هل بإمكان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إعلان حالة حرب دون اللجوء إلى الكونجرس؟.. سؤال طرحته الضربة الأمريكية التى تسببت بمقتل قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى؟
ما يعضد طرح السؤال اقدام القوات الإيرانية على ضرب قاعدة "عين الأسد" العراقية بالعراق أن القادة الإيرانيين وجهوا سهام وعيدهم إلى الأمريكيين سواء ينتمون إلى الإدارة أو الجيش الأمريكى، وبالفعل بدأ مجلس النواب الأمريكى مناقشة مشروع قرار للحد من تحركات الرئيس دونالد ترامب العسكرية، فيما يتعلق بإيران، حسبما أعلنت رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى، وهذا القرار مشابه لما قدمه السيناتور تيم كاين في مجلس الشيوخ.
نص مشروع القرار
ويؤكد مشروع القرار على "مسئوليات الكونجرس الراسخة منذ فتره طويلة من خلال التشديد بأنه إن لم تتخذ إجراءات أخرى داخله، فإن الأعمال العسكرية التى تقوم بها الإدارة فيما يتعلق بإيران سوف تتوقف فى غضون 30 يوما".
وانقلبت المواجهة والحرب الكلامة بين الديمقراطيين والرئيس ترامب إلى تحركات سياسية لتقييد ترامب وقراراته العسكرية، خاصة أن ترامب اعتبر أن تغريداته تعتبر بمثابة إخطار للكونجرس فى حال قرر ضرب إيران، ليرد بذلك على انتقادات خصومه الديمقراطيين الغاضبين لأنه لم يتم إبلاغهم مسبقًا بالضربة التى أدت إلى مقتل سليمانى.قانونيا وقانون 1973
من الناحية القانونية ووفقا لقانون "قرار قوى الحرب"، الذى أصدره الكونجرس عام 1973 ، فإنه يجب على الرئيس الأمريكى طلب إذن الكونجرس قبل إعلان الحرب، لكن، يستثنى القانون حالات معينة يمكن للرئيس فيها التصرف وحيدا في حال حدوثها، إذ يقول نص القانون إنه يمكن استخدام القوة فى حالة "إعلان الحرب أو عند وجود إذن قانونى محدد أو فى حالة إعلان طوارئ على المستوى القومى حيث تتعرض الولايات المتحدة أو أراضيها أو قواتها المسلحة لهجوم".
ورغم أن حالة الاعتداء على الأراضى الأمريكية قد لا تنطبق فى الاعتداءات التى وقعت مؤخرا ضد القوات الأمريكية فى العراق، إلا أن شرطى الاعتداء على ممتلكات الولايات المتحدة وقواتها المسلحة، حاضران فى الأحداث العراقية الأخيرة، عندما تعرضت السفارة الأمريكية والنقاط الأمنية من حولها فى بغداد إلى اعتداء من جانب ميليشيات الحشد الشعبى، وذلك بعد استهداف قاعدة عسكرية تحوى قوات عسكرية أمريكية فى العراق.
رؤساء أمريكا وصد الهجمات المفاجئة
وقد استخدم عدد من رؤساء أمريكا السابقين هذا القرار من باب "صد الهجمات المفاجئة"، مثل محاولة الرئيس جيمى كارتر تحرير رهائن السفارة الأمريكية فى طهران عام 1980، والهجوم الصاروخى الذى أمره به الرئيس بيل كلينتون عام 1998، انتقاما من هجمات القاعدة فى أفريقيا.
أمام ترامب قانون آخر، يسمح للرئيس الأمريكى باستخدام القوة مباشرة، الأول يدعى "قانون استخدام القوة للرد على هجمات 11 سبتمبر"، والذى أصدر في عام 2001 لمحاربة القاعدة وطالبان، وقد استخدم القانون لمحاربة داعش والجماعات المرتبطة به فى أفريقيا.
لكن تظل مشكلة هذا القانون بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" أنه لا يشمل إيران، التى لم يتم إدراجها ضمن الجهات أو الدول التى تستطيع الولايات المتحدة ممثلة فى الرئيس تنفيذ هجمات ضدها.
الكونجرس ومزيدا من القيود تصريح نانسى بيلوسى رئيس مجلس النواب الأمريكى الأخير يعنى أن الأمور لم تحسم بعد من الناحية القانونية، ويطرح تساؤلا حول احتمال فرض الكونجرس مزيدًا من القيود على الحالات الاستثنائية التى ضمنت فى القانون الصادر عام 1973، أو أن القرار، فى حال صدوره، سيقيد الرئيس فقط فيما يخص الحرب ضد إيران.
بيلوسى، قالت فى بيان لها "اليوم ومن أجل النهوض بواجبنا بالحفاظ على أمن الأمريكيين سيمضى المجلس قدما فى بحث تشريع بشأن سلطات الحرب يستهدف الحد من تصرفات الرئيس دونالد ترامب بخصوص إيران".
وقالت بيلوسى "مخاوفنا لم تتبدّد" على الرّغم من المعلومات السرية التى اطّلع عليها النواب من مسؤولين كبار فى إدارة ترامب خلال جلسة مغلقة عقدت لإطلاعهم على الظروف التى أملت على ترامب إصدار الأمر بقتل سليمانى، قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى الذى لقى مصرعه فى غارة جوية أمريكية فى بغداد.
الهجوم أحبط مخطط سليمانى
إلا أن إدارة ترامب بررت الهجوم بأنه "عمل دفاعى حاسم" كما جاء فى بيان البنتاجون، وذلك لاستباق أى تحركات ضد الولايات المتحدة، إذ تم رصد سليمانى، وهو "يخطط لشن هجمات وشيكة على الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين"، بحسب تصريحات ترامب.
وتبرر بيلوسى موقفها من محاولة الحد من سلطات ترامب: "التزاماً منّا بواجبنا بضمان أمن الشعب الأمريكى"، فإنّ مجلس النواب سيصوّت الخميس على مشروع القرار "الذى يهدف إلى الحدّ من الأعمال العسكرية للرئيس ضدّ إيران".
الصواريخ الإيرانية ضد القاعدة الأمريكية فى العراق
أكبر إرهابى فى العالمليرد الرئيس الأمريكى فى كلمة ألقاها فى البيت الأبيض، بأن الجيش الأمريكى قضى على أكبر إرهابى فى العالم، وهو قاسم سليمانى رئيس فيلق القدس، وتابع: "كان مسئول شخصياً عن أكبر وأسوأ الفظائع ودرب الجماعات الإرهابية، وغزى حروب أهلية ودموية فى المنطقة وقتل الآلاف من الجنود الأمريكيين وذرع العبوات الناسفة ما أدى إلى بتر اعضاء الجنود الأمريكيين.. إذاَ يداه ملطخة بدماء الأمريكيين وقتله كانت رسالة قوية للإرهابيين".
رسالة قوية للإرهابيين المحتملين
وقال ترامب فى الكلمة التى حملت عدة رسائل سواء للخارج، وخاصة إيران عقب قصف صاروخى إيرانى على قاعدتين عسكريتين فى العراق ولم يصب فيها أى من الجنود الأمريكيين أو العراقيين، وكذلك للداخل للحزب الديمقراطى ورئيسة مجلس النواب زعيمة المعارضة نانسى بيلوسى، حيث قال: تحملت الدول سلوك إيران لوقت أطول من اللازم وهذه الأيام انقضت، وجدد تأكيده أن قاسم سليمانى، قائد "فيلق القدس" الذى قتل بضربة أمريكية، كان يخطط لهجمات على أهداف أمريكية، وتابع: القضاء على سليمانى بعث برسالة قوية للإرهابيين المحتملين".
ضربة عسكرية غير متكافئةوجدّدت بيلوسى انتقادها للرئيس الجمهورى على الأمر الذى أصدره الأسبوع الماضى بقتل سليمان، وقالت الزعيمة الديموقراطية، إنّ الغارة التى نفّذتها طائرة أمريكية مسيّرة قرب مطار بغداد فجر الجمعة الماضى كانت "ضربة عسكرية غير متكافئة واستفزازية" تقرّرت "بدون استشارة الكونجرس".
وأضافت "لقد أدّى هذا العمل إلى تعريض جنودنا ودبلوماسيينا ومواطنينا للخطر لأنّه أدّى لخطر إحداث تصعيد خطير للتوتر مع إيران"، فى وقت أظهر فيه ترامب "أنّه ليست لديه أى استراتيجية متّسقة" بهذا الصدد.
ولكن ترامب يؤكد أن القوات المسلحة الأمريكية أقوى من أى وقت قد مضى، قائلاً: صواريخنا قوية ودقيقة ومميتة وسريعة، وهناك الكثير من الصواريخ التى تتجاوز سرعة الصوت، ولدينا أسلحة لا نريد أن نستخدمها.
وألمح ترامب إلى رغبته فى عدم التحرك تجاه الحرب المباشرة مع إيران، ولم يلوح بالتحرك العسكرى الفورى تجاه الجيش أو الدولة الإيرانية بقوله: ومع ذلك فإن امتلاكنا لهذا العتاد والجيش العظيم لا يعنى بالضرورة استخدامه، لا نرغب فى استخدامه، القوة الأمريكية العسكرية والاقتصادية هى أفضل رادع.
معلومات استخباراتية مشجعة
ولمحاولة تقليل الصدمة الأمريكية وتهدئة أسر الجنود والقوات الأمريكية ليس فى الشرق الأوسط فقط بل المنتشرين فى مختلف دول العالم، أكد مايك بنس نائب الرئيس الأمريكى، فى مقابلة مع شبكة سى.بى.إس نيوز، أن الولايات المتحدة تلقت معلومات أن إيران طلبت من ميليشيات حليفة لها ألا تهاجم أهدافًا أمريكية، وأضاف "نتلقى معلومات استخباراتية مشجعة بأن إيران تبعث برسائل لتلك الميليشيات نفسها بألا تتحرك ضد أهداف أمريكية أو مدنيين أمريكيين، ونأمل أن تجد تلك الرسالة صدى".
وللإجابة على هذه الأسئلة أطلع وزيرا الخارجية مايك بومبو ومارك إسبر أعضاء الكونجرس على المعلومات التى بحوزتهما بهذا الشأن، وذلك فى جلسة عقدت فى وقت سابق الأربعاء خلف أبواب مغلقة.
وتأكيدًا لموقفهم بأنهم مستمرون فى توجههم ضد إيران، قال وزير الدفاع الأمريكى، مارك إسبر، إن الولايات المتحدة استعادت مستوى من الردع بمواجهة إيران مؤكداً: جيشنا لا يزال "جاهزا ومستعدا".
كما قال رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلى، إن الهجوم الصاروخى الإيراني كان يهدف لقتل عسكريين أمريكيين بقاعدة عين الأسد الجوية فى العراق، ولم يبد ميلى استعدادا لقول إن كانت إيران قد استكفت بهجومها غير المسبوق على قاعدتين بالعراق تستضيفان قوات من الولايات المتحدة وكندا والدنمارك والمملكة المتحدة ودول أخرى.
هجمات جماعات شيعية بالعراق
وحين سئل إن كانت إيران ربما ترى هذه مهمة غير مكتملة نظرا لعدم سقوط قتلى أمريكيين أجاب ميلى: "أعتقد أن قول هذا ربما كان من السابق لأوانه"، وقال ميلى، إنه وآخرين بالجيش "يتوقعون بقوة" أن تنفذ جماعات شيعية بالعراق تدعمها إيران هجمات على قوات أمريكية وقوات تدعمها الولايات المتحدة في العراق وسوريا، مضيفا "هذا احتمال وارد جدا".
وتم التصويت على مشروع القرار فى اللجنة المختصة فى مجلس النواب تمهيداً لإحالته إلى التصويت أمام المجلس بأسره الخميس.مجلس الشيوخ يحبط مشروع القرار
لكن حتى وإن صوّت مجلس النواب على مشروع القرار فهذا لا يعنى أنّه سيرى النور لأنّ مصيره سيكون على الأرجح الوأد فى مجلس الشيوخ الذى يسيطر عليه الجمهوريون الموالون للرئيس ترامب.
ويشكّك العديد من أعضاء المعارضة الديموقراطية فى قانونية أمر تصفية سليمانى الذى أصدره ترامب، وكذلك أيضاً فى حقيقة ما تقوله الإدارة من أنّ سليمانى كان يعدّ لتنفيذ هجمات "وشيكة" ضدّ مصالح أمريكية.