السقوط الثاني للعثمانية: عصابة تحكم تركيا (3)

السبت، 20 يوليو 2019 09:00 م
السقوط الثاني للعثمانية: عصابة تحكم تركيا (3)
رضا عوض

«أردوغان» يجمع شلة من اللصوص ويمنحهم صلاحيات سياسية وعسكرية.. والمعارضة تنفجر فى وجه الديكتاتور التركى 

«عصابة على بابا تحكم تركيا».. هذا هو لسان حال كل من تابع السنوات الأخيرة من حكم أردوغان، والذى صار أشبه بـ «كبير اللصوص» الذى يعمل طوال الوقت على تجميع «الحرامية» من حوله ممن يضمن ولاءهم له، وهو ما دأب عليه الديكتاتور التركى الذى جمع حوله أكثر من 10 أشخاص ممن أعتلوا المناصب السياسية والعسكرية فى تركيا، حتى أنه بات يستخدمهم فى الوقت والمكان الذى يريده، تنفيذا لسياسات القمع التى يقوم بها مقابل حصولهم على مزايا لا حصر لها، وهو ما ظهر فى بزوغ نجم عدد منهم خلال الفترة الماضية على رأسهم بن على يلدريم، والجنرال إسماعيل متين، وصهره بيرات البيرق، وأمر الله إيشلر، حيث لعب كل واحد منهم الدور الذى رسمه لهم «أردوغان» بدقة متناهية.

الجنرال إسماعيل متين «الوفى»

رغم أن مسرحية الانقلاب التى جرت منتصف العام 2016، جاءت نكبة على عدد ليس بالقليل من الضباط فى الجيش التركى، فإنها كانت بمثابة الإنقاذ والنقلة النوعية بالنسبة للبعض الآخر، ومن أبرز الذين استفادوا من «المسرحية»، الجنرال إسماعيل متين تميل، الذى استغله أردوغان فى مهمة قذرة بسوريا، هدفها تفكيك الدولة العربية، والعمل على تغيير طبيعتها السكانية لطرد العرب والأكراد من مدن الشمال.
 
ولد متين فى قرية بايبورت إحدى قرى شرق الأناضول فى عام 1958، لينتقل هو وعائلته إلى أدنة والتى أتم فيها شهادته الثانوية العسكرية، ليصبح ضابطا، وقد بدأ متين فى الظهور بدءا من عام 2012 حين كان فى قيادة فرقة المشاة الثالثة فى ولاية هاكاري، وفيما بعد انتقل إلى قيادة خدمات دعم التعليم الحربى فى إحدى المحافظات التركية، حيث استمر فى منصبه إلى أن حصل على ترقية بقرار من المجلس العسكرى الأعلى فى عام 2015 ليصبح قائدا لوحدة الأسايش بالجندرمة فى ولاية وان.
 
ظل «متين» فى منصبه إلى أن جاءته الفرصة التى تمثلت فى الانقلاب المزعوم 2016، فتمكن من الحصول على ترقية كقائد للجيش الثانى التركى بأكمله، رغم أنه كان من المفترض أن يظل فى منصبه السابق لمدة 4 أعوام على ليحصل بعدها على المنصب، إلا أن أردوغان تجاوز اللوائح العسكرية من أجل مكافأة أحد أفراد عصابته، حيث كانت ترقيته بعد اعتقال قائد الجيش الثانى بحجة مشاركته فى الانقلاب المزعوم تارة عبر التصفيق له فى مؤتمراته أثناء الهجوم على معارضيه، وتارة عبر سحق الأكراد وتدمير مدينة عفرين على قاطنيها إرضاء لتطلعات أردوغان الاستعمارية ومحاولة إعادة أمجاد أجداده العثمانيين .
 
وفى عام 2018 ادعى «متين» تعرضه لما أسماه محاولة اغتيال فى ليلة الانقلاب المزعوم بالتنسيق مع سيده «أردوغان»، وأمام التحقيقات التى قام بها المدعى العام فى محافظة «وان» بصفته قائد قوات الأسايش فى تلك الفترة، تحدث «متين» عن استهداف فريق خاص له أرسله مخططو الانقلاب من محافظات وان وسيرت وهاكارى وشرناق لاغتياله.
 
ويعد «متين» أحد أهم القادة الذين شاركوا فى عملية «درع الفرات» 2016/ 2017، والتى احتلت بموجبها تركيا أجزاء من الشمال السورى امتدادا من مدينتى جرابلس وكيكليجيه حتى مدينة الباب السورية، كما أنه كان المسئول عن خطة انتشار الجيش التركى فى إدلب فيما يعرف باتفاق خفض التصعيد، والذى بموجبه تضمن أنقرة تصرفات الإرهابيين الذين تدعمهم، كما أنه كان المسئول الأول عن وضع خطة حصار مدينة عفرين السورية من كل الجهات وسحقها خلال عملية غصن الزيتون فى العام 2018، حتى أنه رفع عن أردوغان عناء تبرير اقتحامه للمدينة حين أعلن أنها مدينة مليئة بالأغنياء السوريين، لكى لا يصبح هناك خوف من عمليات اللجوء إلى تركيا فى حالة تدمير المدينة.

بيرات البيرق .. «الصهر»

نشأ بيرات البيرق من عائلة يغلُب عليها الطابع الدينى المحافظ ذات ثقل فى عالم السياسة؛ فالأب هو صادق البيرق ذلك الصحفى الذى استطاع التسلل منها إلى عالم السياسة بعد امتهانها لفترة طويلة ليصبح «كادر سياسي» فى حزب الرفاه التركى، وعضوًا فى البرلمان بين عامى 1991 و1995، حيث كان لهذا الحضور السياسى أثره فى تعرفه على شاب يُدعى رجب طيب أردوغان؛ وقد ساعد تشابه ظروفهما السياسية والمادية آنذاك فى توطيد الصداقة بينهما.
 
الصداقة التى جمعت بين الاثنين كانت المدخل الذى دخل منه الابن، الذى تزامنت نشأته مع ترقّى صديق والده فى سُلّم السلطة حتى أصبح رئيسا للبلاد، حيث درس بيرات إدارة الأعمال فى جامعة اسطنبول ثم انضم لشركة «تشاليك» القابضة التى تعمل فى مجالات الطاقة والبناء وغيرها عام 1999، وبعد ثلاثة أعوام عُين مديرا ماليا فى فرع الشركة بالولايات المتحدة، وما لبث أن أصبح مديرا للفرع، وكان نائبا فى البرلمان عن حزب العدالة والتنمية منذ يونيو 2015.
 
وفى نفس العام تم تعيينه وزيرا للطاقة والموارد الطبيعية حتى يوليو 2018 فى حكومة تركيا الرابعة والستين تحت رئاسة أحمد داود أوغلو، وشهدت فترة ولايته كوزير للطاقة تعرض شركات الطاقة لأزمات كبيرة لأنها تقترض أموالاً لتمويل عمليات الاستحواذ والتوسع، فى الوقت الذى أدت فيه قيود الحكومة على أسعار الطاقة إلى تآكل خطوط أرباحها، وهو ما ساهم فى أزمة العملة والديون التركية لعام 2018 .
 
الغريب أنه جرى إعادة انتخابه فى 24 يونيو 2018 ضمن البرلمان بموجب دستور جديد، فى 9 يوليو 2018، ثم جرى تعيينه وزيرا للخزانة والمالية ضمن حكومة رجب طيب أردوغان الرابعة.
 
ويعد بيرات البيرق أحد رجال أردوغان المقربين، وأحد أقوى الصقور فى تركيا، حيث يتبنى اتجاها متشددا تجاه معارضيه، حتى أنه قام بوضع وزير الداخلية سليمان صويلو تحت المراقبة بعد أن أصدر أوامره بالتجسس على تليفوناته الخاصة، كما أنه هو من حث أردوغان على اتخاذ إجراءات شديدة الصرامة بالحبس والعزل لكل معتنقى أفكار فتح الله جولن بعد مسرحية الانقلاب المزعوم.
 
ووفقا لتقرير صادر عن مجلة دير شبيجل الألمانية، فإن مَيل أردوغان نحو السياسات الأكثر صرامة تجاه المعارضين فى الداخل والخارج، يقف خلفها صهره بيرات البيرق، والذى يعتقد أن اندفاع أردوغان نحو سياسات قمعية لن يجعل الاتحاد الأوروبى يأخذ مواقف تصعيدية تجاهه، وذلك حسب ما يذكر التقرير.

أمر الله إيشلر «المخلص لأردوغان»

برز اسم أمر الله إيشلر كأحد رجال الدائرة الصغيرة حول الرئيس التركي، رجب أردوغان، فهو نائب رئيس مجلس الوزراء منذ 2013، وقد عمل مترجما شخصيا للديكتاتور التركى للغة العربية، حيث كانت معرفته الجيدة باللغة العربية سببا فى فى أن يكون رجل أردوغان الأول والمقرب فى ملفات التسلل إلى الدول العربية، لذا كان طبيعيا أن يكون رئيس هيئة الصداقة التركية السودانية، والتى كانت أحد أبرز أدوات أنقرة للتغلغل فى الخرطوم.
 
سمح «إيشلر» لنفسه بصفته مبعوث أردوغان إلى ليبيا منذ عام 2014، بالتصريح فى مؤتمر باليرمو لأصدقاء ليبيا نوفمبر الماضى عن انسحاب بلاده، بزعم أن المؤتمر جاء مخيبا للآمال، بعد أن فشلت دولته فى فرض إرادة جماعة الإخوان الإرهابية واختطاف ليبيا وسرقة مواردها من النفط والغاز.
 
الغريب أن إيشلر اتهم قائد الجيش الليبى خليفة حفتر بأنه «يسعى لإجهاض الحلول السياسية، وأن تطرفه وصل لحد الإرهاب، فقواته عبارة عن ميليشيات»، فى محاولة منه لنفى تهمة دعم الميليشيات الإرهابية فى ليبيا.
 
وكتب «إيشلر» عدة تغريدات عبر فيها عن دعمه لداعش مقابل ما سماه «جرائم» حزب العمال الكردستانى، حيث كتب دعما لهجمات داعش على مدينة كوبانى السورية ذات الأغلبية الكردية، فقال فى إحدى تغريداته التى يأسف فيها لموت أحد عناصر داعش «ما ذنب هذا الشاب كى يموت بهذا الشكل؟ لماذا لم يعطوه الماء؟ إن داعش يقتل لكنه لا يعذب».
 
ويعد «إيشلر» هو المسئول عن توفير الدعم التركى لميليشيات طرابلس، ومدها بالعتاد بل وإدارة غرفة عمليات المعارك ضد قوات الجيش الوطنى الليبي، ولعب إيشلر دوره من خلال منصبه الرسمى كمبعوث تركيا إلى ليبيا بداية من العام 2014.
 
وكشف نائب رئيس مجلس الوزراء عن وجهه الحقيقى مع انطلاق عملية الكرامة للجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر، التى تهدف إلى تطهير البلاد من عار الإرهاب، بتخليص طرابلس من سيطرة الميليشيات المدعومة إخوانيا وتركيا، حيث فقد «إيشلر» أعصابه أمام الانتصارات الميدانية التى أكدت قرب انهيار المشروع التركى العثمانى فى ليبيا فخرج يهذى بتصريحات غير مسئولة.
 
موقف إيشلر المؤيد للإرهاب الإخوانى يبدو متسقا مع تصريحاته غير المسئولة، حيث تعمد تمجيد الإرهاب الداعشي، فالرجل القريب من أفكار جماعة الإخوان الإرهابية لم يفوت فرصة إلا وعبر فيها عن تشدده وتطرفه عبر عدة تغريدات صادمة .
 
كما كشف «إيشلر» فى تغريدة مثيرة على موقع تويتر، عام 2014 عن دعم أردوغان وحزبه لحركة الخدمة، قبل الانقلاب عليها، والتضحية بها، حيث كتب قائلا: «قمتم يا ناكرى الجميل بطعن رئيس الوزراء ( أردوغان) فى الظهر، وهو الذى سمح لكم طوال 11 عاما بالتوسع والظهور»، بعدما أثارت ضجة لافتة خلال دقائق، قام بمسحها.

يلدريم على «ظل أردوغان»

ينتمى بن على يلدريم لعائلة كردية، حيث كان رئيس الدورة الثامنة والعشرين للبرلمان التركى منذ 12 يوليو 2018، كما أنه كان آخر رئيس وزراء تركى منذ 22 مايو 2016 وحتى يوليو 2018، والرئيس السابق لحزب العدالة والتنمية الحاكم وأحد مؤسسيه وقادته.
 
عمل يلدريم وزيرا للنقل منذ العام 2002 وحتى العام 2013، ثم تولى الوزارة مرة أخرى فى الفترة من نوفمبر 2015 إلى مايو 2016، وفى هذا العام وقع اختيار أردوغان على حليفه وموضع ثقته «يلدريم» لزعامة حزب العدالة والتنمية الحاكم وكلفه لاحقا بتشكيل الحكومة التركية الجديدة، وعقب اختياره، قال يلدريم إن مهمة حكومته هى تعديل الدستور لمنح سلطات أكثر لمنصب رئيس البلاد وهو ما جرى عام 2018، واستمر يلدريم فى منصبه رئيسا للوزراء الـ27 حتى الانتخابات الرئاسية التى ألغى على أثرها منصب رئيس الوزراء بموجب التعديلات الدستورية الأخيرة.
 
ويوصف يلدريم بأنه رجل أردوغان المخلص، حيث يلازمه منذ أن كان الأخير رئيسا لبلدية اسطنبول، فقد كان يلدريم المسئول عن النقل البحرى فى بلدية اسطنبول ما بين 1994 و2000، ولعل ذلك هو ما دفع أردوغان إلى محاولة ابقاء صديقه فى المشهد السياسى عبر ترشحه على رئاسة بلدية اسطنبول، وهى المدينة الأهم فى المعادلة السياسية التركية، وهو الترشح الذى قوبل بمعارضة شديدة من أحزاب المعارضة التى أعربت عن اعتراضها على إعلان ترشيح يلدريم كمرشح للحزب الحاكم لبلدية إسطنبول، واستشهدت المعارضة بالمادة 94 من الدستور التركى التى تنص على أن «رئيس ونائب رئيس الجمعية الوطنية التركية الكبرى (البرلمان) لا يجوز لهم المشاركة فى أنشطة الحزب السياسية أو المجموعة الحزبية التى ينتمون إليها».

خلوصى أكار.. رئيس الأركان 

شغل « أكار منصب رئيس الأركان التركى الـ 29، حيث جرى تعينه خلفا لرئيس الأركان السابق نجدت أوزال، من خلال مجلس الشورى العسكرى التركى الأعلى بحضور رئيس الوزراء حينها أحمد داوود أوغلو، ويعقد ذلك المجلس اجتماعا كل ستة أشهر، لينظر فى وضع الضباط، المتهمين بقضايا تتعلق بالانضباط والإخلال باللوائح والأنظمة العسكرية، حيث يتخذ المجلس قرارات متعلقة بالخدمة العسكرية، من قبيل الترقيات والعقوبات والتقاعد. 
 
وقد تضاربت الأنباء حول مصير أكار ليلة الانقلاب المزعوم، حيث تصدر خبر مقتله ثم توارى الخبر وتم تعديله بخبر اختفاء ومن ثم احتجازه رهينة، لدى الانقلابيين، وعقب احتجازه لساعات، تمكنت السلطات التركية «حسب بيانها المزعوم» من تحرير آكار، الذى عاد لممارسة عمله فى مقر إدارة الأزمة فى مبنى الحكومة التركية.

إيفكان آلاء.. عقل أردوغان الأمنى

لعب ايفكان دورا كبيرا فى اخراج مسرحية الانقلاب على أكمل وجه، حيث أعلن وقتها عن دوره فى استعادة سيطرة حزب العدالة والتنمية فى تلك الليلة، خاصة مع محاولة السيطرة على مفاصل وجسور العاصمة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق