تركيا وحكومة الوفاق.. تعاون مشبوه وانتهاك للقوانين الدولية

السبت، 04 يناير 2020 09:00 ص
تركيا وحكومة الوفاق.. تعاون مشبوه وانتهاك للقوانين الدولية
أردوغان والسراج

النظام التركي يرفض العدول عن انتهاك القوانين الدولية ودعم الإرهاب، إذ أثار توقيع رجب طيب أردوغان مذكرتي تفاهم مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج، استهجانًا إقليميًا ودوليًا واسعًا لما يمثله من انتهاك للقوانين الدولية ولاتفاق الصخيرات الموقّع في ديسمبر 2015.
 
وتشمل مذكرتي التفاهم بين أردوغان والسراج، اتفاقية حول "السيادة على المناطق البحرية"، والثانية حول "التعاون الأمني والعسكري بين البلدين".
 
استهجان واستنكار ورفض من مصر وقبرص واليونان، تجاه توقيع مذكرتي التفاهم باعتبار الأمر مخالف للمواثيق الدولية وليس له أي أثر قانوني.
 
الدول الثلاث أصدرت بيانًا مشتركًا اعتبرت فيه أن توقيع مذكرتي التفاهم حول التعاون الأمني والمناطق البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية إجراء لا يوجد له أي أثر قانوني.
 
كما أكدت وزارة الخارجية المصرية أن رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج لا يملك الحق في توقيع مذكرات التفاهم هذه؛ لأنها يجب أن توقّع من قبل المجلس الرئاسي ككل وليس رئيسه فقط، وبالتالي فإن هذا التوقيع غير شرعي. 
 
رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، بدوره حذر من ارتفاع مخاطر وقوع حوادث في بحر إيجة جرّاء استمرار "السلطات التركية بالتصرف بشكل عدواني"، قائلًا: إن الموقف التركي الاستفزازي يمتد ليشمل الانتهاكات في المنطقة الاقتصادية الخاصة لقبرص بخرق القانون الدولي في شرق البحر المتوسط. واستدعت الخارجية اليونانية السفير التركي لديها، وأدانت الاتفاق، واصفة إياه بأنه انتهاك واضح لقانون البحار الدولي، ولا يتماشى مع مبدأ حسن الجوار الذي يحكم بين الدول، واستدعت سفير حكومة الوفاق لديها وأمهلته الوقت حتى الخميس القادم لمغادرة اليونان، إذا لم تعد حكومة الوفاق النظر في خطوتها بتوقيع المذكرة مع الحكومة التركية.
 
كما أكد وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس أن هذا الاتفاق تجاهل الحجم الجغرافي الكبير لجزيرة كريت اليونانية التي تفصل تركيا عن ليبيا. وتوافق دندياس في لقائه مع وزير الخارجية سامح شكري على عدم شرعية قيام السرّاج بالتوقيع على مذكرات مع دول أخرى خارج إطار الصلاحيات المقررة في اتفاق الصخيرات.
 
أما قبرص فقالت وزارة خارجيتها إن مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق ليس لها أي صلاحية قانونية ولا يمكنها تقويض حقوق قبرص أو الدول الساحلية الأخرى، مشيرة إلى أن قيام تركيا بتشويه القانون الدولي لا يمنحها أية حقوق قانونية ويثبت أن أنقرة تتبنى وجهات نظر منفردة.
 
تمثل الخطوة التي أقدم عليها فايز السرّاج بداية لأن تفقد حكومته الدعم والتأييد الدولي الممنوح لها، بل والوصول إلى سحب الاعتراف بها ونزع جملة "المعترف بها دوليًا" المقترنة بذكر حكومة الوفاق، وذلك لما يمثله توقيع مذكرات التفاهم مع أنقرة من مخالفة صريحة لاتفاق الصخيرات وبمضامين الإعلان الدستوري الليبي التي تمنعها من توقيع أي اتفاقية مع دولة أجنبية دون موافقة البرلمان المنتخب. وانتهاكًا للقوانين الدولية التي تنظم ترسيم الحدود البحرية وتضع أسسًا لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة.
 
ومن جانبه طالب رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، في خطابين منفصلين لأميني المنظمتين بإصدار قرار بسحب اعتماد حكومة الوفاق، واعتماد الجسم الشرعي الوحيد وهو مجلس النواب وما ينبثق عنها وعدم الاعتراف بمذكرة التفاهم المذكورة واعتبارها كأنها لم تكن.
 
فالوفاق بذلك خسرت العالم في مقابل كسب دعم وتأييد نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، متجاهلة التوازنات السياسية والاستراتيجية في المنطقة، ومواقف القوى الكبرى، خاصة وأن التدخل التركي في ليبيا بات يؤرق القوى الدولية، وخاصة الولايات المتحدة التي عبّرت عن رفضها محاولات التمدد التركي في شرق المتوسط، إضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي التي حذّرت أنقرة ليس مرة من مغبة انتهاكاتها للقوانين الدولية في شرق المتوسط، وتعديها على حقوق الدولتين الأوروبيتين قبرص واليونان.
 
تركيا تؤكد دائمًا أن انتهاكاتها في شرق المتوسط والتنقيب عن الغاز هناك تأتي ضمن حقوقها التي يكفلها القانون الدولي، وذلك ما جاء على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو، زاعمة أن أعمال التنقيب عن النفط والغاز، التي تقوم بها شرق المتوسط، تجري في جرفها القاري، وفي المناطق التي حصلت فيها على ترخيص من "جمهورية شمال قبرص التركية" غير المعترف بها دوليًا، وهو ما يتجاهل عنوة وجود جزر دوديكانيسيا في جنوب غرب بحر إيجة، بجانب جزيرة كريت، وهي الجزر اليونانية الواقعة بين تركيا وليبيا بالبحر المتوسط.
 
انتهاكات حذر الاتحاد الأوروبي تركيا أكثر من مرة من عواقبها، ووضع وزراء خارجية الاتحاد في 11 نوفمبر الماضي، الإطار القانوني الذي يسمح بفرض عقوبات على تركيا جرّاء تلك الانتهاكات، ويتيح هذا الإطار للاتحاد الأوروبي فرض حظر سفر وتجميد أصول بحق أفراد وكيانات على صلة بأنشطة التنقيب في المياه الإقليمية لقبرص، وعقوبات على الأنشطة التي قد تعرض للخطر، أو تعرقل التوصل لاتفاق بشأن ترسيم الحدود.
 
وتضع تركيا نفسها بمذكرات التفاهم التي وقعّتها مع حكومة الوفاق تحت طائلة هذه العقوبات الأوروبية بشكل أكبر، لأنها تمس بشكل كبير حقوق كل من قبرص واليونان في ثروات شرق المتوسط، وهي الثروات التي تُعدُّ ثروات للاتحاد الأوروبي وفقًا لقواعد الاتحاد.
 
كما تزيد أنقرة من توتراتها مع حلف الناتو التي بدأت بشرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية إس 400 وما تمثله من خرق للمنظومات الدفاعية للحلف، وبالتالي فالمواجهة آتية، خاصة بعدما أعلن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أن أثينا ستطلب الدعم من حلف الناتو خلال قمته المقررة هذا الأسبوع في لندن، قائلًا "الحلف لا يمكنه أن يبقى غير مبالٍ عندما ينتهك أحد أعضائه القانون الدولي ويسعى إلى إلحاق الضرر بعضو آخر".
 
من المزمع أن تجتمع الدول المعنية بالملف الليبي في العاصمة الألمانية برلين قريبًا؛ لمناقشة الأزمة الليبية والبحث نحو سبيل لتسوية سياسية للأزمة. ومع توقيع مذكرات التفاهم بين حكومة الوفاق وتركيا، وفقدان "الوفاق" قدرًا كبيرًا من رصيدها لدى المجتمع الدولي، قد تشهد أروقة هذا المؤتمر تغيرًا في مواقف بعض الدول تجاه الأزمة الليبية.
 
إذ تؤكد الخطوة التي أقدم عليها فايز السراج عدم سعي حكومته إلى الوصول إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة الليبية، وسعيه إلى فرض أمر واقع يتيح لتركيا "استباحة أراضي الدولة الليبية وأجوائها وموانيها ومياهها الإقليمية، ما يترتب عليه احتلال الجيش التركي لأراضي الدولة الليبية وانتهاك سيادتها" كما جاء في خطابي رئيس مجلس النواب الليبي.
 
مما قد يحول دفّة دعم وتأييد الدول المعنية بالملف الليبي نحو الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في معركته لتحرير العاصمة طرابلس من الميلشيات الإرهابية التي تساند حكومة السرّاج بدعم عسكري بيّن من النظام التركي، تسعى أنقرة إلى شرعنته من خلال مذكرات التفاهم سالفة الذكر؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أنقاض حكومة الوفاق التي تتهاوى على وقع ضربات الجيش الليبي المستمرة لقواعدها، وتحقيقه تقدمًا ميدانيًا على محاور العاصمة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق