الانفراجة في الأزمة الأيرانية الأمريكية مستبعدة.. والسبب
الجمعة، 27 سبتمبر 2019 01:00 م
فى تحول لافت، أبدت إيران، الأربعاء الماضى، قدرا من المرونة فى ملفها النووى، إذ أعلنت قبول إدخال تعديلات طفيفة على الاتفاق النووى المبرم مع القوى الست (5+1)، والذى انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية فى مايو 2018.
وجاء الإعلان قبل ساعات من خطاب الرئيس حسن روحانى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذى حمل طلب إيرانى أخر من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للدفع نحو انفراجة فى الأزمة النووية، وسط تقارير إعلامية تتحدث عن فشل مساعى فرنسا لحلحلة الأزمة بين واشنطن وطهران، وعجز أوروبى عن مساندة الاتفاق النووى.
وجاءت الخطوة الإيرانية على لسان المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، على ربيعي الذى قال قبيل خطاب روحانى بالأمس، "طهران مستعدة للقبول بإدخال تعديلات طفيفة على الاتفاق النووى، فى مقابل رفع العقوبات عنه".
وأضاف ربيعى، أنه ينبغى رفع العقوبات الأمريكية بالكامل وقبول واشنطن ببنود الاتفاق النووى قبل أى مفاوضات. ولفت إلى أن بلاده مستعدة لتقديم تطمينات للمجتمع الدولى بأنها لا تسعى لحيازة السلاح النووى.
المسئول الإيرانى لم يفضح عن التعديلات، غير أن كرستيان أمان بور الأمريكية الإيرانية الأصل، وكبيرة مراسلى شبكة سى ان ان الأمريكية كتبت قبل يومين تغريدة عقب مقابلة لها مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف، قالت إن الرئيس روحانى مستعد للقاء ترامب شرط استبدال العقوبات الأمريكية بتفتيش صارم على منشآتها النووية"، الأمر نفسه تحدث عنه الخبير السياسى الإيرانى بمركز الدراسات الاستراتيجية الإيرانية التابع لرئاسة الجمهورية والمعنى بإعداد التوجيهات الاستراتيجية لمكتب الرئاسة، دياكو حسيني.
حسيني رأى أنه أمرا طبيعيا وأن ظريف لم يأتى بجديد، وقال فى مقابلة مع صحيفة فرهيختجان الإيرانية فى عدد الثلاثاء الماضى "أن ظريف لم يأتى بجديد، فإيران لن تعطى أو تأخذ شئ إضافيا، بل الأمر هو تقديم موعد التصديق على البروتوكول الإضافى المتعلق بأعمال تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى البرلمان الإيرانى، وتصويت الكونجرس الأمريكى على رفع العقوبات الآن بدلا من عام 2023 بحسب نص الاتفاق.. فبالأساس بموجب الاتفاق النووى من المقرر أن نقر ونطبق فى النهاية البروتوكول الاضافى".
الأمر نفسه الذى اكدته قناة برس تي.في التلفزيونية الإيرانية صرحت بأن "طهران تعرض قبول تشديد عمليات التفتيش على برنامجها النووي إذا صدق الكونجرس الأمريكى على الاتفاق النووى المبرم عام 2015 ورفعت واشنطن كل العقوبات".
وقالت القناة نقلا عما وصفته بمصادر مطلعة "التعديل الإيراني المقترح على الاتفاق النووى يدعو لموافقة برلمان إيران مبكرا على بروتوكول إضافى وإلى موافقة الكونجرس الأمريكى على الاتفاق النووى وعلى رفع كل عقوبات واشنطن".
حتى كتابة هذه السطور لم يرد الجانب الأمريكى على الإعلان الإيرانى، غير أن تقديم إيران بعض التنازلات الإيرانية يستوجب – وفقا للإستراتيجية التى تتبعها إيران فى إدارة ملف العلاقات مع الولايات المتحدة- تنازل من الطرف الأمريكى، هذا ما عبر عنه روحانى عقب ساعات من القرار فى خطابه بالأمس، على نحو ما قال "الاتفاق النووى كان الحد الأدنى إذا أردتم المزيد، فعليكم أن تقدموا وتدفعوا أكثر"، دون أن يخوض في تفاصيل، ما يعد تلويحا إيرانيا صريحا من قلب نيويورك، بتقديم واشنطن المزيد من الإمتيازات إذا أرادت ما هو أبعد من الاتفاق النووى.
ما هو أبعد من الاتفاق النووى، هو معضلة المفاوضات الإيرانية - الأمريكية، فأسباب انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق فى مايو 2018 كان رفضه للبند المعنى بالمدة الزمنية التى تطلق العنان لطهران فى البرنامج النووى فى عام 2025، لكن فى المقام الأول السبب الذى جعله يطلق عليها "أسوأ صفقة أمريكية" هو تجاهل الاتفاق 3 نقاط أساسية وهى برنامج الصواريخ الباليستية الذى يرى أن يهدد حلفاءه بالمنطقة وفى المقدمة إسرائيل، فضلا عن العداء الإيرانى لإسرائيل وتهديدات حزب الله للدولة العبرية، وأخيرا نفوذ طهران الاقليمى الذى يهدد مصالح الولايات المتحدة. لذا يرغب الطرف الأمريكى لتجاوز هذا الاتفاق إلى تلك القضايا.
الجانب الإيرانى كانت يرفض بشكل دائم تغيير حرفا واحدا فى الاتفاق النووى، ورفض الحرس الثورى والمرشد الأعلى آية الله على خامنئى المعنى بوضع الخطوط العريضة لسياسات النظام، فى أكثر من مناسبة المساس ببرنامح التسلح الصاروخى الذى يراه يدخل ضمن السياسات الدفاعية للبلاد، فضلا عن أن نفوذ طهران الإقليمى يراه صانع القرار الإيرانى حقا مشروعا فى تخطى الإيديولوجية الإيرانية حدود إيران، خطاب روحانى بالأمس ربما يكون مؤشرا على ابداء بعض المرونة فى هذا الصدد.
فى الوقت نفسه الذى طالب فيه روحانى الملقب بشيخ الدبلوماسية، الولايات المتحدة بتقديم امتيازات، خاطب الداخل الإيرانى لاسيما التيار المتشدد وتيار المرشد الذى لايزال يرفض الانخراط مجددا فى مفاوضات مع الطرف الأمريكى، فى محاولة لكسب وده وإبعاد سهام نقد هذا التيار، عبر تمسكه بخيار رفع العقوبات مقابل التفاوض، ورفض روحانى اجراء مفاوضات فى ظل الضغط على نحو ما قال "أود أن أعلن أن ردنا على أي مفاوضات في ظل العقوبات هو لا".
وحتى وقت قريب كان ولايزال يسوّق الإعلام المقرب من المرشد وتياره لرفض التفاوض، على نحو ما كتبت مجلة أسبوعية تابعة لمكتب المرشد، والتى خاطبت وزير الخارجية جواد ظريف وروحانى فى نهاية أغسطس الماضى، واعتبرت تحت عنوان "التفاوض مع أمريكا مرفوض" أن من يؤمنون بخيار التفاوض لحل مشكلات البلاد لا يدركون أن هذا الخيار لا يخدم مصالح طهران الوطنية، مشددة على عدم عقد أية لقاءات بين مسئولين إيرانيين وأمريكيين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وغداة كلمة روحانى، أظهر إعلام طهران الرسمى انقساما معهودا بين التيارات السياسية حول التفاوض، ففى حين كتبت صحيفة كيهان التى كانت تصوب سهامها دوما صوب الرئيس المحسوب على الاصلاحيين، مانشيتها من خطابه "لا للتفاوض تحت العقوبات"، كتبت صحيفة افتاب يزد الاصلاحية "الحل النهائى.. الديمقراطية فى الداخل الإيرانى والدبلوماسية فى الخارج"، غير أن شريحة كبيرة من السياسيين فى إيران أصبحت تدرك أن أوروبا عاجزة وغير قادرة على إثناء الولايات المتحدة عن سياسة الضغوط الاقتصادية عبر العقوبات، بحسب ما كتبت صحيفة فرهيختجان التى نشرت صورة تجمع روحانى بالرئيس الفرنسى ماكرون ورئيس وزراء بريطانيا جونسون وكتبت "أمريكا تنقض للعهد وأوروبا عاجزة".
فى النهاية ورغم إبداء طهران القليل من المرونة فى أزمة الاتفاق النووى يبدو أن معضلة التفاوض الإيرانية الأمريكية ستظل قائمة حتى الانتخابات الامريكية 2020، مع تمسك واشنطن تجاوز القضية النووية فى المحادثات ورفض طهران التفاوض حول النقاط الثلاث، رغم كلمة روحانى التى تركت الباب مواربا أمام ترامب لتقديم المزيد حتى يحصل على المزيد، والتى قد تشكل بالنسبة للخارج ضوء أخضر إيرانى بالانفتاح على المحادثات مع واشنطن، وفى الداخل قد تكون كعب أخيل (نقطة الضعف) فى خطاب روحانى تجعله محط سهام التيار المتشدد.