في مشروع يستغرق 4 سنوات.. الألمان يتجهون لإنتـاج وتصنيع وتسويق القطن العضوي المصري

الإثنين، 17 فبراير 2020 09:00 م
في مشروع يستغرق 4 سنوات.. الألمان يتجهون لإنتـاج وتصنيع وتسويق القطن العضوي المصري
زراعة القطن العضوى فى مصر
كتب ــ محمد أبو النور

تُعاني زراعة القطن في مصر، من التراجع في المساحة، وتدنّى الإنتاجية الفدانية، منذ 30 عاماً أو يزيد، إلى الدرجة التي أصبحنا معها، نستورد القطن قصير التيلة، والبيما والأبلند الأمريكيين، على حساب القطن المصري، صاحب الشُهرة العالمية، والذي يتميز بجودته ونقائه وطول التيلة، من الطويل إلى الممتاز وفائق الطول، وإذا كانت الظروف، التي أدت لتراجع مساحة وإنتاجية القطن المصري، أغلبها خارج إرادتنا، فإن هناك ماتستطيع أن تقدّمه الحكومة مُتمثّلة في الوزارات المعنية، مثل الزراعة والتجارة والصناعة والتعاون الدولى، إلى جانب جهود القطاع الخاص، كشريك في التنمية المُستدامة، وأيضا دور منظمات وقطاعات المجتمع المدني.

وبالطبع هناك الدور الهام والحيوى، الذى يتولى تنفيذه المزارعون والفلاحون، في حقولهم وزراعاتهم، وقد اجتهدت هذه المنظومة، في البحث عن مخرج لأزمة القطن، طوال السنوات الماضية، وقد توصّلت الحكومة والخبراء لحلولٍ عديدة، بدأت في الأخذ بأيسرها وأقربها للتطبيق، على أرض الواقع، وكان من ضمنها زراعة القطن العضوي، وهو القطن الخالي من المبيدات والأسمدة الكيماوية، والذي بدأت تنتشر زراعته، عاماً بعد عام، في عددٍ من المحافظات، حتى أصبح حقيقة، بعد أن كان طموحاً وخيالاً وأمنيات.

السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الاراضى
السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الاراضى

بداية زراعة القطن العضوي

قبل الحديث عن زراعة القطن العضوي، لا بد من التذكير بأن مساحة زراعة الذهب الأبيض في مصر، كانت لها صولات وجولات، في زراعة مساحات واسعة من المحصول، بلغت في وقتٍ من الأوقات 2.5 مليون فدان، في الخمسينات والستينات، وبداية السبعينات، حسب التقارير الزراعية الرسمية، ثم أخذت في التراجع، حتى بلغت في هذا الموسم الزراعي لعام 2020، حوالي 220 ألف فدان فقط، وهى مساحة كانت تزرعها بعض القرى والمراكز في الماضى، وليست مساحة المحصول على مستوى الجمهورية.

وعلى الرغم من أن القطن، من أقدم المحاصيل في العالم، ويرجع تاريخ استخدامه في صناعة الملابس والمنسوجات، لأكثر من 8 آلاف عام، وقد بدأت أولى خطوط الإنتاج القطنية، في آسيا وجنوب أمريكا، إلاّ أنه ما زال محصولاً ذا أهمية اقتصادية وصحية كبيرة، حيث تتم زراعته في جميع أنحاء العالم تقريباً، ويُعتبر المشتري والمُستهلك الرئيسي هي صناعة المنسوجات، كما تُستخد الألياف القطنية، في صناعات أخرى هامة وحيوية، ومنها فلاتر القهوة وأوراق البنكنوت، وحتى زيت الطعام يتم استخراجه من بذور القطن، غير أنه من المؤسف، اعتبار القطن، من أكثر المحاصيل الزراعية تحميلاً للمواد الكيميائية.

ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، تُستخدم 18% من المواد الفعّالة و الكيميائية، لحماية النبات في محصول القطن على مستوى العالم، وهو ما يسبب الكثير من المشكلات للبيئة والأفراد، وخاصة القطن المزروع تقليدياً أو على الطرق القديمة، والذي ــ غالباً ــ ما يكون معدّلاً وراثياً، ويحتاج إلى الكثير من كميات المبيدات الكيميائية، بالإضافة إلى أن زراعة القطن، تحتاج إلى الكثير من المياه، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، يحتاج الأمر لـ 2000 لتر من المياه، لري عددٍ من أشجار القطن، تكفي لصناعة تي شيرت واحد، وهذا طبقاً لتقرير معهد اليونيسكو، للتعليم في مجال المياه، ويعتبر هذا على وجه خاص مشكلة كبيرة، في دول تعاني من نقص المياه.

الدكتور إبراهيم أبو العيش رائد زراعة القطن العضوى
الدكتور إبراهيم أبو العيش رائد زراعة القطن العضوى

