ليس بالهاشتاج يحيا الوزير

الجمعة، 17 يناير 2020 10:31 ص
ليس بالهاشتاج يحيا الوزير

 
كان لـ«سعد بن مناة» أخ اسمه مالك، اشتهر بأنه أفضل من يرعى الإبل ويرفق بها، أي بلغة هذا العصر «خبير استراتيجي في الرعي». وحدث أن سعدًا زوَّج أخاه مالك. وصبيحة عرسه، انتظر سعد أخاه؛ ليأخذ الإبل إلى المراعي، لكن طال انتظاره، فلم يجد بدًا من أن يخرج هو بالإبل، وفي الطريق إلى المرعى ومورد الماء، هاجت الإبل منه، وتفرقت عليه، وخرجت عن سيطرته.. فعاد غاضبًا، وأخذ ينادي على «مالك»، لكن أخاه لم يُجبه، فأنشد سعد، موجهًا كلامه لمالك:
يظـل يـوم وردهـا مزعفــرا **
وهي خناطيل تدوس الخضرا
فرد عليه مالك قائلًا:
أوردها سعد وسعد مشتمل**
مـا هـكذا يا سعـد تـورد الإبل
فصار الشطر الثاني من البيت مثلًا يُضرب لكل مَن عمل عملًا غير مناسب.
 
***
 
«ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان». إنجيل متى. وعلى نفس النهج يمكننا القول: ليس بالهاشتاج وحده يحيا الوزير. فبقاء أي مسؤول في منصبه ليس مرهونًا بـ«هاشتاج» على «تويتر»، وإن كنا لا نقلل من حجم التأثير الذي يمكن أن تحدثه مواقع التواصل الاجتماعي، ومساهمتها في إحقاق حق، وإبطال باطل، وإيصال صوت الضعفاء والمحتاجين إلى المسؤولين.
 
لكن في الأخير، بقاء أي مسؤول في منصبه مرهون بأمور كثيرة، ربما لا يكون من بينها حجم تأثيره على السوشيال ميديا، والترويج لإنجازاته «الوهمية»، أو الحقيقية، إن وجدت. بل أحيانًا تكون السوشيال ميديا وبالًا على المسؤول؛ خاصة إذا ذاع صيته، وعلا نجمه، واتسعت شعبيته، وزاد تأثيره.. في هذه الحالة ربما يكون خروجه من منصبه أسرع من بقائه!
 
***
 
«الدب» حيوان ضخم البنيان، لكنه محدود الذكاء. ويحتفظ موروثنا الشعبي للدب بمثل يقول: «الدبة إللي قتلت صاحبها». وقصته تقول إن صيادًا كان يسير في الصحراء، فرأى «دبة» موثوقة، وتعوي عواءً مرًا، فرقَّ لحالها، وأشفق عليها، وفك قيدها؛ فحفظت له صنيعه. ثم- من التعب- نام الصياد تحت شجرة، وأخذ يهش الذباب عن وجهه، فقررت «الدبة»- إخلاصًا منها- أن تهش الذباب عن وجهه، فجاءت بحجر كبير وألقته على وجه الصياد، فطار الذباب، لكن الحجر صرع الرجل!
 
مثل هذه الدبة كثيرون يتصدرون المشهد الآن، وموكول إليهم، إما تمثيل الحكومة أو الظهور إعلاميًا للدفاع عن النظام، أو تبرير خطأ لمسؤول ما.. هؤلاء أخطر على الحكومة والحاكم من المعارضة أو أعداء النظام في الداخل والخارج.
 
***
 
يقول الإمام علي بن أبي طالب- رضي الله عنه: «تكلموا تُعرفوا؛ فإن المرء مخبوء تحت لسانه». ولعل هذا ما دفع الفيلسوف اليوناني الراحل سقراط لأن يوجه للمتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، الدكتور خالد مجاهد، قائلًا: «تكلم حتى أراك»، لأن مجاهد له تاريخ طويل من الصمت المستفز، والتعالي والعجرفة، وتحديدًا منذ سبتمبر 2015، عندما كافأه الدكتور أحمد عماد- وزير الصحة آنذاك- بتعيينه متحدثًا رسميًا للوزارة، بدلًا الدكتور حسام عبد الغفار.
 
وما زاد الطين بلة، أنه في عهد الوزيرة الحالية هالة زايد، زاد صمته، وتعنته، وتعسفه، وغروره، وغطرسته، وتعاليه على الصحفيين والإعلاميين، وتهديده الدائم للعاملين بإدارة الإعلام، مستغلًا علاقته بالوزيرة، ما أدى إلى الإطاحة بهم جميعًا.
 
لكنه عندما تكلم في حادث «طبيبات المنيا» نطق كفرًا، واتهم بعض الصحفيين بأنهم يحاولون النيل من الوزيرة «الناجحة»، وأن هناك مؤامرة تُحاك ضد الوزيرة «صاحبة الإنجازات»! 
 
***
 
كان هناك إعلان لأحد البنوك يقول لمن يجيد مهنة لكنه موجود في المكان الخطأ: ‏«مكانك مش هنا.. عايز تفتح مشروع كذا، أو تشتغل شغلتك إللي بتحبها؟ البنك الفلاني بيمول أي مشروع صغير تثبت فيه نفسك»!
 
ويبدو أن «المتحدث الإعلامي» هو «الشغلانة» التي لا يعلم الدكتور خالد مجاهد عنها شيئًا، فتقمص دور «صبيان» السوشيال ميديا، وأطلق «هاشتاج» بعنوان: «ادعم الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة»، مسبوقًا ببيان صحفي حول تقديم الخدمة الطيبة لـ300 ألف مريض بالمستشفيات خلال عام، وذلك ردًا على هاشتاج #إقالةوزيرةالصحة، الذي تصدر الترند، بعد تفاعل عدد كبير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي معه. عقب مصرع وإصابة 20 طبيبًا من المنيا، وهم في طريقهم إلى القاهرة؛ لحضور تدريب لوزارة الصحة.
 
***
 
«إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت». حديث شريف
 
ويقول علي بن أبي طالب: سيأتي عليكم من بعدي زمان، ليس فيه شيء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب.
 
ويقول يوسف السباعي: الحق مُزعج للذين اعتادوا ترويج الباطل حتى صدقوه.
 
أما الشعراوي فيقول: إن لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق