ليس دائما تحت القبة شيخ..

الأضرحة المجهولة بين الحقيقة التاريخية والحفاوة الشعبية

السبت، 24 أغسطس 2019 09:00 م
الأضرحة المجهولة بين الحقيقة التاريخية والحفاوة الشعبية
الأضرحة
رضا عوض

- عادل إمام يروج لسيدى الحلى.. والشيخ كوكو ينتقم فى 25 يناير
- جنازة موسيقية فى وداع «أبو شوال» فى أسيوط.. ومسجد عمر مكرم أقيم على أنقاض ضريح العبيط
 
سيدى الحلى.. والعبيط.. والشيخ كوكو.. والمظلوم.. وأبو العرايس.. تلك هى أغرب الأسماء لعدد من المقامات والأضرحة التى انتشرت فى محافظات مصر المختلفة، والتى لا تجد لها أصلا فى الكتابات التاريخية أو الدينية، إلا أنها مقامات نالت تقديسا غريبا عند المصريين الذين يتباركون بها، ويحرصون على زيارتها والمحافظة عليها على الرغم من غرابة أسمائها، بل أن البعض وصل به الحال إلى نسب بعض الأحداث السياسية لها.
 
يعد مقام الشيخ كوكو، أغرب وأطرف المقامات التى تحمل أسماء غريبة، حيث يقع هذا المقام فى مركز إسنا بمحافظة الأقصر؛ وتنتشر حكاية هذا المقام بين الأهالى، بل أنهم أكدوا أن هذا المقام تعرض للهدم ثلاث مرات، لكنه استطاع قهر مسئولى المحافظة، ويعتقد الأهالى أنه تم بناؤه منذ أكثر من 200 عام، ولا توجد معلومات عن تاريخ صاحبه، أو سيرته الشخصية، وكيف جاء إلى إسنا، إلا أنه يزوره الآلاف من المواطنين سنويا لنيل البركة.
 
وقبيل ثورة 25 يناير؛ أصدر محافظ الأقصر قرارا بإزالة المقام، خلال حملة موسعة لإزالة التعديات على الطريق، لما يتسبب فيه المقام من تعثر حركة المرور بالشارع، الأمر الذى أثار الجدل بين أهالى المركز، وتجمع العشرات حول المقام لرؤية اللعنة التى سوف تصيب القائمين على عملية إزالة الضريح، وكيف سيدافع الشيخ «كوكو» عن نفسه، إلا أنه أثناء عملية إزالة المقام، وبفحصه تبين خلوه تماما من أى علامات للشيخ، وهو ما أثار دهشة المواطنين.
 
الغريب أنه بعد أيام قليلة من إزالة المقام قامت ثورة 25 يناير، التى أطاحت بالرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك وحكومته، فانتشرت شائعة أن الشيخ انتقم لنفسه لقيام المسئولين بإزالة مقامه، ليعود الشيخ «كوكو» للظهور مجددا، خلال حلم بالمنام لأحد الأهالى، وطلب إعادة بناء المقام، حتى لا يحرم الناس من بركاته.
 
عندما ورد اسم مقام سيدى الحلى فى فيلم «سلام يا صاحبى» بطولة عادل إمام وسعيد صالح، اعتقد البعض أنه مجرد جملة كوميدية، إلا أن الواقع أثبت أن مقام سيدى الحلى موجود بالفعل فى شارع أبو الفرج أحد أشهر شوارع حى «روض الفرج»، الذى سمى بهذا الاسم نسبة للأتابك أبو الفرج أحد أتابكة العسكر فى عصر المماليك، حيث توجد لافتة كبيرة مكتوب عليها «مقام سيدى الحلى».
 
وعلى الرغم من الأجواء التى سيطرت على المكان، والتى تجعلك تحسب أن هناك تجهيزات لإقامة مولد فى هذا المكان، إلا أن رائحة الأغنام والخراف التى ملأت الشارع وأمام مدخل المسجد الذى يوجد به الضريح عكست الصورة.
 
فى منفلوط بأسيوط؛ أخرج الأهالى جثمان الشيخ «أبو شوال» بالدفوف والصاجات، وذلك تقديرا لكراماته، وأطلق عليه هذا اللقب لأنه كان يرتدى شوالا طوال حياته، حيث كان يُدين بالديانة المسيحية، وأعلن إسلامه وهو فى السادسة عشرة من عمره على يد مشايخ الطريقة الرفاعية بأسيوط، وذهب إلى مسجد السيدة زينب بالقاهرة وأدى أول صلاة له هناك، ورجع يعمل فى المقاولات، إلى أن توفى بعد أن بلغ الـ85 عاما، وكان رافضا للزواج، ولم يكن لديه منزل خاص به، ولم يمتلك أى أموال.
 
ويتداول الأهالى كرامات ظهرت قبل وفاته؛ بأنه كان يبشر الناس بأشياء من الخير وتحدث بالفعل، وعندما توفى قام الأهالى بعمل مقام له يتبركون به.
 
يعتبر ضريح الشيخ «العبيط» من أغرب الأضرحة التى يتداول العامة حكاياتها، وقد أطلق عليه عدة أسماء منها «البهلول» بالفارسية أو « الدرويش» بالتركية، وجميعها أسماء أطلقها عامة المصريين على الضريح الذى بنى بعد وفاته، فى المنطقة المعروفة الآن بميدان التحرير.
 
وينسب جامع «العبيط» إلى الشيخ «محمد العبيط»، أحد أبرز علماء الدين فى القرن الثانى عشر الميلادى، وظلت منطقة ميدان التحرير وجاردن سيتى التى يتوسطها الجامع، تحمل اسم جزيرة «العبيط» الذى دُفن فيه، وبناه الأمير كريم الدين الكبير ناظر خاص الناصر محمد ابن قلاوون.
 
وكان هذا العبيط «بهلولا»، حيث عاش هائما على وجهه، ويعتقد البعض فى كرامته ونبؤاته، وعندما شرع الخديو إسماعيل فى بناء سراى الإسماعيلية، كان الجامع يقع فى الجهة الغربية، الذى أصبح جزءًا من أوقاف السراى كعادة الحكام فى التبرك بالأولياء.
 
وأطرف ما قيل فى هذا الشأن، هو رغبة الملك فاروق فى إزالة مسجد وضريح الشيخ العبيط، وإنشاء مسجد كبير يحمل اسم فاروق، كما أنه كان مقررا وضع تمثال للخديو إسماعيل وسط الميدان، فكيف يقابله مسجد يحمل اسم العبيط، إلا أن ثورة يوليو 1952، التى أزاحت فاروق عن الحكم أبقت على الضريح فى موقعه، حتى قامت وزارة الأوقاف فيما بعد بتوسيع المسجد، وتغيير اسمه إلى مسجد عمر مكرم.
 
داخل إحدى قرى محافظة الشرقية يشتهر مقام الشيخ «العرايس»، وتدور رواية الشيخ حول أنه كان لديه بنتان يزفهما للزواج وعندما هنأه الناس قال لهم: «بكره تعزونى»، وعند الصباح وجدوهم قد ماتوا، فتناقل الناس عن الشيخ كراماته، وتوارث الأهالى عند الزواج بأن يدور العريس والعروس سبع مرات حول المقام للتبرك به وحتى «تُعمر العروس فى بيت الزوجية» ولا تُطلق، وللتحصين من الأعمال وربط العريس والعروس أى «عدم إتمام الدخلة»، وكذلك لزواج البنات، والشفاء من مس الجن، وكان يُقام له مولد ويحضره المريدون، إلا أن هذه الطقوس بدأت تندثر حاليا.
 
يقع هذا الضريح فى محافظة القاهرة بجوار بئر مخصص لعلاج العقم فقط، حيث يطلب من النساء الدوران حوله سبع مرات لشفائهن من العقم.
وعن سبب تسمية هذا الضريح براكب الحجر، فيروى الأهالى أن اسمه الحقيقى هو محمد راتب الحجر، وعندما توفى دُفن فى قرية مجاورة، وحدثت المعجزة حين فوجئ الأهالى بأنه طار بقبره واستقر مكانه حاليا، فأطلقوا عليه «راكب الحجر».
 
للضريح مكانة خاصة عند أبناء الطائفة اليهودية، واليهود حول العالم، واسمه الحقيقى يعقوب بن مسعود، وهو حاخام يهودى، توفى عام 1880، فى قرية دمتيوه التابعة لدمنهور بمحافظة البحيرة، ويعتقد اليهود أنه شخصية مباركة، ويحتفلون بمولده فى 26 ديسمبر من كل عام، حيث تستمر طقوس الاحتفالات حتى الثانى من شهر يناير، واستمرت هذه الاحتفالات إلى أن صدر حكم من القضاء الإدارى المصرى بإلغاء الاحتفالات السنوية نهائيا للمولد.
 
وتدور الرواية حول حاخام يهودى صاحب كرامات، ومن أصل مغربى، استقل مركبا لزيارة الأماكن المقدسة اليهودية فى فلسطين، فغرقت فى عرض البحر المتوسط، فما كان من صاحب الكرامات إلا افتراش حصيرته فوق مياه البحر، والإبحار بها إلى سوريا، ومنها إلى القدس‏، وبعدها حملته هذه الحصيرة إلى مدينة الإسكندرية، وهناك راقت له الإقامة فى شمال مصر، فاستقر فى قرية دمتيوه، حتى توفى فوق حصيرته، ودفن فى ضريحه الحالى، على حد زعمهم.
 
من أقدم وأشهر الأضرحة، فى مصر القديمة، ويعود تاريخ بنائها إلى عام 400 هـ، وقصة بنائها تتماشى مع ما عرف عن الحاكم بأمر الله من تناقضات وغرابة فى شخصيته، فبعد أن خانه أحد وزرائه، وهو أبو القاسم المغربى، وفرَّ هاربا إلى مكة، أثار ذلك حفيظة الحاكم فأراد الانتقام من وزيره الخائن، فأمر بقتل بنات الوزير السبع، ثم أمر بعد ذلك بأن يشيد لهن سبعة أضرحة لتكريمهن، وليكفر بذلك عن قراره بقتلهن.
 
ومنذ ذلك الوقت يذهب لزيارتها والتصدق عندها كل من تطلب الزواج من البنات، وقد أنشأ كل منها منفردا فوق جثة واحدة، ولم يتبق منها سوى أربعة فقط بعد أن اندثرت الثلاثة الأخرى.
 
تعود تسمية قرية كفر المحروق التابعة لمركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، إلى قصة غريبة؛ أن أحد أهلها عندما كان جنينا فى بطن والدته، تعرض والدته للحرق بالنار فى منطقة البطن، إلا أنه لم يصبها أذى، وأن الطفل مد يده وأزاح عنها النار فأحرقت يده.
 
وولد الطفل بحرق فى يده وسميت القرية بالشيخ المحروقى نسبة له، ويقام له مولد سنوى لزيارة مقام الشيخ، ويروى الأهالى أن الاحتلال اقترب من القرية واحتل القرى التى بجوارها ولم ينزل لقرية المحروقى بفضل كرامات الشيخ، وكذلك لم تتأثر القرية بالإقطاع أيضا.
 
مقام غراب
 
فى منطقة حدائق القبة تجد مسجد الشيخ غراب، ويعتبر من أكبر المساجد بالمنطقة حتى تغير اسمه فيما بعد لمسجد الرحمن، ويروى الأهالى أنه كان من الشيوخ الصالحين، والبعض يقول إن سبب التسمية هو أن هذا المكان شهد قتل جندى إنجليزى وسُمى باسم ساخر وهو الشيخ غراب، ومع مرور الوقت ظن الناس أنه ولى من أولياء الله الصالحين، خاصة بعد بناء مسجد فى هذا المكان.
 
على بُعد خطوات من مسجد الإمام الحسين، تجد مقام تحت الأرض، يحمل اسم ضريح أم الغلام، حيث يعرف الكثيرون من مريدى الطرق الصوفية هذا المقام ويعتبرون زيارة الضريح ضربا من البركة.
 
وتتداول الروايات حول حقيقة أم الغلام، فالبعض يروى أنها قبطية أنقذت رأس الحسين، والآخر يرى أنها تنتسب لآل البيت، إلا أنها فى كل الأحوال أصبحت قِبلة السيدات للشفاء والزواج والإنجاب، فمجرد الدخول إلى الضريح تنتشر رائحة البخور، وهناك يجد الزائر أمامه أنوارا خضراء تحت الأرض، ويجد عملات معدنية وورقية تركها الزوار داخل الضريح.
 
أهم الروايات التى انتشرت حولها أنها سيدة مسيحية كانت مارة وقت معركة كربلاء بالعراق، ورأت رأس الأمام الحسين فأخذته وضحت بابنها الغلام، وقطعت رأسه ووضعته مكان رأس الإمام الشهيد، ثم سافرت إلى مصر ودفنت الرأس بالقاهرة، لكن المؤرخين رفضوا هذه الرواية لأن القاهرة التى أسسها جوهر الصقلى، لم تكن موجودة وقتئذ وهناك فارق 4 قرون بين الموقعة وتأسيس المدينة.
 
وتأتى الرواية الثانية بأن أم الغلام هى سيدة قبطية مصرية دخلت الإسلام وسميت بفاطمة، وأنها خطفت رأس الحسين من مسجد الصالح طلائع بالدرب الأحمر، والذى قيل إنه تم بناؤه خصيصًا ليدفن به الرأس الشريف، وعندما سمعت بقدوم أشخاص لخطف الرأس، قامت بسرقته من المسجد وخبأته فى منزلها وحينما علموا بمكانه قطعت رأس ابنها وأعطته لهم بدلًا منه، ولذلك سميت بـ«أم الغلام».
 
وهناك رواية صوفية ترى أن ما يتردد عن أم الغلام هى أساطير مصرية، وذكروا أن المقام يعود إلى السيدة حورية ابنة الأمام الحسين والمعروفة باسم زينب الصغرى وشقيقة الإمام زين الدين العابدين، وحضرت إلى مصر بصحبة شقيقة والدها السيدة زينب، وحملت الرأس الشريف «رأس الحسين» مع السيدة زينب، وعُرف عن السيدة حورية أنها كانت تعالج المصريين فعرفت بأنها طبيبة بنى هاشم، لذا استمر المصريون فى الاتجاه إليها بعد وفاتها للشفاء والتبرك بها.
 
يعد أحد أهم المقامات فى دمياط، وسمى بهذا الاسم نسبة للشيخ المظلوم، والذى أعدم على يد محمد على باشا، بعد نفيه فى دمياط، وهدم الضريح بيد «إحدى الجماعات المتأسلمة»، حسب باحث تاريخى.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق