"الشركة المصرية لإنتاج الفوسفات" بالقصير.. عندما كانت مصر رائدة الإنتاج في العالم
الأربعاء، 18 سبتمبر 2019 10:19 ص
آلاف من أهالى محافظات الصعيد، وخاصة محافظة قنا، كان سر إقامتهم الدائمة فى مدينة القصير حتى أصبحوا من أهلها عملهم فى الشركة المصرية لإنتاج الفوسفات منذ بداية القرن الماضى حتى منتصفه، منذ عام 1910 أنشأ بنك روما الشركة المصرية لإنتاج الفوسفات بمدينة القصير، والتى أدى إنشاؤها إلى عمل الآلاف من أهالى الصعيد فيها، مما قضى على نسبة كبيرة من البطالة فى تلك التوقيت.
ومنذ عام 1910 حتى أن أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارًا بتأميم الشركة فى عام 1964، وانتقلت الشركة القابضة للتعدين ليصبح اسمها شركة البحر الأحمر لإنتاج الفوسفات، تلك الحقبة الزمنية، تظل خالدة فى أذهان جميع أهالى القصير، ويتمنوا عودتها مرة أخرى، أغلب أهالى المدينة كانوا يعملون بها حتى تأثروا وامتزجوا بعمال الفوسفات القادمين من مدينة أجورنى الإيطالية، الذين عشقوا مدينة القصير ودفن بعضهم بعد مماتهم فيها.
وصفى تمير، مدرس بإحدى مدارس القصير، ومن أهالى المدينة والمهتمين بتراثها، يقول إنه خلال فترة عمل الشركة بالقصير كان جميع أهالى المدينة يعملون بها، كانت فى منازل القصير لابد من وجود شخص بها يعمل بالشركة وكانت تصرف لهم أغذية من الشركة.
أضاف تمير أن فى عام 1910 وصل عدد كبير من العمال والمهندسين والفنيين والمهن المختلفة مثل الحلاق والطباخ والمعلم والمدرس، بصحبة ذويهم لمدينة القصير للبدء فى وضع البنية التحتية لشركة إنتاج الفوسفات، جميعهم من مدينة أجورنى الإيطالية.
وأوضح أن فى تلك التوقيت، أخذ الإيطاليون عامين فى الإنشاءات ثم 3 أعوام فى الإنتاج، وفى عام 1916 أبحرت أول سفينة لتصدير الفوسفات من القصير للهند، كانت تسمى كافية، أمتزج الإيطاليون مع أهالى مدينة القصير، وقاموا بتشييد مدرسة وهى مدرسة الراهبات الإيطالية، وبعد فترة قليلة طالب أحد كبار المدينة من معلمها انضمام أطفال القصير للمدرسة وجرى إنشاء فصل للدراسة بالعربية لأبناء القصير، وأخر بالإيطالية لأبناء الإيطاليين.
وأشار تمير، إن الإيطاليين سطروا فى ذلك التوقيت ملحمة ازدهار فى القصير، ومن ضمن ما شيدوه من مبانى منازل لهم وللعاملين بالشركة بالأحجار الضخمة مازالت متواجدة حتى الآن، ومقر لإدارة الشركة وكنيستين للصلاة، فضلاً عما كان يسمى ميس الشركة، وهو مكان لتناول الطعام به.
كما أشار إلى أن الإيطاليين لم يختاروا العيش فى عزلة بل اختلطوا وخالطوا الأهالى، وأصبحت المدينة خالدة فى قلوبهم، ودفن 25 شخصًا إيطاليًا منهم بالمدينة، ويزور أبناؤهم وأحفادهم المدينة على فترات متباعدة.
وكشف أن الإيطاليين أحضروا معهم فرقًا موسيقية كانت فى ذلك التوقيت شيئًا غريبًا على أهالى القصير، حيث كانوا يعزفون ألحانهم فى شوارع المدينة وعلى المقاهى قديمًا، وأن أول تليفريك أقيم فى مصر بل وفى الشرق الأوسط كان قد شيده الإيطاليون لنقل خام الفوسفات من المناجم إلى الميناء ومنها للمراكب لتصديرها، كذلك ملعب للتنس داخل الشركة، وزار تلك الشركة الملك فاروق والرئيس جمال عبد الناصر من بعده.
من جانبه، قال محمد أبو الوفا، من أهالى مدينة القصير ومدير الآثار الإسلامية فى البحر الأحمر، إن الإيطاليين قاموا فى البداية بتوفير كل متطلبات الحياة معهَم كأنهم سيعيشون للأبد فى القصير، حيث إنهم أنشأوا المدرسة والمستشفى والملاعب، حتى دور العبادة قاموا بتشييد كنيستين فى القصير، حيث أسسوا بنية تحتية حقيقية.
وأضاف أبو الوفا، أن تلك الفترة رسخت فى أذهان أهالى القصير، حيث إن أغلب كبار السن بالمدينة بالمعاش من الشركة، حتى أن الإيطاليين نفسهم أصبحت تلك المدينة بالنسبة لهم شيئًا محببًا، حيث إن الكثير من أبنائهم كتبوا مقالات عن حكاياتهم فى المدينة ودراستهم فيها قبل رحيلهم لبلادهم.
من جانبه قال الدكتور أبو الحجاج نصير، مدير الفرع الإقليمى لشئون البيئة بالبحر الأحمر، والذى كان والده وعمه رئيسى العمال فى شركة الفوسفات قديمًا، وكان يطلق لقب الأفندى على رئيس العمال، يقول إن الإيطاليون استخرجوا الفوسفات بطريقة احترافية من مناجم القصير وشيدوا المغارات التى كانت تمر بداخلها عربات صغيرة تشبه قطار البضائع والتلفريك والذى يقوم بنقل الفوسفات إلى المراكب.
وأضاف أبو الحجاج، أن عائلته أغلبها كانت تعمل بالشركة، وهو أيضًا عمل بها بعد تأميمها، حيث إن الإيطاليين أحضروا معهم كل المهن وما زالت مبانيهم خالدة يتذكرها ويشاهدها الجميع ويتمنون عودتها مرة أخرى، حيث إنهم شيدوا متحفًا للكائنات البحرية والطيور داخل المدرسة، ومتحفًا للشركة وملاعب وكنائس ومنازل ما زالت متواجدة.
وتابع أن مدرسة الراهبات الإيطالية حملت فى تلك التوقيت اسم الرحال والمكتشف فى علم المصريات جوفانى باتستا، وكان المعلم بها يسمى المايسترو بليجريني، حيث إنه كان يدرس للتلاميذ الإيطاليين، وكان محمد أبو الوفا النيدى يدرس للطلاب المصريين، حتى أن الكثير كان يطلق على المدرسة اسم مدرسة النيدى.