زراعة مستدامة في مصر

كانت زراعة القطن العضوى، في مصر، قد بدأت مع طموح الدكتور إبراهيم أبو العيش، رائد الزراعات العضوية والتنمية المُستدامة، عليه رحمة الله، في عام 1977، ثم ظهرت نتائج زراعاته عام 1990، وكان الدكتور إبراهيم أبو العيش، قد أنشأ مجموعة "سيكم" في صحراء بلبيس بمحافظة الشرقية، وهى مجموعة شركات متخصصة في زراعة وإنتاج وبيع المنتجات الحيوية، حيث تتبنى مبدأ الزراعة الحيوية، والتي لا تُستخدم فيها الأسمدة الكيماوية أو المبيدات، وتنتج المزرعة العديد من المنتجات الحيوية، مثل الأغذية والأدوية والمستحضرات الطبية، والمنسوجات، كما اتسع نشاطها ليشمل خدمة المجتمع والخدمات البيئية وخدمات تكنولوجيا المعلومات، وكان أبو العيش ــ رحمة الله عليه ــ قد لجأ إلى الزراعة العضوية أو الزراعة النظيفة، بعد أن شاهد العالم، وقد ضجّ من الإفراط في استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية، وهو ماترك آثارها السلبية، على المستهلكين للأغذية النباتية، وخاصة في الدول النامية، التي يقلّ فيها الالتزام بمعايير الصحة والسلامة البيئة ونظافة الأغذية، ولذلك كان الاتجاه إلى زراعة القطن العضوي، والذى يُعتبر البديل المُستدام، وعلى الرغم من معارضة المزارعين في البداية، لهذا النوع من الزراعة، وخاصة في القطن، الذى كانوا يرون أنه من المستحيل، أن تتم زراعته، إلى أن يصل لمرحلة الجني بدون أسمدة أو مبيدات كيماوية، وهى تجربة صعبة فعلاً، إلاّ أننا أصبحنا نزرع وننتج قطناً عضوياً، وقد أدرك العديد من المزارعين والشركات بعد ذلك فوائده، وتحوّلوا من نهج زراعة القطن التقليدية القديمة إلى العضوية، بل والحيوية أيضاً، فمنذ حوالي 43 عاماً، وفي عام 1977، اشترى الدكتور إبراهيم أبوالعيش، قطعة أرض في الصحراء، وبدأ في تحويلها إلى أرض حيوية وخصبة، باتباع أساليب الزراعة الحيوية، ثم زادت المساحات المُستصلحة حتى تجاوزت 1680 فداناً من الأراضي الصحراوية من أجل الزراعة المُستدامة، ومنها زراعة القطن العضوى.

زراعة القطن
زراعة القطن

تغيير القانون ووقف استخدام الطيران فى رش المبيدات

كانت تجربة أبو العيش، أول المبادرات الرائدة، في زراعة وتجهيز القطن العضوي في أفريقيا، وفي عام 1990 أثبت أبوالعيش مع فريقه البحثي، فاعلية الإنتاج وزيادة المحصول على الطريقة البديلة المُستدامة، وهو ما جعل الحكومة المصرية تلجأ إلى تغيير القانون، والتخلي عن الطريقة المُستخدمة في رش المبيدات الكيميائية من الطائرات على مزارع القطن، وبالتالي انخفض المُعدّل الكُلّي لاستهلاك المبيدات لنسبة لتصل إلى حوالي 90 %، وفي نفس العام، شجّعت الشركات على إنشاء مركز الزراعة العضوية في مصر، كهيئة تصديق مُستقلّة، والعمل وفقاً لمعايير مؤسسة الديميتر الدولية، وفي وقت لاحق كان الأمر وفقاً للمعايير الأوروبية للزراعة العضوية، واتّبعت العديد من الدول الأفريقية، مثل تنزانيا وأوغندا وبينين، نموذج أبو العيش ومصر، وبدأوا في إنتاج القطن العضوي في التسعينيات أيضا، حتى أصبحت بنين أكبر دولة إفريقية مُنتجة للقطن، بمساحة حوالي 2 مليون فدان.

زراعة القطن العضوى
زراعة القطن العضوى

 

ورشة عمل بمعهد بحوث القطن

ولمواكبة هذا التطور، في تنمية زراعة القطن، وتعظيم أرباحه على المُزارعين، كان معهد بحوث القطن، التابع لمركز البحوث الزراعية، بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، قد نظّمم ورشة عمل مُشتركة، مع وفد من رابطة الصناعة الألمانية، لمناقشة سُبـل وإمكانيات التعاون، في مجال إنتـاج وتصنيع وتسويق القطن العضوي المصري، وقال الدكتور هشام مُسعد، مدير معهد بحوث القطن، إن ورشة العمل، تم التنسيق لها، مع المكتب التجاري المصري ببرلين، والمنظمة الآورومـتوسطية للتعاون الاقتصادي والإنمائي.

الدكتور هشام مُسعد مع الوفد الألمانى
الدكتور هشام مُسعد مع الوفد الألمانى

وأوضح مدير المعهد، أنه تم تقديم عرضين تقدميين، حول منظومة القطن فى مصر، ودور معهد القطن، فى إنتاج وتنمية محصول القطن، فضلاً عن استعراض دور معهد القطن، فى إنتاج القطن العضوي، ولفت الدكتور هشام مُسعد، إلى أنه تم إقامة مائدة مستديرة، للمناقشة وتبادل الآراء، حول سُبل وإمكانيات التعاون بين الطرفين، وأشار مدير المعهد، إلى أن الوفـد، بصدد تنفيذ مشروع مدته 4 سنوات، لاستيراد قطن عُضوى من مصر، لإنتاج منسوجات قطنية فائقة الجودة، تُستخدم في صناعة المفروشات والملابس المنزلية، وفي سياق متصل، أثني الوفد، علي النظام القائم بمعهد القطن، وأبدي إعجابه بصفات الأصناف، التي يُنتجها المعهد، والتي تم استعراضها بورشة العمل.

مدير معهد بحوث القطن مع الخبراء الألمان بمركز البحوث الزراعية
مدير معهد بحوث القطن مع الخبراء الألمان بمركز البحوث الزراعية

 

زراعة القطن العضوى بدون مبيدات ولا أسمدة كيماوية
زراعة القطن العضوى بدون مبيدات ولا أسمدة كيماوية

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة