أفكار ميني جيب

الثلاثاء، 05 نوفمبر 2019 01:50 م
أفكار ميني جيب
حسين عثمان يكتب:

أحياناً ألجأ في الويك إند إلى قراءة خفيفة على القلب، ولا تخلو من المضمون في نفس الوقت، والكتابة الساخرة تدخل ضمن اهتماماتي في القراءة، وإن كان شغفي بها قل تباعاً منذ سنوات مع رحيل الظرفاء العظام صلاح حافظ ويوسف عوف ومحمود السعدني وأحمد رجب وجلال عامر، وظهور السخفاء الكبار باستخفافهم المفتعل، الكتابة الساخرة كالكوميديا في الفن، بينها وبين تقل الدم شعرة، إما أن تضحك من قلبك، وإما إنه يتحرق دمك، الفيصل فعلاً في الموقف وحلاوة الروح وصدق الإحساس وسلاسة الأداء، وتزيد صعوبة الأمر في الكتابة باعتبار أن اللغة هي الأساس، الكتابة الساخرة تحدي بكل معنى الكلمة، وخاصة في عصر الكوميكس.

"أفكار ميني جيب" هو الكتاب الأول للكاتب الشاب محمد حسن الصيفي، وكنت قد اخترته لقراءة الويك إند، والحقيقة أنني استمتعت به إلى أبعد الحدود، وضحكت من قلبي بقدر ما استمتعت، ومثلما فكرت في الوقت نفسه فيما أضحكني، جميلة هي الكتب التي تخاطب وجدانك وعقلك معاً، هي الأعظم والأبقى تأثيراً، في العموم لا تستهويني قراءة العامية، ولكن لغة الصيفي كانت راقية، وإلى حد أن عاميتها تاهت مبكراً وسط وضوح الرؤية وجدية الطرح وبساطة التعبير، الكتاب مدونة من الأفكار، صحيح أنها منفصلة في موضوعاتها، ولكنها متصلة في محاولة الكاتب للانطلاق مغادراً أسر الموروثات إلى آفاق القناعات.

لا يغرنك وصف الأفكار في عنوان الكتاب بالميني جيب، الوصف لن يصادف هواك إذا كنت سطحياً في قراءاتك، هو ومضة ذكية من الكاتب باعتبار أن أفكاره قصيرة، خواطر يحرر من خلالها روحه وعقله من قيود عفى عليها الزمن، وهو يفعل هذا على استحياء من يتحسس الأمور بهدوء وحكمة، وهاجس من الحيرة وجدته لا يزال يُخايل الكاتب خريج منظومة الأزهر التعليمية، وكلاهما تقرأه على ملامح فتاة الغلاف تصميم المبدع عبد الرحمن الصواف، والمقرونة بكف اليد المُنْضَبِط المُحَذِر، ولون الغلاف الأصفر المؤكد لوضعية الانتباه، وكأن محمد حسن الصيفي يستأذن قبل دخوله أجواء مُلَبَدة إلى أبعد الحدود طوال سنوات ما بعد ثورة يناير.

يواجه الكُتاب هذه الأيام تحدي القراءة، هوس السوشيال ميديا بسرعة أفعالها وردود أفعالها، سرق الوقت وضَيَق خُلْق البشر، ولا تحتاج القراءة مثل الوقت والصبر والبال الطويل، والحل في تجديد أشكال الكتابة، والمفتاح في الحدوتة وسرعة الإيقاع، كلما كانت الحدوتة موجودة والإيقاع سريع، كلما زادت فرص القراءة، وكلاهما موجود في "أفكار ميني جيب" محمد حسن الصيفي، صحيح أنها حواديت الصيفي في الأصل، ولكنها حواديت آخرين أيضاً، آخرين من جيله وأجيال سابقة ولاحقة عليه، وهو ما يجعلني أتحفظ على تصنيف الناشر للكتاب بمصنف "شباب"، قد تكون تفصيلة تسويقية، لكنه لا يحتاج إليها في تقديري، كتاب الصيفي لا يحتاج سوى إلقاء الضوء عليه.

"الكتابة تخوف أكتر من أفلام الرعب التركي، محتاجة أعصاب سواق ميكروباص على خط رمسيس موقف العاشر، ومحتاجة ثقة عبقري ميقلش عن اللي قرر يحط إجابات كتب التدريبات بتاعة الرياضة في ابتدائي مقلوبة عشان الطلبة متتسرعش في الكشف عنها!.. أما السؤال بتاع (إنت بتكتب ليه؟) فأعتقد إن الواحد بيكتب عشان يتبسط ويحس بالهدوء العجيب اللي بيحسه كل مرة بيكتب فيها حاجة بيحس إنها حلوة، كإنه منتشي بأكلة ما أكلهاش من سنين".. هكذا قدم محمد حسن الصيفي "أفكار ميني جيب"، وهكذا قرأته، بل "شاهدته"، فلم يكن كل فصل من فصول الكتاب إلا مشهداً مرئياً، تضحك وتفكر وربما تبكي معه في نفس الوقت. 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق