الشائعات.. سلاح يستهدف هدم الدولة ونشر الرعب في قلب المواطنين
الأحد، 22 سبتمبر 2019 09:00 ص صابر عزت
كيف تستخدم «السوشيال ميديا» فى إحباط المصريين وزعزعة ثقتهم فى مؤسسات الدولة؟
بعض صفحات السوشيال لا علاقة لها بالسياسة.. مصر تتصدى لحرب الشائعات منذ قرابة الـ8 أعوام
العدو يستخدم استراتيجية تفكيك الاتحاد السوفيتى.. الإرهابية تستغل صفحات السوشيال فى بث سمومها
بعض صفحات السوشيال لا علاقة لها بالسياسة.. مصر تتصدى لحرب الشائعات منذ قرابة الـ8 أعوام
العدو يستخدم استراتيجية تفكيك الاتحاد السوفيتى.. الإرهابية تستغل صفحات السوشيال فى بث سمومها
فى 4 من يناير 2004، تم تأسيس «فيس بوك»، وكانت فكرته حينها بسيطة، أراد من خلالها الشاب مارك زوكربيرج، أن يربط بين طلبة جامعة هارفارد فقط للتواصل بينهم، ثم بعدها تم ضم كليات بوسطن بالإضافة لجامعة إيفى ليج، ثم أصبح متاحا للعديد من الكليات فى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأصبح متاحا للجامعات ويتواصل من خلاله الطلبة، وفى نفس العام 2004 ولكن فى شهر يونيو انتقل مقر «فيس بوك» لولاية كاليفورنيا بمدينة بالو آلتو.
مع مرور الأيام والسنوات، أصبح الموقع الذى كانت فكرته أساسا مشروعا للتخرج، الموقع الأول فى التواصل الاجتماعى، وصاحب التأثير الأقوى على العقول خاصة الشباب، وتحولت مهمته الأساسية من التواصل الاجتماعى بين مستخدميه إلى أداة سياسية، والمتهم الرئيسى فى ترويج الشائعات، وزادت هذه التهمة بعد التحقيقات التى تجريها حاليا السلطات الأمريكية حول تورطه فى توجيه الناخبين الأمريكيين ناحية مرشح بعينه، من خلال نشر أخبار كاذبة والترويج لها على نطاق واسع، فى الفضيحة المعروفة إعلاميا بـ«كامبريدج أناليتيكا».
خلطة الشائعات أو ظاهرة الـfake news أو الأخبار المزيفة، هى الخلطة التى يعتمد عليها أعداء أى دولة لاستهداف الشباب من خلال نشر أخبار أو تقارير مفبركة، بهدف تضليل الرأى العام وتوجيهه إلى اتجاهات معينة لتحقيق أهداف محددة مسبقا، وهو ما تعرضت له مصر طيلة السنوات الماضية.
المختصون يؤكدون أن الشائعات لا تكون دائما وهما، بل هى خلطة عبارة عن قليل من الحقيقة وكثير من الأوهام، شريطة أن تكون الحقيقة متداولة ومسموعة سواء برقم أو صورة أو فيديو.
فى هذا الملف نتحدث بشكل معمق عن الشائعات، وكيفية صناعتها وتأثيرها على المجتمع.
باتت وسائل التواصل الاجتماعى سلاحا مصلتا على الدول، من خلالها تنحر الرقاب، وتصدر الفتاوى، وتنتهك خصوصية الأمن القومى للبلدان، وفى بعض الأحيان- البلدان الضعيفة- يفلت الأمن والاستقرار بسبب «تغريدة» أو «بوست»، كاذب شكلا ومضمونا.
وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي، هى التطور لأدوات ووسائل كثيرة على مر التاريخ للأدوات المستخدمة فى إحباط ثقة الشعوب فى بلدانهم وزعزعة استقرار تلك البلدان، من خلال خطط ممنهجة.. وعلى الرغم من إدراك ذلك جيدا، فإن مصر تعيش ذات السيناريو خلال الفترة الراهنة، دون أن ينقصه مشهد أو يقل آخر.
«من لا يعرف الماضي.. لا يفهم الحاضر.. ولن يستشرف المستقبل»، ربما كانت تلك الكلمات، هى أبسط رد وتعبير عما يحدث مع مصر مؤخرا، من محاولات لإحباط المصريين وزعزعة ثقتهم فى مؤسسات الدولة، وقبل أن ننطلق للنظر إلى الحاضر والمستقبل، يجب أن نعود قرابة الـ(ربع قرن) فى الزمن.
1985.. انطلقت واحدة من أشد وأقوى المعارك فى التاريخ، والتى كانت بين: «الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي»، وعلى الرغم من ضراوة المعركة، إلا أنه لم تكن حرب سلاح، فقد اعتمدت حرب تكسير العظام بين الدولتين على وسائل الإعلام، والتى نالت من ثقة الشعب آنذاك ما دفع الجانب الخاسر فى النهاية للانسحاب.
حرب السبعة أعوام.. ربما كان هذه هو اللقب الأفضل لها، فقد استمرت المعركة قرابة الـ(7 أعوام)، ولم تكن خسائر الاتحاد السوفيتي، فى تلك الحرب كبيرة، فما من معركة إلا وخسر بها الجانب الروسي، شىء، حتى كانت الضربة القاصمة، والتى جاءت من تجمع الضربات المتتالية، والتى انتهت فى النهاية بتفكيك الاتحاد السوفيتي، وخضوعه للولايات المتحدة الأمريكية.
وتعد تلك الهزيمة، أقصى هزيمة تعرضت لها روسيا، خاصة أن تلك المرحلة ورغم كل ما شهدته من آلام، كانت بمثابة «عصر ذهبى» فريدا من نوعه للإعلام الروسي، فهذه الحقبة حررته من «حضن الكرملين»، ولكنها أدت فى النهاية إلى تفكك الدولة السوفيتية.
بالعودة إلى واقعنا الحالى، نجد أن مصر تتعرض لذات الحرب، الموجهة من قبل جماعة الإخوان الإرهابية، وذيولها، التى تحاول بث السموم وإحباط المصريين وزعزعة ثقتهم فى مؤسسات الدولة، يوما تلو الآخر، عن طريق نشر الأكاذيب والادعاءات التى تشوه الدولة المصرية.
جماعة الإخوان الإرهابية، احترفت استخدام أدوات حروب الجيلين «الرابع والخامس»، وتشويه الواقع وغمس الحقائق بالأكاذيب، حتى تضرب صفوف المصريين، وتهدد الأمن القومى للبلاد، والذى يمثل الأولوية الأولى للبلاد، إضافة إلى تأليب المواطنين على بعضهم البعض.
وقد تم توثيق أكثر من محاولة للإرهابية، أثناء محاولتها تضليل المصريين، عبر منصاتها الإلكترونية، المستترة- والتى فى مضمونها صفحات فكاهية وهزلية، وفى واقعها صفحات تديرها الجماعة عن بُعد لتأليب المصريين على بعضهم البعض- ورغم فشل تلك الصفحات فى مهمتها الرئيسية، وافتضاح أمرها، فإن الواقع يشير إلى أن هناك العديد من الصفحات المستترة والتى لم يفتضح أمرها حتى الآن.
وهنا يتبادر إلى أذهاننا، سؤال مهم: «ما هو هدف الإرهابية من توجيه منصاتها الإلكترونية ضد المصريين؟».. الإجابة لا تحتاج إلى كثير من العمق والتفكير، فالهدف الواضح هو ضرب الأمن القومى للبلاد، والذى يمثل الأولوية القصوى، فكل الدول تسعى للحفاظ على استقرارها وشعبها ومواردها، للتركيز على مسيرتها التنموية التى تدفعها إلى مصاف الدول الكبرى فى تقدمها وتطورها.
لكن الفترة الأخيرة، وبشكل أوضح فى أعقاب ثورات الربيع العربي، تعرضت منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ومصر بشكل خاص، لمحاولات مستميتة فى محاولة للنيل من أمنها واستقرارها الهادفة إلى استنزاف مواردها وتقسيمها، وللأسف ربما نجح الأمر فى حال بعض الدول، مثل «سوريا، والعراق، واليمن»، بينما بقيت مصر صامدة شامخة فى وجه تلك المحاولات بفضل شعبها واصطفافه مع المؤسسات الأمنية من جيش وشرطة وغيرهما من المؤسسات الوطنية بالدولة، فيما تبقى المحاولات المغرضة من الخارج مستمرة لضرب استقرار المنطقة.
إلا أن مصر واعية لتلك المحاولات الفاشلة التى دأبت على الاستمرارية علها تنجح، وربما كان الرئيس عبدالفتاح السيسي، واضحا حين تحدث فى أحد خطاباته، وتطرق إلى «علم تدمير الدول»، وتطرق خلالها إلى ضرورة دراسة علم تدمير الدول وإتقان الإلمام بجميع الأساليب المستخدمة لتدميرها، بالإضافة إلى أهمية حماية الأمن القومى للدولة، والاستعداد لكل الأوجه التى تحاول المساس بها وكيفية التصدى لذلك.
ومع ذلك لا تتوانى جماعة الإخوان عن توجيه منصاتها الإلكترونية تجاه المصريين، خاصة أن المعركة تدار عن بُعد، ويمكنهم التنصل منها، ذلك كون الصفحات المستخدمة من المفترض أنها لا تنتمى لتوجه معين، كما أن معظمها صفحات «فكاهية، وعامة»، لا تنتمى إلى مواقع إخبارية.
فى بداية 2011.. بدأت جماعة الإخوان الإرهابية فى استقطاب تلك القنوات التى تنفث السموم عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة أن تلك الفترة أتاحت الفرصة للتوحش فى عالم «السوشيال ميديا»، نتيجة الانفلات الأمنى الذى كانت تعانى منه البلاد، فعكفت كتائب الإخوان الإلكترونية على بناء إمبراطوريتها الواهية فى عالم الفضاء الإلكترونى، من خلال التعدد فى إنشاء الصفحات الإلكترونية خاصة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، نظرا لأنه الموقع الأكثر تجمعا للمصريين.
وربما كان للتنوع الذى قامت به دور كبير فى التستر، ونشر الأكاذيب عبر الشبكة العنكبوتية، فما بين صفحات اعتمدت على آلام الناس فى جذب جمهورها، والتفاعل مع قصص فردية، وفى بعض الأحيان مفبركة، وما بين صفحات تنشر الفيديوهات والصور التى يقوم مستخدمو «السوشيال ميديا» بتزويدهم بها، وأخرى تعتمد على الفكاهة، ونشر النكات، وأخرى تعتمد على نشر رسائل الحب، والأدعية الدينية، والمسابقات الإسلامية، تعددت صفحات الإخوان فى الفضاء الإلكتروني، إلى أن جاء يوم التحول الأول.
فى انتخابات الرئاسة «2012»، كانت تلك هى المرة الأولى التى تفتضح فيها حقيقة بعض تلك الصفحات، بالدعاية التى نشرت لرئيس الإخوان الإرهابى «محمد مرسي»، استمرت
تلك الصفحات على مدار عام كامل فى النشر لقرارات ونجاحات زعيمهم- المزعوم من جهة نظرهم- إلى أن ثار الشعب المصرى على الجماعة وذيولها.
فى أعقاب فشلهم، وعودتهم إلى أصولهم الدموية، روجت تلك الصفحات بشكل مباشر لدعاة الدم، حتى تمت استعادة الدولة، وعادت تلك الصفحات لأصولها والتستر، وبدأت الجماعة فى ضخ المزيد من التمويلات لكتائبها الإلكترونية، وصناعة صفحات جديدة تتستر خلف الأضواء، وكعادة المصريين تناسوا سموم تلك الصفحات، وتفاعلوا مع «الرسائل» الفكاهية والإنسانية، التى تعتمد على الضحك، وآلام المواطنين.
الفكر الاستراتيجى للجماعة جعل حربها تعمل على محورين متصلين، الأول: توجيه السلاح، وأذرعها الإرهابية إلى الجنود والمدنيين، ومحاولة الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين، وزرع الفتنة الطائفية، والثاني: «تسليط الكتائب الإلكترونية، وجعلها تضخم تلك الأزمات، بهدف تصدير رسالة مفادها عجز الدولة .«
هدف تكاملى من جهة نظر الإخوان، ومخطط استراتيجى بحت، تطبيقه يعنى سقوط مصر، وتفتيت الدولة، لكن الرئيس عبدالفتاح السيسى كان يعى جيدا مخطط الجماعة الإرهابية، وربما كانت سيطرته على العمليات الإرهابية وإيقافها بشكل تام، هى الدافع الرئيسى للجماعة للتحول إلى المخطط التالى.
فمع عجز الجماعة عن تنفيذ عمليات إرهابية، وعجزها عن تشويه مصر دوليا، عقب انكشاف حقيقتهم، وافتضاح أمرهم أمام الرأى العالم الدولى، وحظرهم فى بعض الدول العالمية، بدأت الجماعة ترقص على دماء المصريين، فى كل المحافل العربية والدولية، من خلال استغلال الأخبار والمعلومات الموثقة للحكومة، وتحويلها إلى أزمات، عن طريق دمج الواقع بالأكاذيب، للخروج بشائعة مفادها أن مصر تعانى من أزمة ما، وأن الدولة تنصب كمينا للمواطنين، وتزج بهم فى غياهب الظلمات، حتى أنهم فى بعض الأحيان يستغلون مقاطع فيديو وفبركتها للوصول إلى هدف معين.