بعد انحسارها منذ سنوات..
بدأت في العودة مُجدّداً.. الطُلمبات الحبشية خطر يهدد الصحة العامة
الخميس، 09 يناير 2020 09:00 ص
عادت ظاهرة انتشار الطلمبات الحبشية، في المحافظات والمراكز والقرى والعِزب والنجوع من جديد، بعد أن كانت قد أخذت في الانحسار، منذ 10 ــ 20 عاماً، نتيجة للتوعية بأضرارها الصحية على المواطنين، واحتواء مياهها على الأملاح والمعادن الزائدة والميكروبات والبكتيريا والفيروسات الضارة، وكانت الإحصائيات والتقديرات، قد رصدت وجود وانتشار حوالى نصف مليون طلمبة حبشية في القرى، منذ 20 عاماً، في قمّة وصولها للقرى وحتى الزراعات، قبل أن تصل البِنية الأساسية، من كهرباء ومياه شرب وصرف صحى، لأغلب القرى بالمراكز والمحافظات، وقبل انتشار محطات مياه الشرب النقيّة، والتي أنفقت عليها الحكومات المُتعاقبة مليارات الجنيهات، غير أنه نظراً لأزمة المياه وانقطاعها المستمر، عاد انتشار هذه الطلمبات من جديد، بعد أن كان أهالى القرى، قد استغنوا عنها وقاموا بانتزاع المواسير الخاصة بها من باطن الأرض، كنتيجة طبيعية لوجود مياه "الصنبور" أو "الحنفيات" داخل المنازل، وحسب الأرقام والإحصائيات، كانت أعداد هذه الطلمبات، قد تراجعت حتى وصلت لحوالى 25 ألف طلمبة، في الفترة مابين عام 2000 وحتى 2010، ثم بدأت تعاود الانتشار من جديد، خلال الأعوام الخمس الأخيرة.
الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان
عدد القرى والطُلمبات الحبشية
كان الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء، قد كشف عن عدد العاملين بالوحدات المحلية، وكذلك عدد القرى عام 2016، حيث بلغ إجمالى عدد القرى 4 آلاف و 709 قرية في المحافظات، وأوضح التقرير أن محافظة الشرقية هي أعلى المحافظات، التى تحتوى على أكبر عدد من القرى، حيث تحتوى على 509 قرية، تليها محافظة الدقهلية بـ 494 قرية، ومحافظة البحيرة بـ490 قرية، والمنيا بـ361 قرية، كما بلغ عدد القرى بمحافظة الغربية 320 قرية، وفي المنوفية 316 قرية، وكفر الشيخ 228 قرية، وفى محافظة بنى سويف 219 قرية، وأسيوط بها 235 قرية، وفي محافظة سوهاج 263 قرية، وفي الوادى الجديد وأسوان 124 قرية، ولفت التقرير إلى أن محافظة الإسكندرية، تحتوى على أقل عدد من القرى وبها 5 فقط، وفي جنوب سيناء 10 قرى، وفي البحر الأحمر 12 قرية، وفى الإسماعيلية توجد 38 قرية، وبمحافظة دمياط 80 قرية، والأقصر ومرسى مطروح 56 قرية، وشمال سيناء بها 85 قرية، وبعيداً عن تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء، فإن الشارع الواحد في القرية، كان يوجد به عشرات الطُلمبات، وكان كل منزل أمامه طُلمبة تقريباً، ثم تراجعت أعدادها خلال الربع قرن الأخير، ثم بدأت تعاود انتشارها من جديد، نتيجة انقطاع مياه الشرب النقيّة، لفترات طويلة تصل أحياناً إلى يوم واثنين وثلاثة، إضافة إلى الانقطاعات العادية اليومية لعدة ساعات، كما وصلت هذه الطُلمبات إلى الأراضى الزراعية، التي لم تعد تصل إليها مياه الرى، بسبب نقصها أو لانتشار المباني حول الأراضية الزراعية، التي فقدت مصادر الرى من مجارى وترع ومصارف.
الطلمبات الحبشية فى القرى والزراعات أيضا
مشاكل في تحليل مياه الطُلمبات
في عام 2016، ثبت أن مياه الطلمبات الحبشية تختلط بمياه الصرف الصحى والطرنشات بالقرى، بمختلف مراكز محافظة المنيا، كما ثبت أيضا أنها تسبب الأمراض، ومنها مرض الفشل الكلوى، والذى أصاب كثير من الأطفال والكبار فى العديد من القرى، وعلى الرغم من التحذيرات المتتالية، بعدم استخدام مياه الطلمبات الحبشية، إلاّ أن الأهالى أكدوا وقتها اضطرارهم لاستخدامها، بسبب الانقطاع المتكرر ولفترات طويلة لمياه الشرب، وقالوا وقتها إننا نشرب منها ونسقى المواشى، غير أن الدكتور مينا بشوى، طبيب وحدة صحية، بإحدى قرى مركز المنيا حينها، قد حذّر في تصريحات صحفية، من استخدام مياه الطُلمبات الحبشية، لأنها تسبب الكثير من الأمراض والفيروسات الكبدية، بسبب اختلاطها بمياه الصرف الصحى، لأن العمق الذى يتم زرع الطلمبة عليه، موازى لعمق الأبيار وخزانات الصرف، وهو ما يجعل تلك الطلمبات، تعمل على سحب المياه منها ، وأضاف وقتها، أنه يأتى للوحدة الصحية بعض الأطفال والأهالى، يشكون من الأملاح الزائدة وتغير لون البول، ويتوهمون أن لديهم مشكلات فى الكلى، وأوضح أنه لم يجر أى تحليل لمياه الطلمبات منذ توليه مسئولية الوحدة الصحية، أما الدكتور نسيم صبحى لبيب، مدير عام صحة البيئه في ذلك الوقت، فقد أكد أن الطلمبات الحبشية ممنوعة تماماً، وغير مطابقة للمواصفات، لأن أعماقها لا تتجاوز 18 متراً، وبذلك تحصل على المياه من خزانات الرشح، وأوضح الدكتور نسيم وقتها، أن عمق المياه المطابقة للمواصفات يكون على 60 متراً.
وتابع أن الطلمبات الحبشية، مصدر تلوث، وتسبب نشر الأمراض، مشيراً إلى أن الأهالى فى بعض الأحيان، يقومون بإدخالها على خطوط المياه العمومية، بحجة ضعف المياه، وأكد أنه فى حالة ملاحظة تركيب الطلمبات، يتم تشكيل لجنة وإخطار الوحدة المحلية لتشميعها فوراً، ويؤخذ إقرار على صاحب المنزل بعدم تركيبها مرة أخرى.
وأكد أنه تم عمل تحاليل وأخذ عينات لمياه الطلمبات اكثر من مرة وتبين أنها غير مطابقة للمواصفات، لأنها تعتبر مياه رشح، مشيراً إلى أن تركيبها يكون فى الأماكن المتطرفة من المدينة، وهى مصدر رئيسى للتلوث، لأنها تُعتبر مياه مجارى، تسبب أمراض معدية، منها الإسهال والأمراض المعدية والتيفود.
الطلمبات الحبشية مازالت منتشرة فى الريف
منع استخدام طُلمبات المياه الحبشية
قبلها بسنوات، وفي عام 2006، وعلى الرغم من قرار محافظ المنيا وقتها، بإزالة ومنع استخدام طلمبات المياه، الموجودة في منازل معظم قري المحافظة، بسبب التلوث الشديد في مياه هذه الطلمبات، فإن أهالى القري في المحافظات المختلفة، كانوا مازالوا يستخدمونها، والأخطر من هذا أنهم يعتقدون أن مياهها جوفية، لمجرد أنها تخرج من باطن الأرض، وأنها أنقي من غيرها، بينما الواقع أن هناك فرقاً كبيراً، بين المياه الجوفية والمياه السطحية، التي تنزحها الطلمبات في معظم قري الوادي والدلتا، وأكد الدكتور أحمد شعبان، أستاذ ميكروبيولوجيا المياه بالمركز القومي للبحوث وقتها، أن مياه معظم الطُلمبات ملوثة، ولا تصلح للشرب، بالرغم من عذوبة طعمها، نتيجة لتوازن الأملاح بها، لكن هذا ليس كافياً، بل لابد من توافر شروط كيميائية أخري لشربها، والاعتقاد السائد بجودة ونقاء مياه الطُلمبة، اعتماداً علي عمق المياه، هو اعتقاد خاطئ، لأن مصادر التلوث أصبحت عديدة، وغير قابلة للحصر، فحتي المياه الجوفية، أصبحت لا يوجد حد أمان لاستخدامها، حتي علي عمق ألف متر، كما حدث مع بعض شركات المياه المعبأة، بسبب تسرب المياه السطحية إلي باطن الأرض، وهو ما أدي إلي اختلاطها بالمياه الجوفية.
طلمبات مياه جوفية لرى الزراعات
طبقات الأرض تعمل كمُرشّح طبيعي
وإذا كانت طبقات الأرض، تعمل كمُرشّح طبيعي يزيل معظم الشوائب الموجودة في الماء السطحي، الذي تسرّب، فإن الأجسام الدقيقة، تنفذ مع الماء وتذوب فيها، لذلك لابد من إجراء اختبار صلاحية مياه الشرب، دون النظر إلي عمقها، وخاصة مياه الطلمبات، التي تقع داخل كردون المباني في المناطق الريفية، لأنها تحتوي علي ملوثات كيميائية وبيولوجية من الصرف الصحي "الطرنشات" داخل البيوت، وخاصة في المناطق غير المغطاة بشبكات الصرف الصحي، بالإضافة إلي الملوثات الزراعية، التي تحملها مياه الصرف الزراعي، من كيماويات ومبيدات ذاتية، تخترق سطح التربة، وتقوم الطُلمبة بسحبها مرة أخري، وهذا يفسر زيادة معدل الفشل الكلوي في الريف عن الحضر، وليس هذا فحسب، بل تتسبب هذه المياه في كثير من الأمراض الجلدية والالتهابات المعوية، ويزيد من خطورة الأمر قيام البعض بتركيب مواتير كهربائية علي الطلمبات، وهو ما ينتج عنه سرعة سريان المياه وسرعة ذوبان المواد والشوائب الموجودة في طبقات الأرض، مما يؤدي إلي تغير صفات المياه الكيميائية، مع تسرب الملوثات البيولوجية، إذا كانت الطلمبة في منطقة زراعية، بالإضافة إلي أن هذا السحب الزائد يؤدي إلي تكون غشاء حيوي شديد الخطورة علي الجدار الداخلي لمواسير المياه أو الطلمبة أو الخزان، ونبّه الدكتور شعبان وقتها علي ضرورة تحليل المياه بصفة دورية، بواقع ثلاث مرات متتالية كل أسبوعين، للوقوف علي مدي صلاحية هذه المياه للاستخدام، خاصة أن الدلائل التقليدية، التي تُستخدم للحكم علي مدي صلاحية المياه غير كافية، كما أثبتت آخر الأبحاث.
محطة مياه للشرب