وعانى شيراك من مشكلات صحية متكررة منذ أن غادر منصبه كرئيس فى عام 2007، حيث ظل فى الإليزيه لفترتين كرئيس بدءًا من مايو 1995 وحتى 2007، ليكلل بذلك مسيرة سياسية استمرت خمسة عقود عمل خلالها فى عدد من المناصب الرفيعة بالحكومة الفرنسية، فكان الشخص الوحيد فى الجمهورية الخامسة فى فترة ما بعد الحرب الذى عمل رئيسا للحكومة مرتين، وكان عمدة باريس لـ 18 عاما بدءا من عام 1977 وحتى 1995، وهو المنصب الذى استغله لبناء آلة سياسية دفعت به فى نهاية المطاف إلى الرئاسة.
واشتهر جاك شيراك بمواقفه المعادية للسياسات الأمريكية وفى مقدمتها الحرب الأمريكية فى العراق، وإيمانه الشديد بالاتحاد الاوروبى، وكانت رؤيته كما طرحها فى عام 2000: «ليست ولايات متحدة أوروبية، ولكن دول أوروبية متحدة».
وقد اتسم عهد حكمه بابتعاده عن الاعتقاد الذى رسخه الرئيس شارل ديجول بالاكتفاء الذاتى فى فرنسا، وضغط بشدة من أجل أوروبا اتحادية جديدة مع منح الاتحاد الأوروبى المزيد من السلطات وتآكل سيادة الدول الأعضاء، فكان هدفه هو نفس هدف جميع الزعماء الفرنسيين فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو منع اندلاع حرب أخرى باحتضان ألمانيا فى اتحاد اقتصادى وسياسى وثيق.
ويقول باسكال بايرنيو، أستاذ العلوم السياسية بكلية باريس للشئون الدولية إن هناك ثلاثة رئيسية لشعبية شيراك، أولها أنه كان قادرا على زرع فكرة الرئيس العادى الذى يمارس رياضة الركض ويركب الدراجة البخارية. والثانى أنه قادر على رأب الصدع بين اليمين واليسار، كما أنه ترأس فرنسا فى فترة جيدة نسبيا.
ويصف خصوم جاك شيراك السياسيين بأنه «حرباء سياسية»، حيث استطاع أن يعدل سياساته وفقا لقراءته لما يريده الناخبين، وهو ما يجعله لا يختلف كثيرا عن السياسيين الفرنسيين فى عصره، إلا أن الجميع يتفق تقريبا على أنه شخص محافظ بتشكك إزاء النقابات العمالية اليسارية القوية ومؤيد للمشروعات الخاصة.
ومزاعم الفساد ظلت تطارد شيراك بحكم الفترة الطويلة التى قضاها كعمدة باريس حتى بعد أن أصبح رئيسا، فقد تم اتهامه بتوفير فرص عمل وهمية فى مكتب عمدة باريس وبتحويل الأموال العامة إلى حزبه السياسى، "مسيرة من أجل الديمقراطية".
وقضت المحاكم بحصانة شيراك من الملاحقة القضائية أثناء توليه الرئاسة، وبعد عامين من مغادرته الإليزيه وقف أمام القضاء بتهمة خيانة الثقة والاختلاس، وأدانته المحكمة وصدر ضده حكم بالسجن عامين مع الإيقاف، وهو الحكم الذى قال محاموه إنه ضعيف للغاية حتى أنه لا يمكن الاستئناف ضده. وبعد خروجه من الرئاسة، عانى من مرض عصبى فى النهاية أثر على ذاكرته.
صحيفة واشنطن بوست وصفت فى تقرير لها «شيراك» بأنه كان رجلا ضخما بالمعايير الفرنسى حيث تجاوز طوله ستة أقدام، وكان كثيرا ما يلوح بذراعيه بشكل كبير أو يظهر سخطا بوجه الكبير المعبر، وكان ناشطا بارزا بدا أنه كان يستمتع بحضور المعارض الزراعية والتقاط الصور مع الأطفال.
وكانت تلك الأُلفة المعلنة تخفى أسلوبا قويا دفع معلمه الأول الرئيس الراحل جورج بومبيدو إلى وصفه شيراك بأن "البلدوزر" الخاص به، وأصبح هذا اللقب واحدا من أسماء عديدة لاحقته طوال حياته الحافلة من بينها بونابرت الحربائى.