يوسف أيوب يكتب: الوسيط الدولي المدخل الرئيسي لحل الخلاف حول أزمة سد النهضة
السبت، 12 أكتوبر 2019 06:00 م
- الوسيط الدولى المدخل الرئيسى لحل الخلاف حول أزمة سد النهضة
- الوفد المصرى فى الاجتماعات الأخيرة حاول جاهدا أن ينقذ المفاوضات من خلال طرح العديد من الأفكار والمبادرات التى يمكن من خلالها التوصل إلى حلول مرضية لكل الأطراف
- نحن أمام تغيرات مفصلية فى قضية سد النهضة فالأزمة لم تعد «ثلاثية» وإنما خرجت من إطارها الضيق إلى الإطار الدولى
كان لافتا أن الرئيس عبد الفتاح السيسى، وهو يحتفل مع المصريين بالذكرى الـ46 لانتصارات حرب السادس من أكتوبر، أن ربطها بما تتعرض له مصر فى الوقت الراهن من حرب تتخذ أشكالا جديدة ومتعددة، وتختلف عن المواجهة العسكرية التى حققت خلالها مصر الانتصار فى 1973.
هذه الحرب التى أُتفق على تسميتها بحروب الجيلين الرابع والخامس، تعتمد على أسلحة جديدة، لم تكن متوافرة فى الماضى، وزادت وتيرتها فى السنوات القليلة الماضية، مستهدفة وعى وعقول المصريين، وكانت الأيام الماضية شاهدة على شراسة هذه الحرب.
السؤال الذى يتردد الآن فى الأوساط السياسية والدبلوماسية هو: إلى أين ستسير إثيوبيا فى أزمة سد النهضة؟ هل تواصل عنادها أم تستجيب للقانون والتاريخ؟ وهل سيكون للتدخل الأمريكى تأثير على الموقف الإثيوبى؟
الأخبار التى جاءتنا من الاجتماع الثلاثى لوزراء الرى فى مصر وإثيوبيا والسودان، الذى عقد بالخرطوم السبت الماضى، لم تكن مطمئنة، بعد إعلان وزارة الرى المصرية أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، نتيجة تشدد الجانب الإثيوبى ورفضه كل الأطروحات التى تراعى مصالح مصر المائية وتتجنب إحداث ضرر جسيم لمصر.
خلال المفاوضات التى جرت فى الخرطوم على مستوى المجموعة العلمية البحثية المستقلة وكذلك الاجتماع الوزارى، قدم الوفد الإثيوبى مقترحا جديدا وصفه الوفد المصرى بأنه «ردة على كل ما سبق الاتفاق عليه من مبادئ حاكمة لعملية ملء وتشغيل السد»، فقد خلا المقترح من ضمان وجود حد أدنى من التصريف السنوى من سد النهضة، والتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد التى قد تقع فى المستقبل، كما رفضت إثيوبيا مناقشة قواعد تشغيل سد النهضة، وأصرت على قصر التفاوض على مرحلة الملء وقواعد التشغيل أثناء مرحلة الملء، بما يخالف المادة الخامسة من نص اتفاق إعلان المبادئ الموقع فى 23 مارس 2015، كما يتعارض مع الأعراف المتبعة دوليا للتعاون فى بناء وإدارة السدود على الأنهار المشتركة.
والخلاف قائم الآن على الجزئية المتعلقة بقواعد ومواعيد ملء السد، فمصر اقترحت أن يتم الملء خلال 7 سنوات، لتقليل التأثيرت السلبية على مستوى تدفق مياه النيل إلى مصر والمقدرة سنويا بـ55 مليار متر مكعب، لكن إثيوبيا لا تزال عند موقفها بأن يتم ملء السد خلال 3 سنوات فقط كحد أقصى.
