المضللون.. سقطت سوريا وليبيا واليمن فى فخ الإعلام المضلل وتصدت له القاهرة
السبت، 28 سبتمبر 2019 07:00 م محمود على
ممارسات الإعلام القطرى والتركى بروافده الإخوانية ظهرت نتائجها فى العالم العربى
قنوات قطرية يديرها إرهابيون من تنظيم القاعدة فى ليبيا
جرائم إعلام الدوحة فى «تاورجاء» تحولها إلى مدينة أشباح
قنوات قطرية يديرها إرهابيون من تنظيم القاعدة فى ليبيا
جرائم إعلام الدوحة فى «تاورجاء» تحولها إلى مدينة أشباح
لا يختلف ما يشهده العالم العربى حديثا من استخدام الساحة الإعلامية كأداة لتضليل المجتمعات، وممارسة أقذر الأساليب لإشعال ثورات وربما لإحداث تغييرات فى أى مشهد سياسى، عما شهده العالم طيلة القرون الماضية من حرب إعلامية، كانت ضمن أسباب سقوط سوريا فى حرب أهلية، وفشل العراق فى الخروج من مستنقع الغزو الأمريكى، واستمرار الحرب فى ليبيا، وفشل القادة اليمنيين فى استعادة شرعيتهم بعدما سلبها منهم الميليشيات التابعة بالوكالة لدول أخرى.
فى سبعينيات القرن الماضى.. ولنا مثال حى باعتراف واحدة من محركى أداة التضليل الولايات المتحدة الأمريكية فى ذلك الوقت نبهت صراحة لأدوات الحرب الإعلامية، وقال قادتها فى شرح لأسباب خسارة حربهم فى فيتنام إن سوء استخدامهم لوسائل الإعلام أدى إلى فشلهم فى خوض أى حرب إعلامية لتهيئة الأجواء للمعركة، وهو ما دفع واشنطن لتدشين أول قناة إعلامية عام 1980، اضطلعت بهذا الدور وهى قناة CNN الأمريكية.
نفس الحروب الإعلامية تكررت بأشكال وأساليب أخرى فى أوائل العقد الماضى، لعل التطور الأبرز الذى استخدم فى هذه الحرب وتضليل الشعوب، هو تقنية التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، ليصبح العالم قرية كونية صغيرة، تدخل فيه قوة «الفيس بوك واليوتيوب وتوتير» كقوة مهمة وأساسية فى تغييب الوعى، لتكون قوة إضافية لمستخدمها مثل القوتين العسكرية والاقتصادية.
وتواجه مصر مؤخرا المشهد ذاته، تضليل إعلامى واسع يقوده القنوات القطرية والتركية كقناة الجزيرة وtrt التركية، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الإخوانية وصفحاتهم على السوشيال ميديا لإحداث بلبلة فى الشارع، وتحريك قطاع كبير من الجمهور يخلخل النظام السياسى فى مصر، من أجل العودة إلى المشهد الفوضوى ذاته الذى مرت به أغلب الدول العربية فى أوائل العقد الجارى وكانت القاهرة فى طليعة هذا المشهد.
ما واجهته مصر خلال الأيام القليلة الماضية، من محتوى تضليلى بثته قنوات الإخوان وقطر وتركيا فى نفس التوقيت والاستعانة بفيديوهات مفبركة تعود لأحداث قديمة، مع نشر العديد من الأخبار الكاذبة عن الدولة المصرية، هو مشهد متكرر حدث فى سوريا والعراق وليبيا واليمن ولكن بمحتويات ومضامين إعلامية مختلفة، وإن كانت مصر قاومت هذه الحرب الإعلامية القذرة نسبيا، بما لدى مجتمعها من وعى بما يحاك ضدها، فإن هذه الدول كانت ولا تزال فريسة لهذه المخططات التى نالت من استقرارها وأشعلت بداخلها فتنة لم تهدأ حتى وقتنا هذا.
ولعل ما رصدته الكاتبة «جويس تولينادو»، المحللة المتخصصة فى الشئون الخليجية بمجلة «إنترناشيونال بوليسى دايجست» منذ أيام من عمليات تضليل إعلامى تقودها القنوات القطرية والتركية كان دليلا على التوجه العام لإدارات هذه القنوات ضد الدول المجاورة، كاشفة عن استخدام هذه القنوات معلومات مضللة على نطاق واسع، إلى جانب خطط ووسائل أخرى لتأليف روايات متنوعة فى عدد من المجالات لخدمة أجندتها، مؤكدة الصحيفة أن الإعلام القطرى تعمد نشر قصص سلبية عن الجيران متجاهلا الأزمات والأحداث السياسية التى تقع داخل بلاده.
سوريا ومزاعم الكيماوى وقصص أخرى مفبركة
ظلت سوريا خلال الـ 9 سنوات الماضية، منذ اندلاع أزمتها والحراك الذى شهدته فى الشارع ضد الحكومة عام 2011، أرضية خصبة لاستقبال أى محتوى إعلامى مضلل، حيث لعبت قناة الجزيرة والقنوات التركية الرسمية دورا كبيرا فى تأليب الرأى العام العالمى ضد الحكومة السورية، مسلطة أبواقها الإعلامية لاختلاق مشاهد مزيفة ومفبركة، لاستمرار نفوذ دولها ونهب ثروات دمشق.
وتمثلت هذه المضامين الإعلامية المضللة التى اكتشف سريعا فبركتها من قبل قنوات الجزيرة ومحطات تابعة لجماعة الإخوان، فى اتهامات الجيش السورى المتعددة فى استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، ولكن تبين لاحقا أن إحدى الضربات نفذتها المجموعات المسلحة المتطرفة فى سوريا، كما كان لافتا استخدام نفس الوسائل الإعلامية، الأطفال بالتحديد لإثارة الرأى العام العالمى، وإعطاء ذريعة للمطالبة بالتدخل الدولى، ولنا فى قصة الطفل «سارى سعود» مثالا على ذلك، فرغم تناقل قناة الجزيرة استشهاد الطفل برصاص الأمن السورى فى حى البياضة، أكد والداه بعد ذلك أنه استشهد جراء إطلاق الرصاص عليه من مجموعات إرهابية مسلحة فى حمص، فيما لخصت قصة زينب الحصنى مدى الكذب والادعاءات التى بثتها قناة الجزيرة حول سوريا، حيث قالت القناة إن الأمن النظامى اعتقلها واغتصبها وعذبها ثم قتلها وقطع جثتها، لتخرج زينب نفسها بعدها وتكشف أن قصة الجزيرة وغيرها لم يكن لها أى أساس من الصحة.
نصيب ليبيا من التضليل الإعلامى كان كبيرا
منذ أيام قليلة، عقد ٣٠ صحفيا ليبيا من المجتمع المدني، وناشطون مؤثرون على شبكات التواصل الاجتماعى، اجتماعا أصدروا فى أعقابه 16 توصية لمجابهة ما أسموه تأثير التضليل الإعلامى، وترويج الشائعات الهائلة التى كانت سببا فى تمزيق النسيج الاجتماعى الليبى، وبما أن فبركة «الجزيرة» للفيديوهات والصور لم تسلم منها أى دولة من دول العالم العربى كان تضليل القناة القطرية حاضرا فى المشهد، يقول فى هذا الإطار د. جبريل العبيدى الكاتب والباحث الليبى إن الجزيرة موّلت ولا تزال تمول الكثير لنشر خطاب التحريض، مؤكدا أن أبواق قطرية كثيرة مولت منها قنوات تخاطب الشارع الليبى، وتزرع الأحقاد بين القبائل والمدن عبر خطاب دموى تنتهجه ربيبات «الجزيرة» القطرية الموجهة إلى ليبيا.
وكشف الكاتب الليبى، فى مقال سابق له، بعضا من الأبواق القطرية التى استخدمت لتضليل وعى الليبيين خلال المعركة التى يديرها الجيش الوطنى الليبى ضد الميليشيات المتطرفة، حيث أكد أن قناة «النبأ» الليبية يديرها عبدالحكيم بلحاج أمير الجماعة الليبية المقاتلة، وقناة «التناصح» يديرها نجل المفتى المعزول الصادق الغريانى الذى يبعث برسائل تحرض ضد الدول العربية المجاورة، مستضيفة مجموعات لها مواقف عدائية من الدولة والجيش وحتى الشعب.
مشاهد ومواقف كثيرة كانت شاهدة على زيف وتضليل القنوات القطرية فيما يخص الملف الليبى، فخلال أحداث 2011 تحدثت الجزيرة عن آلاف عمليات الاغتصاب التى تعرضت لها نساء ليبيات، وهو ما أدى إلى نزوح سكان مدينة تاورجاء وتشريدهم خوفا من تعرض بناتهم للاغتصاب، وقد كانت تلك الكذبة أحد الأسباب الرئيسية التى حولت المدينة التى كان يسكنها 45 ألف نسمة، إلى مدينة أشباح، فيما كُشف بعد ذلك أن أكاذيب الجزيرة كانت تروجها بشكل مكثف لإخلاء المدينة من سكانها لتكون معسكرا رئيسيا للجماعات المسلحة فى ليبيا، لترمز هذه الحادثة إلى قذارة دور الإعلام القطرى خلال السنوات الماضية.
اليمن وحملات إعلامية مسيئة للتحالف والشرعية
دور القنوات القطرية التضليلى كان أكثر وضوحا فى اليمن لما أظهره من تناقض خلال الفترة التى أعقبت سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، فقبل سنوات قليلة، وبالتحديد قبل المقاطعة الدبلوماسية للسعودية والإمارات للدوحة كانت تتبع الأبواق الإعلامية لقطر منهج الدفاع عن الشرعية اليمنية، فى حين بدأ دورها يتحول يوما تلو الآخر بنشرها أكاذيب وادعاءات حول الأحداث اليمنية بعد المقاطعة، وتلخصت تغطيتها فى حملات مسيئة لدور التحالف العربى والقوات الحكومية باليمن، وهو ما رصدته الصحف العربية أكثر من مرة.
ووفقا لمراكز الأبحاث والصحف العربية، فإن المسئولين عن الإعلام القطرى، سخروا ملايين الدولارات لدعم الأبواق الإعلامية للميليشيات الحوثية باليمن، تنوعت بين قنوات فضائية وصحف والعديد من الشبكات الإذاعية، فضلا عن تحول قناة الجزيرة القطرية لمنبر ضد القوات الحكومية الشرعية فى اليمن.
السوشيال ميديا أيضا كانت أداة رئيسية للإعلام القطرى فى تغييب الوعى، وتضليل الرأى العام فى أى دولة عربية، ورغم محاولات مواقع التواصل الاجتماعى فى محاربة اللجان الإلكترونية التابعة لخلايا عزمى بشارة المشرف عن الإعلام القطرى، عبر إغلاق آلاف من الحسابات القطرية التى تعمل بشكل آلى، حيث أغلق موقع تويتر نحو 8 آلاف حساب، اتضح أنها تعمل ضمن الإدارة الإعلامية لقطر لتوجيه رأى المواطنين، يديرها مطبخ واحد من الدوحة.
ممارسات الإعلام القطرى والتركى بروافده الإخوانية، والتى ظهرت نتائجها فى العالم العربى خلال الفترة الماضية، توصف صراحة بالإعلام «الصنيع» المرتب له مسبقا، أهدافه الإساءة للآخرين المختلفين فى الفكر والرؤى، ومن ناحية أخرى تحوير المشهد وتوجيه الجماهير التى باتت واعية بقدر كاف للحبكة الإعلامية التى تدار من الخارج، وصارت تعلم أن ما تبثه القنوات القطرية وخاصة «الجزيرة» سلوك بعيد كل البعد عن الأخلاق والأعراف والتقاليد الإعلامية المعروف بها فى الصحافة العربية.