«غضبة البابا».. كيف أثارت هجمات الكتائب الإلكترونية استياء البابا تواضروس؟

الإثنين، 30 ديسمبر 2019 08:00 م
«غضبة البابا».. كيف أثارت هجمات الكتائب الإلكترونية استياء البابا تواضروس؟
قداسة البابا تواضروس الثاني

حين سأله أحد الشباب في اجتماع كنسي منذ أيام، عن قرار الأنبا سرابيون مطران لوس أنجلوس بصلاة قداس إضافي لعيد الميلاد المجيد يوم 25 ديسمبر، تحدث البابا منفعلًا: «أنا البابا ولي سلطة التدبير الرعوي».

وقال البابا، رسالة الأنبا سرابيون وجهها لشعب إيبارشيته فقط، ومن المفترض أن ننتظر ونرى نتيجة تجربته فى إقامة قداس إضافى لعيد الميلاد المجيد»، مشيرًا إلى أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفل بعيد الميلاد المجيد فى 29 كيهك من كل عام، لكنها تقيم قداسات يومية وتتذكر ميلاد السيد المسيح كعيد كل شهر.
 
وهاجم المعترضين على إقامة قداسين لعيد الميلاد المجيد، ومهاجمى رساله الأنبا سرابيون قائلًا: «إقامة قداسين لعيد الميلاد المجيد ليس تفريطًا فى إيمان وعقيدة الكنيسة الأرثوذكسية، وليس اعتداءً على طقس ولا عقيدة ولا تقليد ولا تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية»، ووجه تساؤلًا لمهاجمى القرار: «هل أنت تعيش فى نفس الظروف المحيطة بشعب الكنيسة فى الخارج؟».
 
وتابع البابا: «كان من المفترض عندما أوضحت كل شىء عن رسالة الأنبا سرابيون، فى اجتماع الأربعاء 11 ديسمبر الجارى، أن يُغلق الموضوع ولا يتكلم فيه أحد مرة أخرى ويجدده، من خلال إصدار البيانات والأبحاث».
 
وقال البابا: «دائمًا نحن كمصريين وشرقيين نتعامل بنظرية المؤامرة، فعند إنشاء المكتبة البابوية بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون هاجمها بعض الجهلاء، مدعيًا أنها أول خطوة فى طريق أن تصبح الكنيسة الأرثوذكسية كاثوليكية».
 
وشدد البابا تواضروس الثانى ، على الآباء الأساقفة والكهنة بضرورة توعيه الشباب القبطى، والحفاظ على وحدة الكنيسة، موضحًا أن «آباء الكنيسة لديهم الغيرة الشديدة على الكنيسة القبطية، لكننا فى القرن الـ21 يجب أن تواكب الكنيسة ظروف كل زمن بما هو يتناسب، ودون المساس بالعقيدة، ودون تفريط على الإطلاق فى أى شيء».
 
وأشار البابا، إلى أن أساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يرجعون إليه عند وجود احتياجات خاصة لإيبارشيتهم، وأن الأنبا سرابيون قُبيل إصدار الرسالة تحدث معه، وبناءً على احتياجات رعوية، وتوصية المجمع المقدس للمهجر الذى أصدرها فى دورته فى يونيو الماضى، تمت الموافقة على إقامة قداسين لعيد الميلاد المجيد.
 
وردًا على سؤال موجه له من أحد الكهنة على ضرورة انعقاد المجمع المقدس قُبيل الموافقة على طلب الأنبا سرابيون، شدد البابا تواضروس قائلًا: «البابا البطريرك لديه السلطة فى الكنيسة فى التدبير الرعوى للإيبارشيات»، متسائلًا: «ما الذى تغير فى إقامة قداسين لعقد جلسة طارئة أو انعقاد للمجمع المقدس؟ يجب أن تكون الأمور واضحة، وهذا الأمر من اختصاص البابا البطريرك، ولم يتم المساس بالعقيدة أو الإيمان أو تغييرهما حتى يثار هذا الجدل».
 
- كيف نجحت الكتائب الإلكترونية في إثارة غضب البطريرك؟
 
للمرة الأولى يلجأ البابا تواضروس لاستخدام تلك النبرة الحادة في حديثه عن قراراته الإصلاحية إذ ظهر غاضبًا في الفيديو بعدما نجحت الكتائب الإلكترونية وهجوم بعض الأساقفة التقليدين مثل الانبا أغاثون اسقف مغاغة والانبا مايكل الأسقف العام، في إخراج البابا عن صبره المعتاد في التعامل مع مثل هذه الأزمات التي اعتاد الأسقفين إثارة البلبلة فيهما.
 
الهجوم الذى قادته الكتائب الإلكترونية المحسوبة على التيار التقليدي خلطت الزيت بالماء، إذ اعتادت تلك الكتائب على استخدام فزاعة «حماية الإيمان والتقليد والعقيدة الموروثة»، كفزاعة ضد قرارات البابا تواضروس، بينما يعرف الجميع إن قضية الاحتفال بالعيد سواء 7 يناير أو 25 ديسمبر ما هو إلا اختلاف في التقويم بين الكنائس التي تتبع التقويم الشرقي والأخرى التي تتبع التقويم الغربي وهو أمر لا يخص اللاهوت ولا العقيدة من قريب ولا من بعيد بينما يتم استخدامه في الهجوم على البابا تواضروس.
 
- لماذا نسي المتشددون سلطات البابا التي يكفلها له القانون الكنسي؟
 
منذ بداية عصره، عمل البابا تواضروس، على إتباع سياسات سعة الصدر واستيعاب المختلفين معه حتى إنه عقد منذ عامين اجتماعا مع شباب قبطي يعارضه على مواقع التواصل الاجتماعي، رغبة منه في الاستماع إليهم، كذلك فإن البطريرك وفي تصريحاته الصحفية الأخيرة، وصف المتشددين كنسيا بـ «أولادي وأصلي لهم»، إلا أن سعة الصدر تلك لم تترجم على النحو الصحيح خاصة وإنها تأتي بعد سنوات من إقصاء المختلفين مع السلطة الباباوية إما بالمحاكمة أو الإبعاد أو الإيقاف عن الخدمة وهو ما حدث طوال 40 سنة من عصر البابا شنودة قاسى فيها المختلفون معه مرارات الإبعاد والحرمان الكنسي إما بقرارات من الانبا بيشوي الذى شغل منصب سكرتير المجمع المقدس سنوات طويلة أو بقرارات مباشرة من البابا شنودة.
 
ولعل قائمة المبعدين كنسيا لأسباب فكرية أو لاهوتية خير دليل على ما كان يحدث في عصر الإقصاء من بينهم القس إبراهيم عبد السيد الذى رفض البابا شنودة السماح بالصلاة عليه بعد وفاته وجرى إيقافه سنوات طويلة عن الخدمة الكنسية لمجرد إصداره كتب تخالف آراء البطريرك بالإضافة إلى الصراع الطويل بين البابا شنودة والقمص متى المسكين ومدرسته اللاهوتية والتي تم على إثرها منه كتب المسكين من مكتبات الكنائس، وكذلك حرمان جورج حبيب بباوي أستاذ اللاهوت كنسيا بقرار من المجمع المقدس والقائمة تطول.
 
إزاء كل هذه السياسات التى عاشتها الكنيسة طوال 40 عامًا، جاء البابا تواضروس الثاني وقرر ألا يحذو مثلها فلم يحيل أسقف واحد للمحاكمة طوال السبع سنوات الفائتة، بينما كانت لجان المحاكمة الكنسية سيف يسلط على رقاب معارضي سلفه البابا شنودة. مع سياسات الانفتاح على الجميع، والترحيب بالمختلفين معه، نسي المتشددون أن للبطريرك سلطات كنسية في التدبير الرعوي تمنحه الحق في منح استثناءات كالتي منحها لإيبراشية لوس انجلوس بعدما صدر قرار من المجمع المقدس في يونيو الماضي يتيح لكنائس المهجر الحصول على هذه الاستثناءات.
 
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيسة مجمعية أي أن قراراتها تصدر عن مجمع الأساقفة الذى يترأسه البابا وليست كنيسة باباوية ككنيسة الفاتيكان تتيح للبطريرك إصدار قرارات منفردة، ومع ذلك فإن القانون الكنسي القبطي يكفل للبطريرك بعض الصلاحيات ينساها المختلفون معه أو يتناسونها عنوة كأداة لإثارة البلبلة والصراع.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق