الدكتورة إيمان يسرى الخبيرة فى علم الصوتيات الجنائى: نحتاج لقانون يعترف بعلم «البصمة الصوتية» واستخدامه فى القضايا

الأحد، 05 يناير 2020 09:00 ص
الدكتورة إيمان يسرى الخبيرة فى علم الصوتيات الجنائى: نحتاج لقانون يعترف بعلم «البصمة الصوتية» واستخدامه فى القضايا
الدكتورة إيمان يسرى
محمد أسعد

 
أنها واحدة من القلائل فى المنطقة العربية المتخصصة فى علم جديد وهو علم «الصوتيات الجنائى»، إنها الدكتورة إيمان يسرى، أحد خريجى البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب على القيادة، والحاصلة على درجة الماجستير من كلية الأداب جامعة القاهرة فى هذا التخصص النادر فى مصر والمنطقة. إيمان يسرى، كل تركيزها الآن منصب الاعتراف رسميا بعلم الصوتيات الجنائى لأهميته فى العديد من المجالات، منها كشف خبايا الكثير من القضايا الجنائية، فضلاً عن أن « البصمة الصوتية» أصبحت الشفرة التى تستخدمها مؤسسات منها البنوك فى التعامل مع عملائها، لكن فى مصر ما زالت «البصمة الصوتية» على حد قولها بعيدة عن التقنين القانونى والاستفادة منها.
«صوت الأمة» التقت الدكتورة إيمان يسرى وأجرت معها هذا الحوار حول علم الصوتيات الجنائى والبصمة الصوتية:
- بداية، ما هو علم الصوتيات الجنائى؟
هوعلم مختص بتحليل الأصوات فى الجرائم مثل الإرهاب والاغتصاب، التى يكون فيها وجه المجرم غير ظاهر، أو بها فيديو للمجرم، لكن بدون أن يظهر بهيئته ووجهه، وبالتالى فإن علم الصوتيات الجنائى  يستخدم فى هذه الحالة.
كل شخص مولود وله صوت مميز مثل بصمة الإصبع وتحليل الـ« دى. إن. إيه»، فهو يقع تحت مظلة الطب الشرعى، والفكرة أن علم الصوتيات الجنائى متخصص فى كيفية التعرف على الإنسان من صوته.
- طالما أنه أحد فروع الطب الشرعى، فما علاقة كلية الآداب به؟
هذا التخصص موجود فى قسم الصوتيات والإنسانيات بكلية آداب جامعة القاهرة فقط، وهو قسم غير موجود إلا فى جامعة الاسكندرية فقط على مستوى الوطن العربى بأكمله، وقريبا تم افتتاح فرع له فى الأردن، وهذا القسم يقبل عددا قليل جدا من الطلاب وبشروط مختلفة عن شروط بقية أقسام الكلية، فقبل القبول به يمر الطالب باختبارات قبول ومقابلات شخصية واختبارات كثيرة، وبالتالى فإن المقبولين بهذا القسم محدودون ومختارون بعناية شديدة.
هذا القسم به ثلاثة أنواع، الأول وهى التخاطب والتعامل مع الأطفال، والثانى البرمجة اللغوية، وهو متعلق بالصوتيات المتعلقة بالروبوت والآلات والبرامج وتحليل اللغة، أما الجزء الثالث فهو متعلق بعلم الصوتيات الجنائى وهو متخصص بالصوت، فنحن ندرس علم الجمال الصوتى، وفى العامين الدراسيين الأولى والثانى، ندرس فى كلية الطب «علم التشريح»، لتشريح المخارج الصوتية بأكملها وكيفية خروج الصوت .
عملنا ليس عمليا وليس نظريا، وأنا متخصصة فى هذا الأمر منذ 2008، فمشروع التخرج الخاص بى الذى عملت عليه بمفردى وكانت لدى الجرأة للدخول فى هذا المجال، وحصلت على امتياز فى مشروع التخرج الذى دار حول البصمة الصوتية بشكل عام، وبه جزء عملى، خاصة أن الجزء العملى هو أهم جزء، فمن خلاله أتحصل على النتائج، وأستطيع من خلالها تأكيد النظريات أو نفيها أو الخروج بنظريات جديدة.
وفى 2015 حصلت على درجة الماجستير فى موضوع التعرف على المتكلم اعتمادا على معايير السرعة الزمنية، هذا ببساطة التعرف على الأشخاص غير المعروفين من خلال صوتهم فى الجرائم عموما، خاصة أنه مع التطور التكنولوجى الذى نعيشه يستطيع أى شخص من خلال جهاز التليفون المحمول أو أى جهاز أخر أن يسجل للآخرين، وميزة الصوت فى هذه الحالة أو البيومترية التى تخص الإنسان، أنه من الصعب اللعب فيه أو تغييره، لإن الإنسان يتحدث بشكل غير واع، فهو متعود أن يتحدث، وبالتالى من الصعب أن يقوم بتغيير صوته، خاصة فى موقف مثل الجريمة، فحتى لو الإنسان حاول أن يغير صوته باستخدام أى وسيلة فهناك معاير صوتية تستطيع كشف هذا التغيير.
- ما هى المعايير التى يمكن الاستناد إليها للتعرف على أن هذا صوت مجرم أم لا؟
كل صوت به شىء مميز، أولها التردد الأساسى للصوت، وهذه نقطة مهمة مرتبطة بطول الثنايا الصوتية، ولها علاقة تشريحية، فالأطوال والمقاييس الصوتية مختلفة من إنسان لآخر، وهو ما يصعب التلاعب به، لذلك نعتمد على التردد الأساسى للصوت.
الامر الثانى اسمه «الغُنة» ومرتبطة بالتجويف الأنفى، فكل إنسان لديه مساحة تجويف أنفى معينة تخلق رنة معينة للصوت، وهذا يتم قياسه أيضا.
الأمر الثالث وهى الترددات الأولى لبعض الأصوات فى اللغة التى نتحدث بها، فهذه الأصوات لها قياسات محددة، وهذه الترددات تقاس باستخدام برامج متخصصة وعن طريق خبير متخصص يقوم بتحليلها ومن خلالها يستنتج هل هذا الصوت خاص بالشخص المقصود أم لا؟
أما المعيار الرابع وهو سرعة التحدث، فكل منا له سرعة فى التحدث، وهذه كانت محور الماجستير الذى حصلت عليه، فكل منا له سرعة فى التحدث لا يعلمها، فهو لا يعرف هل يتحدث بسرعة أم ببطء، علما بأن هذه السرعة ثابتة لكل إنسان، وإن كانت تتغير وفق شعور الإنسان وقت التحدث، لكن هذا التغير مرتبط بنسبة معينة لا يمكن الخروج عنها، وهى معايير لها أرقام دقيقة تشبه تحليل الحامض النووى.
- كم خبير فى الصوتيات الجنائية بمصر؟
الحقيقة لا أعرف كم خبير، على حد علمى أننى الوحيدة فى هذا التخصص حتى الآن، فهذا العام تم افتتاح قسم فى كلية آداب الاسكندرية اسمه قسم اللغويات القضائية، مختص بهذا الموضوع، بالتعاون مع كلية الحقوق، حيث يقوم الطلاب بدراسة بعض المواد القانونية لكى يكون لديهم إلمام بكل ما يتعلق بهذا المجال.
- هل مارست هذا التخصص على الواقع العملى؟
كثيرا.. بعد حصولى على الماجستير وتحديدا فى 2017 كان أول إطلاق لهذا المشروع من خلال معرض الإسكندرية الدولى للكتاب، بمكتبة الإسكندرية، كانت هناك ندوة عن البصمة الصوتية وأهمية استخدامها فى المجتمع، وكنت متحدثة فى هذه الندوة، بحضور المستشار إبراهيم يوسف زاهر، رئيس محكمة الإسكندرية، والدكتور محمود شعبان، محام بالنقض، وطرحنا هذا الموضوع فى حضور عدد كبير من رجال القانون والتشريح والتشريع، وكانت هناك قضايا مهمة تم طرحها من الحضور خلال الندوة من بينها قضايا شرف تتطلب وجود خبير صوتيات، لكن للأسف لا يوجد مثل هذا الخبير، أو لا توجد فكرة خبير يستطيع أن يحلل الأصوات بشكل قاطع، ويتم الاكتفاء بفنى من الإذاعة أو مكان آخر معتمد لدى المحاكم والجهات القضائية يسمع الأصوات، ويكتفى بالمقارنة بينها من خلال السمع فقط، وهذا أمر غير علمى بالمرة، خاصة أن هذه القضايا متوقف عليها حياة إنسان مثل القضايا التى يصل الحكم فيها إلى الإعدام، ومن هنا تظهر أهمية البصمة الصوتية وإدراجها فى المجتمع، وأيضا أن تكون لدى المجتمع معرفة بهذا العلم المهم.
- هل قمت بقياس البصمة الصوتية لأحد المتهمين؟
كل عملى مبنى على الواقع العملى، فانا أمارس ذلك فى الأبحاث العلمية، لكن لا أستطيع أن امارس ذلك فى المحاكم والجهات القضائية لأن الأمر يتطلب تشريعا يسمح بوجود هذا العلم ضمن علوم الكشف عن الجرائم، لأننى لا أستطيع أن يتم اعتمادى كخبيرة أصوات جنائية لدى المحاكم، لأنه- قانونا- لا يوجد اعتراف بهذا العلم حتى الآن، ومن خلال الندوة التى عقدت فى مكتبة الإسكندرية كانت التوصية الرئيسية ضرورة أن يكون لدينا تشريع مصرى يعترف بهذا العلم ويتعامل معه، لأن الطب الشرعى لا يوجد به سوى تحليل الحامض النووى والبصمة اليدوية والتعرف على الأصوات من خلال فنيين، وليس خبيرا.
