ما بعد مقتل قاسم سليماني؟
الجمعة، 03 يناير 2020 04:47 م
يبدو أن إيران جاهزة لكافة السيناريوهات، فلم تمر سوى ساعات على مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، أبرز أذرع ميليشيات الحرس الثوري الإيراني، والمسؤول الأول عن العمليات العسكرية خارج حدود الإقليم، وأوكلت المهمة إلى العميد إسماعيل قاآني.
تلك السرعة في الإعلان تحمل رسالة مهمة لخصومها كافة، تقول إنها مستعدة لكافة السيناريوهات، وأن لديها عدة طبقات من القادة يمكنهم ملء الشغور الناتج عن تغييب أي شخصية حتى لو كانت على المستوى الأعلى، فتلك العملية كانت متوقعة، فهي على رأس أولويات الإدارة الأمريكية.
فالجنرال سليماني، والذي قتل فجر الجمعة، مثل خطراً استراتيجيا على المصالح الأمريكية وخصوم إيران، فهو من أسس لفوضى المليشيات في الإقليم العربي، وعزز من سيطرة طهران في اليمن ولبنان وسوريا والعراق. بعيداً عن كونه الرجل الأبرز في معركة القضاء على تنظيم داعش في سوريا والعراق.
الأمر لن يمر مرور الكرام، فهناك جملة من السيناريوهات التصعيدية التي تشهدها المنطقة في الآونة المقبلة، فالمرشد الأعلى للثورة الإيرانية أعطى أوامره بالرد على اغتيال محاربه الأبرز، قائلًا: «ينتظر المجرمين قتلة سليماني انتقام عنيف».
في البرقية التي نشرتها وكالة الأنباء الإيرانية فارس، قلد الخامنئي إسماعيل قا آني رتبة لواء، وجاء نص القرار: «عقب عروج الشهيد رفيع المنزلة واللواء شامخ القامة الحاج قاسم سليماني، فإنّني أوكل مهمّة قيادة قوّة القدس في حرس الثورة الإسلامية للواء رفيع الشأن إسماعيل قاآني، الذي كان من أبرز قادة الحرس في مرحلة الحرب المفروضة وخدم طوال أعوام مديدة في قوّة القدس إلى جانب اللواء الشهيد في المنطقة. برنامج عمل تلك القوّة هو نفس البرنامج الذي كان في فترة قيادة الشهيد سليماني».
ورغم أن المرشد الأعلى تمنى لسليماني الشهادة في مارس الماضي، إلا أن الضربة قوية للغاية، وقد تكون وفقا للقادة الأمريكيين أكبر انتصارا من قتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي ومن تصفية أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الأبرز، ما يعني أن الرد سيطول أطرافا كثيرة، وتحديدا الدول التي تحوي مصالحا أمريكية، سواء بهجمات معلنة أو عبر وكلاء.
تتمركز المصالح الأمريكية وقواتها في المنطقة في دولٍ عدة على رأسها المملكة العربية السعودية ولبنان وقطر والعراق وحليفة واشنطن الأقوى في المنطقة إسرائيل، لكن لنستبعد الدوحة عن تلك السيناريوهات فهي حليف قوي لطهران.
البداية مع السعودية، فمن المحتمل أن تعيد جماعة أنصار الله الحوثي في اليمن- أبرز وكلاء طهران- هجومها على المنشآت النفطية في الجنوب السعودي، وعودة إطلاق صورايخ باليستية (نوع بدر P1) إيرانية الصنع تستهدف بها أنحاء من المملكة، كما حدث من أسبوع، حيث استهدفت معسكر قيادة اللواء 19 حرس حدود، في بئر عسكر بمدينة نجران، ومن قبله بأشهر استهدفت محطات النفط لشركة أرامكو.
إسرائيل أيضًا قد يستهدفها حزب الله اللبناني، والذي فقد سامر عبدالله، مسؤول جهاز العمليات الخارجية في ميليشيا حزب الله، صهر عماد مغنية أحد قادة الحزب البارزين، في الضربة الأمريكية التي استهدفت سليماني. الحزب نفى ذلك، لكنه المرجح رده انتقاما للقائد الأبرز في الحرس الثوري.
تلك الاحتمالية ليست حتمية، فتل أبيب لم تشترك في العملية العسكرية التي نفذت قرب مطار بغداد، لكنها مستعدة لأي طارئ، قد يحدث من إيران وأذرعها في سوريا أو لبنان.
وفي ظل تلك السيناريوهات، تبقى العراق البقعة الأكثر سخونة، فمن الحتمي أن ترد ميليشيات الحشد الشعبي على تلك العملية، والتي فقد فيها نائب رئيس ميلشيات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، لذا كان التحرك الأمريكي سريعا، فقد دعت الخارجية الأمريكية كافة رعاياها إلى مغادرة العراق على الفور.
حلف شمال الأطلسي (ناتو) أيضًا توقع وقوع عمليات عنف، وقال في بيان إنه يراقب عن كثب الوضع في المنطقة عقب مقتل قاسم سليماني، وأن سلامة أفراده في العراق أساسية، ويواصل اتخاذ كل التدابير الاحترازية الضرورية. وسط تلك السيناريوهات، الحتمي أن تكون العمليات انتقامية للغاية.
وبعيداً عن ذلك، فإن خطط قاسم سليماني لن تنتهي في المنطقة، فقائد فيلق القدس الجديد، المولود في مدينة مشهد الإيرانية عام 1957، يملك زمام الأمور، ويعرف الداخل والخارج، فهو المسؤول المالي عن فيلق القدس، وتمويل كافة الأذرع العسكرية الخارجية، بدءًا بحزب الله في لبنان، مروراً بفصائل فلسطينية على رأسها الجهاد الإسلامي وحماس بشكل جزئي، والتي نعت سليماني بشكل رسمي.
لكن يبقى السؤال: هل ارتكب قاسم سليماني خطأً لأنه اجتمع مع كل هؤلاء القادة الميدانيين العراقيين واللبنانيين في آن واحد، أم أن الأمر سبق الإعداد له؟ لكن هناك معلومة تقول إن طائرات مسيرة أمريكية راقبت طائرة سليماني من لبنان حتى وصولها العراق وقصفت موكبه بصواريخ «هيل فاير».