المنشاوى ..16 عاماً صنعتْ خلوداً
الإثنين، 20 يناير 2020 04:27 م
يحتفلُ الكون اليوم بمئوية القارئ الشيخ "محمد صديق المنشاوى" الذى خرج إلى الدنيا فى مثل هذا اليوم من العام 1920، وتوفى فى العام 1969، عن 49 عاماً، وبعد مرور أكثر من نصف قرن على رحيله المباغت، فإنَّ الخلود كان ولا يزالُ قرينَ اسمه، وسوف يبقى هذا الخلودُ، حتى يقومَ الناسُ لرب العالمين.
لم يكنْ "المنشاوى" مجرد قارئ عابر ضمن "دولة التلاوة" التى اندثرتْ فى السنوات الأخيرة، بعدما رحل نجومها، واحداً تلو الآخر، حتى خلفَ من بعدهم خلفٌ بددوا تاريخها مثل: "صلاح الجمل"، وآخرين لا تعلمونهم، الله يعملهم، بل كان ولا يزالُ –رحمه اللهُ- كوكب دُرِّيَاً فى سماء تلاوة القرآن الكريم، ترتيلاً وتجويداً.. وقبل كل شئ إخلاصاَ وإتقاناً.
فى العام 1953.. زفَّ القدرُ صوتَ القارئ الواعد إلى أسماع مسؤولى الإذاعة المصرية، فوجدوا فيه تفرداً وتميزاً، لم يسبقه إليه أحدٌ من القراء، فذهبوا إليه يطلبونه، فأبدى رفضاً وتمنُّعاً. لم يكن القارئ الصغير باحثاً عن شهرة، ولاهثاً عن صيت، مثل قراء هذا الزمان، الذين يقتحمون إستوديوهات الإذاعة المصرية، بمواهب معدومة، وأصوات شائهة، بسطوة "كروت التوصية" وتدخلات المسؤولين النافذين، ولكم فى "صلاح الجمل" العِبرةُ يا أولى الألباب.
وخلال 16 عاماً، وتحديداً بين العام 1953 الذى شهد اعتماد "المنشاوى" قارئاً بالإذاعة المصرية، وحتى رحيله العام 1969، عطَّرَ "المنشاوى" الكون كله، بصوته الخاشع الباكى المُلهم المُفسر.
وبعد مرور كل هذه السنين على وفاته، إلا أنَّ تسجيلاته القرآنية فى مصر وخارجها، لا تزال شاهدة على على موهبة شامخة، أثبت الزمنُ أنَّ الأقدار لن تجود بمثلها.
احتفى معاصرو "المنشاوى" بعبقريته الفذَّة أيَّما احتفاء، فقال عنه إمام الدعاة إلى الله الشيخ "محمد متولى الشعراوى": "من أراد أن يستمع إلى خشوع القرآن فليستمع لصوت المنشاوي"، مستطرداً: "المنشاوي ورفاقه الأربعة محمود خليل الحصري ومصطفى إسماعيل، وعبدالباسط عبدالصمد، ومحمود على البنَّا يركبون مركباً، ويبحرون في بحار القرآن الزاخرة، ولن تتوقف هذه المركب عن الإبحار حتى يرث الله ومن عليها". فيما تغنى موسيقار الأجيال "محمد عبدالوهاب" بموهبته قائلاً : «في تقديري، إنه يمكن التعليق على أي قارئ من القراء إلا المنشاوي الذي يمثل حالة استثنائية يصاب بالحيرة أمامها الذائق الفاهم، من يتأمل مخارج الحروف عنده يصعب أن يجد لها وصفاً؛ وذلك لما منحه الله من حنجرة رخيمة ونبرة شجيَّة تلين لها القلوب والجلود معاً".
أمَّا الأديب محمد القوصي فتغنى بروعة "المنشاوى" قائلاً: "إنَّ الشيخ المنشاوي أغلقَ بابَ تلاوة القرآن من بعده، فلا يستطيع أحدٌ من القُرّاء أن يقتربَ من أدائه الفريد، ومن صوته الملائكي".
هذه الشهادات وغيرها كثير جداً، تفسر خلود تسجيلات "المنشاوى"، واستحواذها على اهتمام ومتابعة مُحبى القرآن الكريم، سواء كان عبر الإذاعات الإسلامية المختلفة، والقنوات الفضائية، والوسائط الحديثة.
مائة عام مرَّتْ على الميلاد، وواحد وخمسون عاماً على الرحيل الجسدى، ولكن الإخلاص الذى أخلصه لكتاب الله منح "المنشاوى" خلوداً لا ينفدُ، وبقاءً يتحدى الزمن. رحم اللهُ "المنشاوى" وجزاه خيراً بقدر ما أمتع ويُمتع وسوف يُمتع مستمعى القرآن الكريم.