بعد ارتفاع معدلات الانتحار.. وسائل التواصل الحديثة تؤدي إلى زيادة العزلة والاغتراب داخل الأسرة

الأحد، 15 ديسمبر 2019 10:00 ص
بعد ارتفاع معدلات الانتحار.. وسائل التواصل الحديثة تؤدي إلى زيادة العزلة والاغتراب داخل الأسرة
الانتحار
إيمان محجوب


الطب النفسى: الانتحار يرتبط بالعنف الأسرى وسوء المعاملة وفقدان الأحباب وعدم وجود دعم اجتماعى
 
الانتحار ظاهرة غريبة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية والتى تعتبره جرما كبيرا يرتكبه الإنسان فى حق نفسه والمجتمع، والمنتحرون فى مصر يخططون لنهاية حياتهم ويرسمونها بالألوان، وبطرق مختلفة، حيث يفضل المصريون الانتحار الاستعراضى فى الأماكن العامة مثل محطات المترو أو الغرق فى النيل والشنق أو القفز من مكان عال.
 
الانتحار هو الفعل الذى يتضمن تسبب الشخص عمدا فى قتل نفسه ويرتكب الانتحار غالبا بسبب اليأس، والذى كثيرا ما يعزى إلى اضطراب نفسى مثل الاكتئاب أو الهوس الاكتئابى أو الفصام أو إدمان الكحول أو تعاطى المخدرات، وغالبا ما تلعب عوامل الإجهاد مثل الصعوبات المالية أو المشكلات فى العلاقات الشخصية دورا فى ذلك. 
 
جرائم الانتحار الاستعراضى فى مصر
كثير من المنتحرين يفضلون الانتحار الاستعراضى وسط تجمعات فى محطات مترو الأنفاق، ومن فوق كبارى فى النيل، وهو ما فسره خبراء علم النفس والاجتماع بأن المنتحر يريد توصيل رسالة إلى شخص بعينه.
وفى خلال شهر تم رصد أكثر من جريمة انتحار داخل المجتمع المصرى بدأتها الطالبة شهد أحمد التى جاءت من السويس وألقت نفسها فى نيل القاهرة، حيث عثر على جثمانها فى نيل الوراق وكشف بيان النائب العام أن التحقيقات أثبتت معاناة الطالبة شهد أحمد من أزمة نفسية خلال أوقات متقطعة بالمرحلتين الإعدادية والثانوية، وبعد التحاقها بكلية الصيدلة بجامعة قناة السويس، ومنذ شهر سابق على وفاة الطالبة عادت إليها ذات الأزمة النفسية والتى سببت لها أرقا منعها من النوم أكثر من ساعتين يوميا، ولاستمرار معاناتها، اتصلت بوالدتها قبل وفاتها بأسبوع واحد وطلبت منها الحضور إليها، فانتقلت والدتها للإقامة معها، ثم عرضتها على أحد الأطباء النفسيين بمدينة الإسماعيلية يوم الخامس من نوفمبر الجاري، وخلال كشفه عليها أخبرته أن أفكارا سيئة تراودها، وأن من تلك الأفكار أنها ستموت، وانتهى إلى معاناتها من الوَسوَاس القهرى.
وفى إمبابة أقدم شاب يبلغ من العمر 17 عاما، ويمر بأزمة نفسية قادته إلى الانتحار بإلقاء نفسه من أعلى منزله، وقال أفراد أسرته خلال التحقيقات، أن نجلهم ترك رسالة تفيد رغبته فى الانتحار، دون فيها «لا أعرف لماذا أعيش، ولكن أعرف إلى أين سأذهب فلماذا الانتظار؟».
كما ألقى شاب عشرينى نفسه تحت عجلات قطار مترو الأنفاق بمحطة أرض المعارض بالخط الثالث للمترو بمصر الجديدة، حيث لقى مصرعه فى الحال وقال أحمد عبدالهادى المتحدث الرسمى باسم شركة مترو الأنفاق، إن غرفة العمليات بالشركة تلقت بلاغا بالواقعة، وعلى الفور انتقلت أجهزة الأمن لمكان الحادث، وتحفظت الأجهزة الأمنية على كاميرات المراقبة لتفريغها وكشف ملابسات الحادث وأسبابها.
الانتحار الرقمى على مواقع السوشيال ميديا 
مع انتشار مواقع التواصل الاجتمـاعى، أصـبحت وسـيلة مـن وسـائل التواصـل والتعبير عن الذات والمشـاكل التـى يعـانى منهـا الأشـخاص، وأصـبحت أيضـا مكـان للتسـاؤل عما يحتاجه الأفراد وغيرها من الأمور اليومية، لكنها مؤخرا بدأت مرحلة تعبير أخـرى، وفى بداية شهر نوفمبر شهدت مدينة السلام، واقعة مأساوية، عندما أقدم شاب على الانتحار بشنق نفسه، عبر بث مباشر على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، وبإجراء التحريات تبين أن المنتحر يدعى إسلام على، يبلغ من العمر ٢٦ عاما، وكان يعمل سائق «توك توك» لفترة ثم تم تعيينه فى إحدى شركات الاتصالات منذ فترة قريبة، وكشفت التحقيقات أن والد إسلام توفى منذ عدة سنوات، وترك وراءه ٣ أولاد ذكور منهم إسلام وزوجة أرملة، وبعد وفاة الوالد تحمل إسلام مسئولية الإنفاق على أسرته.
وفى محافظة المنوفية، أطل علينا طالب الثانوية العامة ببث مباشر من خلال صفحته على «فيس بوك»، يوثق لحظات انتحاره، وبين التحريات أن الطالب يدعى «إسلام. ح»، ٢٢ سنة، من قرية بمركز منوف، فى محافظة المنوفية، بسبب سوء حالته النفسية فى الفترة الأخيرة.
أما شريف قمر طالب بكلية الطب، مر بفترة اكتئاب شديد خلقت لديـه ميـلا للانتحـار، جعلـه يكتـب علـى أحـد حسـاباته الخاصـة علـى مواقـع التواصـل الاجتمـاعى «تويتر»، يسـأل علـى طريقة للانتحار، وانهالت عليه الردود المتجاوبة بطرق للانتحار، ولم يـدرك المعلقـون انها رسالة شريف الأخيرة إلا بعـد انتشـار خبـر وفاتـه.
أما حازم عبدالمنعم شاب آخر قرر توديع حياته بعد مروره ببعض المشاكل وودع أصدقاءه ومعارفه بصورة أخيرة له قبل القاء نفسه فى النيل.  
السيد الشرقاوى شاب عشرينى آخر، كتب رسالة انتحاره عبر حسابه الشخصى علـى مواقـع التواصـل الاجتماعى، لتوديـع أصـدقائه وأحبابـه واقاربه.
الطب النفسى: معظم المنتحرين من الشباب بسبب العنف الأسرى وعدم وجود دعم اجتماعى
 قالت أمانة الصحة النفسية وعلاج الإدمان فى بيان لها إن الانتحار يحدث فجأة فى لحظات الأزمة نتيجة انهيار القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة، والآلام والأمراض المزمنة والانتحار يرتبط بالعنف الاسرى وسوء المعاملة أو فقدان الأحباب وعدم وجود دعم اجتماعى وبالعزلة بالسلوك الانتحارى. 
ومن أسباب الانتحار متعددة، منها ما يتعلق بالاكتئاب ومنها ما يتعلق بالمشاكل الصحية والدراسية والأسرية ولا بد بالتوعية بخطر الاكتئاب والتعب النفسى الذى قد يصل إلى الانتحار.
وأوضحت الصحة النفسية: أن 25% من حالات الانتحار تكون نفسية بعد فقدان الأمل والسعى نحو التخلص من الحياة عن طريق الانتحار مؤكدة أن الانتحار ليس ظاهرة ولكنه حالة فردية طارئة.
وترجع الدكتورة عزة كريم مستشار علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة ظاهرة الانتحار بشكل عام والدوافع الكامنة وراءها فى الوطن العربى إلى ضعف الوازع الدينى والابتعاد عن القيم والأخلاق والسلوكيات الإسلامية التى بينها القران الكريم والسنة النبوية وقد بينت الدراسات-بحسب د. كريم- أن أسباب الانتحار الامراض النفسية التى يعانى منها المنتحر والظروف الاجتماعية الضاغطة وأحيانا تلعب الحالة العاطفية دورا فى زيادة نسبة حالات الانتحار بين الشباب والشابات فى عمر العشرينات فى حين هناك حالات انتحار تسجل بين الطلبة عندما يخفقون بالنجاح خاصة فى الثانوية العامة وأن الانتحار لا يقتصر على فئة عمرية محددة وإن كانت النسبة الأكبر ضمن فئة الشباب فى العشرينات.
كما أن الأسباب التى تدفع إلى الانتحار ترجع إلى عدم الحصول على فرصة عمل أو التخلص من الديون المالية والشعور بالعجز وقلة الحياة على مواجهة ضغوط الحياة لاسيما بين جيل الشباب الذى يعانى من الإحباط ولا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الضرورية التى تساعدهم على تطوير حياتهم فى حدها الأدنى مما يجعل البعض منهم نتيجة لضعف الوازع الدينى يقدم على الانتحار.
وقالت الدكتورة رضوى السعيد، استشارى الطب النفسى إن الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب لدرجة الأفكار الانتحارية أو الأعراض الذهانية، وهى أعراض تشبه الفصام عبارة عن أصوات وهلاوس يسمعها المريض، يحتاجون إلى تدخل متخصص، لأن الشخص غير المتخصص لن يستطيع أن يعالجه، وبالتالى هذا خطير، لأن الاضطراب الذى يعانى منه المريض لن يتم السيطرة عليه بالشكل المطلوب ولن يتم إنقاذ المريض فى الوقت المناسب
 وأضافت رضوى: أن حالة الخواء الفكرى والثقافى، من أهم الأسباب التى تجعل المراهقين يقدمون على الانتحار، إلى جانب عدم وجود النموذج القيادى الصالح، وعدم التماسك الأسرى وهشاشة قوامها العام.
وأشارت خبيرة الاستشارات النفسية إلى أن السوشيال ميديا لها تأثير سلبى يؤدى إلى زيادة الانعزالية والاغتراب داخل الأسرة وخارجها، فتنتج عن ذلك أفكار مشوهة وغير صحيحة تؤدى إلى الانتحار.
وتابعت، أن تصوير الشخص لنفسه أثناء قيامه بالانتحار، يأتى بعد تراكمات وضغوطات شديدة، أهمها إحساسه بالإهمال، وشعوره أنه شخص غير مقدر من أهله وأصدقائه، واعتقاده أنه لو مات لن يحزن عليه أحد، ويريد أن يجذب تعاطف الناس تجاه.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة