصدر كل ثلاثاء حتى العدد 32 بتاريخ 28-10-1997 ثم صدرت بعدها يوم الأحد الموافق 2-11-1997، واحتجبت «صوت الأمة» عن الصدور عددا واحدا قبل الانقطاع الأول.
وترأس الزميل عبدالنبى عبدالستار تحرير «صوت الأمة» من بدايتها وحتى العدد 57 بتاريخ 26-4-1998 وبعد عام من الصدور بترخيص مصرى توفى مؤسس «صوت الأمة» وصاحب الإصدار الأول عدلى المولد ونقلت الملكية للورثة من بعده.
ويقول فتحى حسين عامر فى كتابه «الصحافة الخاصة انقلاب فى بلاط صاحبة الجلالة»، إنه بعد وفاة عدلى المولد ترأس مجلس إدارة الجريدة (محمد إبراهيم عثمان) وترأس تحريرها ماهر فهمى، وغيّرت شعارها من «الدين لله والوطن للجميع» إلى شعار «الأمة مصدر السلطات وصوتها فوق كل الأصوات»، وبعدها ظلت «صوت الأمة» تصدر بانتظام حتى توقفت يوم 14-2- 1999ولم تعد بعدها إلا يوم الأربعاء 6-12-2000بإصدار جديد ومجلس إدارة ومجلس تحرير جديدين، بعدما قام عصام إسماعيل فهمى بشراء الترخيص من ورثة «عدلى المولد» الذين لم يكن لديهم اهتمام بالصحافة وترأس تحريرها الأستاذ عادل حمودة.
وفى دراسة أكاديمية ركزت تحليلها على الإصدار الثانى من صحيفة «صوت الأمة»، تضمنت أن عدد صفحاتها كان يتراوح بين 16 و24 صفحة وتقسم صفحاتها إلى ثمانية أعمدة، بأكثر من ثلاثة ألوان لجميع صفحاتها التى كانت تحمل عناوين أحدث انقلاب فى تاريخ الصحافة المصرية، حيث خاضت الجريدة برئاسة عادل حمودة مواضيع لم تكن الصحافة المصرية تطرق أبوابها منذ قيام ثورة يوليو 23 يوليو 1952، مثل الحديث عن بيزنس الوزراء والفتنة الطائفية والرشاوى الجنسية وطموح جمال مبارك الذى ترك العمل المصرفى فى لندن وعاد لمصر طمعا فى كرسى الرئيس.
وبعد رواج «صوت الأمة» كصحيفة سياسية مستقلة بعيدا عن الدولة فى جميع الأوساط السياسية والاجتماعية، أصدر عصام إسماعيل فهمى ملحقا فنيا للجريدة تحت اسم (عين المشاهير)، بالإضافة إلى ملحق رياضى تحت اسم «صوت الأمة الرياضى» عام 2004.
واهتمت «صوت الأمة» بنشر مواد السياسة والجريمة على صفحاتها بداية من الصفحة الأولى مرورا بالداخلية، فنجد صفحة «طلقة حبر» وهى مخصصة لمقال رئيس التحرير عادل حمودة، الذى لم يكن مقالا نمطيا مثل الجريدة التى يرأس تحريرها، لكن كان مقالا تحليليا لجريمة ما، أو كاشف أسرار اجتماع وزارى أو حزبى أو محلل لظاهرة اجتماعية، كذلك صفحات الشارع السياسى والمصطبة والفن وسنينه، واخترع رئيس تحرير صوت الأمة «ترويسة» للفن تضم كل نجوم الصف الأول من الفنانين الكبار أمثال فاتن حمامة وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ وغيرهم من النجوم.
وقال الكاتب الراحل سلامة أحمد سلامة عن «صوت الأمة»: «إنها تجربة ربما تحدد مصير الصحافة فى مصر لو نجحت، لأنها تستطيع أن تثبت أن المخاوف التى تنتاب الكثيرين فى السلطة وخارجها من أن الدولة لو رفعت يدها عن السيطرة على الإعلام ووسائله فإنه قد يتحول لطابور خامس يعمل لحساب الغير أو صحافة صفراء تقتات على خصوصيات الآخرين والاتهامات دون دليل يصل لحد القذف«.
ظل الأستاذ عادل حمودة رئيسا لتحرير «صوت الأمة» من 2000 إلى 2005 حينما تولى إبراهيم عيسى رئاسة التحرير ومعه وائل الإبراشى كرئيس تحرير تنفيذى، حتى تولى الإبراشى رئاسة التحرير منفردا من 2006 وحتى يونيو 2008، وتولى عبدالحليم قنديل رئاسة التحرير من يوليو 2008 وحتى مارس 2009، ثم تولى سيد عبدالعاطى رئاسة التحرير من منتصف مارس 2009 وحتى منتصف ديسمبر من العام نفسه، حيث تولى وائل الإبراشى، وعاد مرة أخرى عبدالحليم قنديل لرئاسة التحرير فى أبريل٢٠١١
ومع تغيير رؤساء التحرير والتغيرات السياسية التى مرت بمصر، ظل عصام إسماعيل فهمى متمسكا بالحلم فى عمل صحافة خاصة، ولما لا وهو الرجل العصامى الذى بدأ نشاطه كناشر وبائع للكتب، كما أنه من رجال الأعمال القلائل الذين غامروا بأموالهم فى صناعة الصحافة، حيث أسس جريدة «الدستور» وبترخيص من قبرص عام 1995 لأنه لم يكن مسموحا لصدور أى صحيفة محليا غير ذلك، كان بشراء رخصة قديمة تأسست قبل عام 1952
ومنح «عصام فهمى» فرصة لرئيس تحرير شاب هو إبراهيم عيسى ومعه مجموعة من الشباب، الذين قدموا تجربة جديدة فى الشكل والمضمون، واستطاع عصام فهمى إدارة الصحيفة اقتصاديا لتحقق أرباحا، وغيّر الصورة الشائعة وقتها، بأن الصحافة مهنة خاسرة.
واتهم «فهمى» فى قضية «تهرب ضريبى»، وقامت أجهزة أمن الدولة بتفتيش مقر «صوت الأمة» السابق فى ميدان لبنان، وقضت المحكمة عليه بالسجن 3 سنوات و3 ملايين جنيه غرامة، وقال وقتها إنها ضريبة معارضته للتوريث وإفراد مساحات واسعة فى الجريدة لمهاجمة سياسات مبارك، وسعيه لتوريث الحكم لنجله جمال، وبعد قيام الثورة ظلت الجريدة على عهدها صوتا للوطن وللناس الذين كانوا يرفعون أعدادها فى ميدان التحرير، ثم كشفت مؤامرة الإخوان على مصر حتى حاصر مقر الجريدة فى شارع هيئة التدريس بالدقى بعض الأشخاص المتطرفين وقت مهاجمتها للإخوان فى 2012.
وفى 12 يناير عام 2015 توفى عصام إسماعيل فهمى مؤسس الصحافة الخاصة فى مصر، وقام ورثته ومنهم أحمد عصام إسماعيل فهمى بتولى رئاسة مجلس إدارة الجريدة واستمرت فى الصدور، وقبل أن يمر عامان على وفاته قام ورثته ببيع الجريدة لمجموعة إعلام المصريين، حيث انتقلت إليها ملكية الجريدة فى أكتوبر 2016.
وقال الدكتور فتحى حسين عامر فى كتابه «الصحافة الخاصة انقلاب فى بلاط صاحبة الجلالة» إن جريدة «صوت الأمة» فتحت الهاويس أمام إصدار الصحف الخاصة فى مصر، التى يصدر فيها أكثر من 550 مطبوعة وطنية مرخصة حتى أول يناير عام 2019 من بينها 85 صحيفة صادرة عن شركات مساهمة مصرية، وهناك 56 صحيفة مملوكة للمؤسسات الصحفية القومية و32 صحيفة صادرة عن أحزاب سياسية مصرية، و58 صحيفة صادرة عن أندية رياضية و4 صحف صادرة عن الطرق الصوفية، و6 صحف عن مجالس شعبية و4 صحف عن بعض الهيئات القضائية، بالإضافة إلى صحف تصدر فى المحافظات والجمعيات الأهلية وغيرها من المؤسسات.
وحرّكت الصحف الخاصة وعلى رأسها جريدة «صوت الأمة» الركود الذى ساد النظام الصحفى المصرى لمدة أربعة عقود، فضلا على أنها كشفت عن مواهب صحفية جديدة ومتعددة تولوا قيادة برامج «التوك شو» فى الفضائيات المصرية والعربية، وخرّجت أجيالا من الصحفيين يعملون فى كل الصحف المصرية والعربية والعالمية.