ورغم أن وزير الرى السودانى ياسر عباس، حاول التخفيف من حدة الأزمة بقوله «إن بناء سد النهضة سوف يتم على مراحل وليس مرة واحدة، وهو ما سوف يساعد فى التوصل إلى حل دون وقوع أضرار، وأن هناك اختلافات بين الجانب المصرى والإثيوبى لكنها اختلافات مقدور عليها»، لكن حديث المسئول السودانى لا ينفى الواقع الذى يقول إن الأمور تسير عكس ما قاله ياسر عباس، فالموقف الإثيوبى أوصل المفاوضات إلى مرحلة الجمود التام، بل إن وفد أديس أبابا استمر فى سياسة وضع العراقيل أمام مسارات التفاوض على مدار السنوات الأربع الماضية منذ التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ، فمن خلال تتبع مسارات الاجتماعات الفنية والوزارية التى تم عقدها طيلة السنوات الماضية سنجد أن أديس أبابا أعاقت المسار الخاص بإجراء الدراسات ذات الصلة بالآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية لسد النهضة على دولتى المصب، حينما امتنعت عن تنفيذ نتائج الاجتماع التساعى وموافاة الاستشارى الدولى بملاحظات الدول الثلاث ذات الصلة بتقريره الاستهلالى، فى مخالفة واضحة للمادة الخامسة من اتفاق إعلان المبادئ والتى تقضى بإجراء تلك الدراسات واستخدام نتائجها للتوصل إلى اتفاق حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.
وللحق فإن الوفد المصرى فى الاجتماعات الأخيرة حاول جاهدا أن ينقذ المفاوضات من خلال طرح العديد من الأفكار والمبادرات التى يمكن من خلالها التوصل إلى حلول مرضية لكل الأطراف، تلبى رغبة وحق إثيوبيا فى التنمية، وتستجيب لمشاغل مصر فى قضية المياه، لكن كان الموقف على الجانب الآخر غريبا، فلم يكن هناك أى تجاوب من الجانب الإثيوبى، وهو ما دفع مصر إلى طلب تنفيذ المادة العاشرة من اتفاق إعلان المبادئ بمشاركة طرف دولى فى مفاوضات سد النهضة للتوسط بين الدول الثلاث وتقريب وجهات النظر والمساعدة على التوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحفظ حقوق الدول الثلاث دون الافتئات على مصالح أى منها، لكن كانت المفاجأة أن إثيوبيا رفضت هذا الطلب، وتضامن معها السودان فى موقف لم نعرف أسبابه حتى الآن.
انتهت اجتماعات الخرطوم لكن الحديث أبدا لم ولن ينتهى، خاصة أن الأزمة أخذت بعدا دوليا، بعد إعلان الولايات المتحدة دعمها للمفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن السد، ودعت المتحدثة الصحفية باسم البيت الأبيض «الأطراف الثلاثة إلى بذل جهود حسنة النية للتوصل لاتفاق مستدام يحقق تبادل المنفعة فى التنمية الاقتصادية والازدهار».
دخول البيت الأبيض على خط الأزمة هو أمر مرحب به من جانبنا، لأنه يتفق مع رغبتنا فى إشراك وسطاء من خارج الإطار الثلاثى، المصرى والإثيوبى والسودانى، لعل الوسيط يأتى بأفكار من خارج الصندوق، كما أن وجود أطراف دولية يكون بمثابة الضامن لأى اتفاق يتم التوصل إليه، كما سيكون شاهدا على أى تعثر والمتسبب فيه، وقد سبق للرئيس عبدالفتاح السيسى أن أكد - خلال إلقاء بيان مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 24 سبتمبر الماضى - انفتاح مصر على كل جهد دولى للوساطة من أجل التوصل إلى الاتفاق المطلوب.
لذلك أصدرت رئاسة الجمهورية، مساء السبت الماضى بيانا على لسان السفير بسام راضى، المتحدث الرسمى باسم الرئاسة، أكد خلاله أن مصر ترحب بالتصريح الصادر عن البيت الأبيض بشأن المفاوضات الجارية حول سد النهضة، والذى تضمن دعم الولايات المتحدة لمصر والسودان وإثيوبيا فى السعى للتوصل لاتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبى، يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث، وبمطالبة الولايات المتحدة الأطراف الثلاثة بإبداء حُسن النية للتوصل إلى اتفاق يحافظ على الحق فى التنمية الاقتصادية والرخاء، وفى الوقت ذاته يحترم بموجبه كل طرف حقوق الطرف الآخر فى مياه النيل.
وأشار البيان إلى تطلع مصر لقيام الولايات المتحدة الأمريكية بدور فعال فى هذا الصدد، خاصة على ضوء وصول المفاوضات بين الدول الثلاث إلى طريق مسدود بعد مرور أكثر من أربع سنوات من المفاوضات المباشرة منذ التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ فى ٢٠١٥، وهى المفاوضات التى لم تفض إلى تحقيق أى تقدم ملموس، ما يعكس الحاجة إلى دور دولى فعال لتجاوز التعثر الحالى فى المفاوضات، وتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث، والتوصل لاتفاق عادل ومتوازن يقوم على احترام مبادئ القانون الدولى الحاكمة لإدارة واستخدام الأنهار الدولية، والتى تتيح للدول الاستفادة من مواردها المائية دون الإضرار بمصالح وحقوق الأطراف الأخرى.
الغريب فى الأمر أنه فور صدور هذه البيانات، وتأكيد الرئيس السيسى فى تغريدة له «أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية فى مياه النيل، ومستمرة فى اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسى، وفى إطار محددات القانون الدولى لحماية هذه الحقوق وسيظل النيل الخالد يجرى بقوة رابطا الجنوب بالشمال برباط التاريخ والجغرافيا»، خرج أبى أحمد، رئيس الحكومة الإثيوبية بمجموعة تغريدات عبر موقع «تويتر»، نفى خلالها وصول مفاوضات سد النهضة إلى طريق مسدود بسبب تعنتها، مؤكدا استعداد حكومته لحل أى خلافات ومشاغل معلقة عن طريق التشاور بين البلدان الثلاثة، وقال إن حكومته تعزز جهودها لإنجاح الحوار الثلاثى، كما تتوقع التزاما مماثلا من بلدى المصب مصر والسودان، مشيدا بوزراء شئون المياه فى إثيوبيا والسودان ومصر فى جهودهم لمواصلة الحوار الثلاثى حول ملء وتشغيل السد.
وأضاف أبى أحمد، أن إثيوبيا تقر حقوق جميع دول حوض النيل البالغ عددها 11 فى استخدام مياه النيل وفقا لمبادئ الاستخدام العادل وعدم التسبب فى أى ضرر جسيم، ما يؤكد حق إثيوبيا فى تطوير مواردها المائية لتلبية احتياجات شعبها، وإن إثيوبيا مستعدة لحل أى خلافات والمخاوف العالقة من خلال التشاور بين الدول الثلاث.
هذا الموقف من جانب رئيس الحكومة الإثيوبية زاد من الغموض الذى يكتنف الموقف الإثيوبى برمته، فكيف يقول رئيس الحكومة إنهم منفتحون على الحوار وفقا لمبادئ الاستخدام العادل وعدم التسبب فى أى ضرر جسيم، فى حين أن وفده المفاوض يواصل وضع العراقيل، وهو ما يشير إلى أن الجانب الإثيوبى أدرك خطورة تخندقه فى موقفه الحالى المعرقل للمفاوضات، وأن استمراره على هذا الحال سيؤدى إلى كشفه أمام المجتمع الدولى، خاصة أن الأزمة تسير فى اتجاه دخول وسطاء أجانب.
نحن هنا أمام تغيرات مفصلية فى قضية سد النهضة، فالأزمة لم تعد «ثلاثية»، وإنما خرجت من إطارها الضيق إلى الإطار الدولى، فى انتظار أن يكون هناك تحرك إيجابى، يفضى إلى حلول منطقية تلبى مطالب واحتياجات الأطراف الثلاثة، دون افتئات على حق أى منها.