فى الولايات المتحدة الأمريكية تم قبول البصمة الصوتية وعلم الصوتيات الجنائية فى عام 1991، وأصبحت بصمة الصوت معترفا بها قانونا فى المحكمة من خلال الاستعانة بخبير صوتى يقوم بمقارنة الأصوات الموجودة فى القضية، وبالتالى يؤخذ بتقريره، لكن فى مصر لا يوجد هذا الأمر.
- كيف يستفيد النظام القضائى المصرى من البصمة الصوتية؟
البصمة الصوتية ستسهم فى رفع نسبة تحقيق العدالة القضائية، خاصة القضايا التى يتم حسمها من خلال الصوت، والتعرف على المجرم، خاصة فى قضايا مثل الاغتصاب التى يقوم خلالها المجرم بتغطية وجه حتى لا يظهر، والدليل الوحيد هو الصوت، فهذا دليل قاطع فى القضية.
نحن فى حاجة لتشريع يضع البصمة الصوتية ضمن علوم الكشف عن الجريمة والمجرمين مثل بصمة اليد وتحليل الحامض النووى، لأننى لا أستطيع أن أمارس مهنتى بدون هذا التشريع.
- هل يحتاج التشريع مجموعة كبيرة من الخبراء؟ 
لا يحتاج لعدد كبير، لأن الفكرة تتعلق بعدد القضايا، ومع مرور الوقت وخروج دفعات جديدة سيكون لدينا العدد الكافى من الخبراء، وأنا من جانبى أحاول نشر أهمية هذا العلم قدر استطاعتى، من خلال ندوات والحديث مع الشباب، وأجد من خلال الحديث معهم رغبتهم فى دراسة هذا العلم، وكانت لى ندوة هذا العام تحت عنوان «شخصيتك من صوتك»، حظيت بحضور كبير، خاصة بعدما أيقن المتخصصون أهمية هذا العلم، لأن الصوت شىء مميز.
- كم دولة تأخذ بالبصمة الصوتية؟
ليس لدى عدد معين، لكن ما أعرفه أن الولايات المتحدة الامريكية وألمانيا تأخذان بها.
- ما هو الفارق بين البصمة الصوتية وغيرها من أدلة الإثبات؟
بصمة الإصبع أو العين أو الصوت كلها تندرج تحت مصطلح «البيومتريكس» أى البصمات الحيوية للإنسان، فكلها ثابتة فى جسم الإنسان لا تتغير، لكن إذا حدث شىء فى يد أى إنسان أو أصبعه يستحيل معها الاعتماد على بصمة الإصبع، كما أن الحامض النووى وجد العلماء حدوث تطابق خاصة بين الأشقاء، لذلك فهو مضلل فى بعض الأحيان، أما بصمة الصوت فهى شىء متحرك، صوت الإنسان لا يتغير وبه الكثير من التفاصيل.
- لكن قد تحدث بعض المضاعفات التى تؤثر على الصوت فكيف يكون الحل حينها؟
أيا كانت المضاعفات فهى تحدث تغييرا فى الخامة التى تسمعها، لكن تحليل النتائج تظهر حقيقة الصوت.
- هل توجد فى مصر المعامل التى نستطيع الاعتماد عليها فى بصمة الصوت؟
الموضوع أبسط من ذلك بكثير، فلا يحتاج لمعامل، ويمكن الاعتماد على جهاز كمبيوتر وخبير فقط.
- ألا يمكن اعتبار ذلك تسهيلا للمشكلة؟
فى أمريكا على سبيل المثال يتم العمل من خلال الأجهزة، حيث يتم تجميع الأصوات كلها على جهاز، ويقوم الخبير بفحص هذه الأصوات، لكن بالنسبة لنا فنحن فى البداية، وبالتالى سنحتاج للخبير فى بداية الأمر، أو القدرة البشرية حتى تستطيع أن تقوم بتأسيس هذه البرنامج والتطبيق، فنحن بحاجة لخبراء يتم تنميتهم من خلال إجراء العديد من الأبحاث فى هذا المجال، وبالتعاون مع المبرمجين والبرمجة اللغوية العصبية، نستطيع  إنشاء برنامج يسهل التعامل مع بصمة الصوت، وتكون مهمة  الخبير فى هذه الحالة هى الإشراف، لكن الوصول إلى هذه المرحلة سيستغرق وقتا.
- متى يمكن القول إننا اقتربنا من اعتماد بصمة الصوت فى الأدلة الجنائية؟
للآن أنا أحارب بمفردى، فلا توجد لدى مجموعة تساعدنى، وإنما أقوم فى الاتجاه العلمى ونشر أبحاثى وعقد ندوات للتعريف بهذا العلم، لكن ما زلت أحتاج للتشريع حتى أستطيع الممارسة العملية، ويكون ذلك حافزا للكثيرين.
فالبصمة الصوتية لها تطبيقات كثيرة بخلاف التعرف على المجرمين، فهناك بنوك على سبيل المثال فى سويسرا تتعامل ببصمة الصوت، وهناك مكاتب ومؤسسات تتعامل بها بديلاً لبصمة الإصبع، الموضوع له استخدامات كثيرة جدا مجتمعيا، وأتمنى أن يكون هناك تركيز من جانب الإعلام على هذا الأمر.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة