ثورات المصريين ضد الأتراك: تاريخ من النضال ضد الاحتلال

الإثنين، 16 ديسمبر 2019 09:00 م
ثورات المصريين ضد الأتراك: تاريخ من النضال ضد الاحتلال
العثمانيين

عقب سقوط دولة المماليك البرجية عن حكم مصر، بدأت مراحل حكم آخر الدول التى تتخذ لواء الدولة الإسلامية شعارا، وهى الدولة العثمانية الغازية، بداية من عام 1517م. ورغم إسهاب الكثير من الباحثين والمؤرخين فى تأريخ استيلاء الدولة العثمانية على مصر، وفترة وجودهم التى كانت سببا فى تأخر البلاد بشكل كبير فنيا وثقافيا، إلا أن قليلا منهم تحدثوا عن ثورات التمرد التي قادها مصريون ضد الاحتلال العثماني، واكتفوا بأحاديث مقتضبة عن تلك الحركات التي اشتعلت ضد الوجود التركي في مصر، فيما تجاهلها آخرون تجاهلا تاما.

تمرد الشيخ عبد الدايم بن بقر فى الشرقية

كانت أولى الاضطرابات التي برزت فى مصر مع مطلع الحكم العثماني تلك التي قادها الشيخ عبد الدايم بن أحمد بن بقر، شيخ العرب في إقليم الشرقية، وذلك في عام 1518م، بعد ما خرج عن طاعة والي مصر خاير بك.

السلطان الغازى سليم الأول
السلطان الغازي سليم الأول

وبحسب دراسة بعنوان «أعمال العصيان والتمرد التى واجهتها الدولة العثمانية فى مصر ما بين عامى 1518-1524»، للدكتور أحمد حسين، نشرت بالعدد الرابع من مجلة «الدراسات التاريخية والحضارية» أكتوبر 2012، فإنه بعد استعانة خاير بك بالمماليك الجراكسة، بدأت سوء أحوال الفلاحين، وواجه الوالى العثمانى عصيانا فى منطقة الشرقية، قاده الشيخ عبد الدايم بن بقر، حينما خرج عن طاعته وأعلن نفسه حاكما على المناطق التى كانت خاضعة لسيطرته، واستغل بن بقر فرصة انشغال الجيش العثمانى بالتصدى لفلول الأمراء المماليك، فقام واستولى على الكثير من الأموال، وقتل الكثير من جنود المماليك والعثمانيين.

وفشل خاير بك فى استمالة الشيخ عبد الدايم بن بقر، مما اضطره لتعيين والده الشيخ أحمد بن بقر حاكما على المنطقة الشرقية، لكن أعمال التمرد زادت، وبعد وفاة خاير بك، تولى مصفى باشا، زوج أخت سليمان القانونى، ورغم رفض المصريين وجود حاكما عثمانيا عليهم وقيام أعمال تمرد ضده، إلا أنه استطاع القضاء على العصيان.

عصيان وتمرد إينال السيفى وجانم السيفى على الحكم العثمانى

فى عام 1521، قاد جان بردى الغزالى، الأمير المملوكى عصيانا على الدولة العثمانية فى الشام، وقام بأعمال عصيان وتمرد بعدما أحس بفقد امتيازه وسلطته وجاهه، ورغم تمكن السلطان سليمان القانونى من القضاء على التمرد، إلا أنه واجه عصيانا وتمردا جديدا تزعمه اثنين من قادة المماليك، هما إينال السيفى كاشف العربية، وجانم السيفى كاشف البهنسا والفيوم.

وتوجه الأميران إلى المنطقة الشرقية، وانضم إليهما الكثير من القبائل حتى بلغ عددهم عشرين ألفا وأعلنا العصيان والتمرد ضد الدولة العثمانية، ورفضا دفع الضرائب، وتمكن العصيان من جمع عدد كبير من الأتباع والمؤيدين.

وحاول مصطفى باشا قمع التمرد، وحاول الإيقاع بين الأميرين بأن أرسل لكل واحد فيهما منفردا يحسه على قتل الآخر، وهو ما زاد من تكاتفهما، فحاول مصطفى باشا استمالة أمراء المماليك وأعيان العرب، وأرسل إليهم يمنحهم الأمان ويخفض الضرائب فى حال الوقوف إلى جانبه، وهو ما تسبب فى عزل الكثير من أتباع إينال وجانم.

باب زويلة
باب زويلة

وتوضح الدراسة، أن القاضى موسى بن بركات الشهير بالزينى بركات، أمر مصطفى باشا بالتريث فى شأن القتل وأصر على أن يفاوض زعماء التمرد، غير أن فصاحته فشلت فى إقناع السيفى بالعدول، وأمر بقطع رأس الزينى، لأنه خائن للمماليك.

وعندما علم الوالى مصطفى بمقتل الزينى بركات ثارت ثائرته وزاد غضبه وعلى الفور عقد اجتماع وجمع قادة جيشه وبعض أمراء المماليك وشيوخ القبائل المؤيدين، وأمر الجيش الانكشارى الموجود بالقاهرة بالخروج بحملة عسكرية للقضاء على المتمردين، ودارت معركة فى المنطقة الشرقية قتل فيها جانم السيفى، وتمكن إينال من الهرب إلى غزة، وأمر مصطفى باشا بتعليق رأس جانم على باب زويلة.

تمرد الوالى العثمانى أحمد باشا

استقرت الأوضاع فى مصر نسبيا بعد أن تمكن مصطفى باشا من القضاء على أعمال العصيان والتمرد الذى قاده إينال وجانم السيفى، وبعد ذلك عين السلطان العثمانى سليمان القانونى قاسم باشا واليا جديدا بدلا من مصطفى باشا، ثم عين أحمد باشا واليا جديدا.

وكان أحمد باشا أحد قادة الجيوش التى شاركت فى الفتوحات العثمانية فى أوروبا، ولا سيما البلقان، ونتيجة لجهوده فى خدمة الدولة العثمانية صار الوزير الثانى بعد الصدر الأعظم فى الدولة، وكان يتوقع توليته منصب الصدارة العظمى، بعد عزل الصدر الأعظم بيرى باشا، غير أن منافسه إبراهيم باشا، نجح فى الحصول على المنصب، فأثار غضب أحمد باشا، وتجنبا للاضطرابات قرر السلطان إبعاد أحمد باشا عن العاصمة إسطنبول وتعيينه على مصر.

الجيش العثمانى
الجيش العثمانى

وعندما جاء أحمد باشا إلى مصر عام 1523م، بدأ ممارسة مهامه وإلحاق الموظفين والقوات المملوكية فى جهازه، ولم تكن فى هذه الفترة استقرت أعمال العصيان تماما، فبدأ الوالى فى اتخاذ تدابير تميدا لإعلان استقلاله، وقام بإعدام قادة الانكشارية بحجة امر السلطان بذلك، وساعدت مساحة مصر ومواردها ووجود المماليك الناقمين على العثمانيين أحمد باشا فى عصيانه.

ومع تفاقم الأوضاع وتدهورها خشيت الدولة العثمانية من فقدان سلطانها، فعمدت على بث الشائعات فى مصر، مفادها أن أحمد باشا الذى لقب بالخائن على علاقة وطيدة بالصفويين فى بلاد فارس، وأنه وقع تحت تأثير ظهير الدين الأردبيلى، فتحول عن المذهب السنى وصاع من أتباع الشاه إسماعيل الصغوى، وتحول إلى اعتناق المذهب الشيعى، ونجح العثمانى نفى استعمال الدعاية بمهارة، ونجحوا فى تشويه صورة أحمد باشا، حيث أعلن قضاة المذاهب الأربعة فى مصر أن أحمد باشا كافر خارج عن الدين، وحثوا الجيش على قتله وقمع تمرده، وهو ما تسبب فى انهيار قوة الأخير، ورغم هروبه إلى الشرقية لكن ملاحقة الجيوش العثمانية له، وتخلى الشيخ أحمد بن بقر عنه خوفا من قوة العثمانيين، جعلته يقع فى الأسر وأمر الجيش العثمانى بقطع رأسه فى السادس من مارس عام 1524.

تمرد على بك الكبير

على بك الكبير
على بك الكبير

على بك الكبير (1728م - 8 مايو 1773م)، مملوكى حكم القاهرة كشيخ البلد أيام العثمانيين، وأحد أشهر المماليك الذين حاولوا الاستقلال بمصر عن الدولة العثمانية، لكن تعرضه للخيانة على يد محمد أبو الدهب، أنهى مشروعه الاستقلالى وأدى إلى قتله.

وبحسب ما يذكره كتاب «تاريخ مصر الجزء الرابع - المجلد الثانى ص 1142- 1143» للمؤرخ ساويرس بن المقفع، أن حملات على بك الكبير، التوسعية، جعلته يرسل حملة بقيادة مملوكه محمد أبو الدهب إلى الحجاز، وشجعه انتصاره فى الحجاز على إرسال حملة إلى بلاد الشام، إذ كان وعد بنجدة حليفه الشيخ ظاهر العمر، وبالفعل استطاع أبو الدهب قائد الحملة أن يحرز انتصارات عديدة، وعاونه الشيخ ظاهر العمر معاونة صادقة، فسقطت فى يده غزة ونابلس ويافا والرملة واللد وصيدا وغيرها.

لكن أبو الدهب انقلب على مولاه على بك وبدأ يطمع فى نسب كل هذه الانتصارات لنفسه، واستطاع أن يثير عليه البكوات، فكان تارة يصفه بالكفر والإلحاد، وتارة أخرى يتهمة بالعمل على إخضاع هذه البلاد للكفرة، فى إشارة منه على تعاون على بك مع الروس. وبالقرب من الصالحية دارت معركة حاسمة جرح فيها على بك ووقع فى أسر أبى الدهب، ثم ما لبث أن مات بعد ذلك بأيام معدودة فى 8 مايو 1773، وأفضى موت على بك إلى استئثار أبو الدهب بكل نفوذ وسلطة مصر.

إبراهيم بك ومراد بك ومحاولة الاستقلال

مراد بك
مراد بك

بعد وفاة محمد أبو الذهب بعد ثلاث سنوات من خيانته لعلى بك الكبير، تولى خلفا له إبراهيم بك ومراد بك حكم مصر، واقتسما أمور حكم البلاد، فصار إبراهيم شيخ البلد يقوم بالشئون الادارية، بينما كان يقوم مراد بشئون الجيش، دون الدخول تحت طاعة الباشا الذى عينه السلطان العثماني، وهو محمد باشا. ويوضح المؤرخ جورجى زيدان فى كتابه «تاريخ مصر الحديث مع فذلكة فى تاريخ مصر القديم - الجزء الثاني»، أن السلطان العثمانى أمر سنة 119هـ، أن يرسل إلى مصر جيش لإيقافهما بقيادة حسن باشا.

ووفقا للمؤرخين، أدى حسن باشا مهمته بحماس وتؤدة ونجح على المدى القصير فى إعادة فرض السيطرة المباشرة للدولة العثمانية على مصر، إسماعيل بك عـُيـِّن زعيماً جديداً للماليك وشيخ البلد (الحاكم المدنى والفعلى لمصر)، إلا أنه فى 1792، بعد مجرد ست سنوات من طرد حسن باشا لهم، عاد الحاكمان المملوكيان إلى القاهرة من مخبأهما فى الصعيد واستعادا السيطرة الفعلية، وظل حكمهما المشترك قائما حتى مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر 1798، التى كتبت نهاية حكمها للبلاد.
الحرب المصرية العثمانية (1831 - 1833)

الحرب المصرية العثمانية
الحرب المصرية العثمانية

الحرب المصرية العثمانية أو ما يعرف بحروب الشام الأولى هى جزء من الصراع العسكرى بين إيالة مصر والدولة العثمانية أثناء حكم محمد على باشا بدأ بمطالبة محمد على لسوريا العظمى، ازاء مساعدته للسلطان العثمانى أثناء حرب الاستقلال اليونانية فاكتفى السلطان بتقديم جزيرة كريت لمحمد على فاشتعلت لذلك الحرب وانتهت بانتصار محمد على ووصول نفوذ مصر إلى أعالى نهر الفرات.

وعقب نجاحه فى ضم السودان خلال الحملة العسكرية ما بين عامى 1820 و1824، استاء محمد على باشا من تصرفات العثمانيين تجاهه وتنكرهم لوعودهم. فخلال الحرب فى بلاد اليونان، تدخل الجيش المصرى لمناصرة العثمانيين أملا فى الحصول على ولاية الشام وضمها إلى مصر. لكن بعد انتهاء المعارك، رفض العثمانيون ذلك، لتشهد العلاقات بين محمد على باشا والسلطان العثمانى توترا غير مسبوق.

فى غضون ذلك، اتجه محمد على للسيطرة على بلاد الشام لاستغلال مواردها، خلال الحملة الأولى، بدأ التفوق واضحا للأسطول المصري، الذى سيطر على غزة ويافا وحيفا دون مقاومة، قبل أن يضرب حصارا شديدا على عكا استمر ستة أشهر، استسلمت إثره المدينة سنة 1832 ليقدم عقب ذلك رؤساء العشائر وأعيان سوريا ولاءهم لمحمد علي. إبراهيم باشا، ابن محمد على باشا، استطاع أن يسيطر على كل من دمشق وحلب وحمص وحماه، عقب معارك طاحنة هزم خلالها العثمانيون ليجتاز جبال طوروس ويتوغل فى الأناضول.

وخلال معركة قونية، يوم الواحد والعشرين من شهر  ديسمبر سنة 1832، التى استمرت لسبع ساعات فقط، منى الجيش العثمانى بهزيمة مذلة على يد القوات المصرية، التى نجحت فى أسر الصدر الأعظم. وعلى ضوء تلك المستجدات الميدانية الدراماتيكية، سارعت الدول الأوروبية، وعلى رأسها إنجلترا، إلى التدخل لوقف الحرب حيث تخوفت القوى الأوروبية من إمكانية سيطرة محمد على باشا على المضائق وتهديده لمصالحهم مفضلين بذلك إنقاذ العثمانيين والمحافظة على دولتهم الملقبة بالرجل المريض لسهولة التفاوض معها.

وبناء على ذلك، ضغط الأوروبيون على محمد على باشا والسلطان العثمانى ليتم التوصل إلى اتفاقية كوتاهية (Kütahya) الموقعة خلال شهر مايو سنة 1833 والتى اعترف من خلالها محمود الثانى بسيادة محمد على باشا على كل من مصر والجزيرة العربية والسودان وكريت والشام وفلسطين مقابل انسحابه من الأناضول.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة