نسخة طبق الأصل.. بوريس جونسون يحاول استنساخ ترامب في بريطانيا
الأربعاء، 04 سبتمبر 2019 12:00 م
يبدو أن التحدى الأكبر الذى يواجه رئيس الوزراء البريطانى الجديد بوريس جونسون يأتى من داخل حزب المحافظين، الذى ينتمى إليه، وهو الأمر الذى يدركه جيدا، ويمثل سببا رئيسيا فى قراره الأخير بتعليق أعمال البرلمان البريطانى، والذى يحظى بأغلبية «محافظة»، لمدة 5 أشهر، فى قرار أثار الكثير من الجدل فى الآونة الأخيرة، خاصة وأن قطاعا كبيرا اعتبره انتهاكا للمبادئ الديمقراطية التى طالما تشدقت بها القوى الدولية الكبرى، فى الغرب لعقود طويلة من الزمن، لتصبح المعضلة الرئيسية التى ستواجهه، هى الكيفية التى يمكنه من خلالها السيطرة على زمام الأمور داخل معقله الحزبى، فى المرحلة المقبلة.
ولعل معضلة جونسون تتشابه إلى حد كبير مع تلك التى واجهت الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى بداية حقبته، كرئيس للولايات المتحدة، حيث كان الانقسام بين الجمهوريين حول سياساته تمثل التحدى الأكبر الذى يواجهه، ربما أكثر من التهديد الذى مثله خصومه الديمقراطيين بالنسبة له، وهو ما بدا واضحا فى موقفه الحاد الذى تبناه تجاه قيادات بارزة، وعلى رأسهم السيناتور الراحل جون ماكين، والذى لم يتوقف هجوم ترامب عليه بعد وفاته، بالإضافة إلى نجاحه فى إقصاء خصومه، وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب السابق بول رايان، والذى قرر فى أبريل من العام الماضى، عدم الترشح لانتخابات التجديد النصفى، والتى عقدت فى شهر نوفمبر الماضى، والتى تمكن خلالها الديمقراطيين بأغلبية مجلس النواب.
يبدو أن نجاح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى قيادة الدفة فى واشنطن يكمن فى نجاحه فى كسر التابوهات الحزبية للجمهوريين، وسعيه إلى تقويض إرثهم، والذى سيطرت عليه النزعة العسكرية، لحسم سيطرتهم على مناطق مختلفة حول العالم، وهو النهج الذى سعت الإدارة الحالية إلى تقويضه على العديد من الجبهات، ربما أبرزها الملف الكورى الشمالى، والذى نجح الرئيس الأمريكى فى اتخاذ خطوات واسعة لتحقيق التقارب مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، بالإضافة إلى رغبته العارمة فى تخفيف التواجد العسكرى الأمريكى فى العديد من مناطق النزاع الدولية حول العالم، وهو الأمر الذى لا يروق إلى حد كبير لتيار الصقور داخل الحزب الجمهورى.
ففى استطلاع للرأى نشرته صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية، فإن 8% فقط من البريطانيين يصنفون أنفسهم كحزبيين، فى حين أن أكثر من 40% يعتبرون أنفسهم خارجين على الأحزاب السياسية، وبالتالى فإن الرهان على الأيديولوجيات الحزبية فى بريطانيا قد انتهى عصره.
وهنا يصبح رهان جونسون لإحكام السيطرة على حزب المحافظين، هو نفسه رهان ترامب منذ صعوده إلى البيت الأبيض، والذى يقوم على مغازلة المواطن البريطانى، عبر تحقيق حالة من الاستقرار، وطمأنة المواطنين على مستقبل الاقتصاد فى بلادهم فى مرحلة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبى، مع تزايد حالة القلق داخل الأراضى البريطانية جراء التداعيات المترتبة على تلك الخطوة.
ولعل ما نشر فى الآونة الأخيرة، حول نية حكومة جونسون تقديم مليار جنيه استرلينى للرعاية الاجتماعية، بالإضافة إلى تقديم 3.5 مليار أخرين للمجالس المحلية دليلا دامغا على رغبتها فى توفير الخدمات للمواطنين، فى محاولة صريحة لاسترضائهم، وذلك بعدما فشلت الحكومات السابقة فى احتواء مخاوفهم الكبير من المستقبل الاقتصادى للبلاد.
ويمثل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب جزءا هاما من رهان جونسون، خاصة وأنه تعهد بتوقيع اتفاق تجارى، ستحصل خلاله بريطانيا على مزايا واسعة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبى، حيث ستصبح لندن العاصمة الأوروبية الوحيدة التى تنعم بالسخاء الأمريكى بعد شهور طويلة من الإجراءات الأمريكية التى طالت دول القارة العجوز، قامت على فرض الرسوم الجمركية القادمة منها إلى الأراضى الأمريكية، وهى الإجراءات التى اعتبرها قطاع كبير من المتابعين بأنها نقطة فارقة فى العلاقة بين أمريكا وحلفائها.