على خطى الرجال.. 8 خطوات لإصلاح الكرة المصرية
السبت، 13 يوليو 2019 09:00 ممحمد أبو ليلة
- عودة منصب المدير الفنى لاتحاد كرة القدم.. ونموذج «الجوهرى وشحاتة» الأفضل للكرة المصرية
- الاعتماد على مدرب وطنى للمنتخب الأول.. وإدخال تعديلات جديدة على لائحة القيد
فى صيف عام 2007، كانت المجموعة الثانية من تصفيات كأس الأمم الأفريقية غانا 2008 على أشدها، فالمنتخب المصرى وقتها، كان حاملا للقب بطولة 2006، يُصارع مع ثلاثة منتخبات تصنيفها الأفريقى بعيد جدا عن الفراعنة، ومع ذلك فمنتخب مصر واجه صعوبة شديدة فى تصدر مجموعته، بعد أن تعادل إيجابيا مع موريتانيا خارج ملعبه، ثم تعادل مع بتسوانا، وحقق فوزا ضعيفا على بوروندى، الأمر بات صعبا على الفراعنة، وهدد صعودهم لكأس الأمم الأفريقية.
وقتها لم يكن هذا الجيل من المنتخب المصرى، قد أصبح جيلا ذهبيا فى تاريخ كرة القدم المصرية، كان مجرد جيل أحرز لقباً أفريقياً فى بطولة مُقامة على أرضه وبدعم جماهيرى غير مسبوق.
مدير فنى لاتحاد الكرة
فى تلك اللحظة كان اتحاد كرة القدم المصرى برئاسة الراحل سمير زاهر يُفكر فى الأمر، فسمعة منتخب مصر، أصبحت على المحك، والمنتخب الأول، يصارع مع منتخبات ضعيفة فنيا من أجل الصعود لبطولة أفريقيا، ومنتخبات الناشئين والشباب لم تستطع تحقيق نجاحات تُذكر، من هنا بدأت فكرة المدير الفنى لاتحاد الكرة المصرى، فاجتمع سمير زاهر بمجلس إدارة اتحاد الكرة لمحاولة إنقاذ الكرة المصرية، التى كانت وقتها مستقرة نسبيا على الصعيدين الأفريقى والمحلى، وتوصلوا إلى قرار باستحداث منصب جديد فى اتحاد الكرة، وهو منصب المدير الفنى للاتحاد مهمته التخطيط من أجل النهوض بكرة القدم المصرية بشكل عام على صعيد المنتخبات والناشئين.
فى ذلك الوقت اتجهت النظرة إلى محمود الجوهرى، مدرب منتخب مصر التاريخى، الذى حصد لقب كأس الأمم الأفريقية عام 1998، وصعد بمنتخب مصر لكأس العالم عام 1990، واستطاع أن يحقق إنجازا آخر للكرة الأردنية بعدما صعد بمنتخبها لأول مرة لبطولة كأس آسيا، ووصل به للدور ربع النهائى، ليصبح الجوهرى مديرا فنيا لاتحاد الكرة المصرى، من أجل التخطيط لإصلاح الكرة المصرية.
هذا القرار الذى اتخذه اتحاد الكرة منذ 12 عاما، ولم يستمر طويلا مع الإدارات المتعاقبة، نتذكره اليوم فى ظل مطالبات بعض الخبراء باستحداث منصب «مدير تخطيط» لاتحاد الكرة المصرى، يكون دوره النهوض بالمنتخب الأول والأولمبى ومنتخب الشباب، بعدما فشل المنتخب الوطنى الأول فى التأهل لدور الـ 8 من بطولة كأس الأمم الأفريقية 2019، والمقامة على أرض مصر، والخروج الباهت دون أداء فنى أو روح حماسية للاعبين، وهو ما جعل جماهير الكرة المصرية توجه اللوم للمسئولين عن إدارة كرة القدم المصرية.
خروج المنتخب الوطنى، تبعه استقالة مجلس إدارة اتحاد الكرة فى محاولة لإنقاذ الموقف، لكن اتهامات كثيرة بالفساد، طالت أعضاء مجلس إدارة اتحاد الكرة، جعلت جهات سيادية تُحقق فى إخفاقات هذا الاتحاد منذ فضيحة كأس العالم 2018 بروسيا وحتى الآن.
«صوت الأمة» تُحاول أن تقدم روشتة فنية لإصلاح الكرة المصرية من خلال إيضاح العوامل الرئيسية التى جعلت الكرة المصرية تتربع على عرش أفريقيا لـ 6 سنوات متتالية، وتصل للعالمية بعدما أصبح منتخبها هو المنتخب الأفريقى الوحيد الذى يفوز على بطل العالم منتخب إيطاليا، ويحرز ثلاثة أهداف فى منتخب البرازيل أيام الجيل الذهبى للكرة المصرية.
عودة المدرب الوطنى
قرار عودة الجوهرى كان محاولة من اتحاد الكرة لتطوير النشاط الرياضى وتجنب أى خلل، لكن هذه المحاولة لم تُكلل بالنجاح إلا بوجود جهاز فنى وطنى لديه أفكار تنظيمية وكروية بقيادة حسن شحاتة ومعه لاعبون لديهم من الموهبة والروح الوطنية ما جعلهم يتربعون على عرش تاريخ كرة القدم المصرية بعدما حصدوا ثلاث بطولات لكأس الأمم الأفريقية عام 2006 و2008 و2010 على التوالى فى سابقة لم تحدث من قبل.
كان حسن شحاتة بخلاف شخصيته القوية وقدراته الفنية العالية قادرا على بث روح الوطنية فى لاعبيه، لأنهم يلعبون مبارياتهم كسفراء لكل الجماهير المصرية، حيث أوضح «شحاتة» فى تصريح تليفزيونى سابق أنه أثناء إلقائه للمحاضرات التدريبية للاعبين فى بطولة كأس الأمم الأفريقية عام 2008 بغانا، كانت هناك حصة تدريبية تستغرق دقائق، يستمع فيها اللاعبون وجميع أفراد الجهاز الفنى لعدد من الأغانى الوطنية التى تُلهب حماسهم قبل كل مباراة يلعبونها، «هذه الأغانى كانت كفيلة أن اللاعيبة تنزل الملعب تاكل النجيلة، لأنها بتدافع عن مصر»، حسب تصريحات شحاتة التليفزيونية وقتها.
لذلك فإن الواقع يؤكد حاجة مصر لمدرب وطنى فى هذه المرحلة ليعيد ترتيب الأوراق المبعثرة، وليحافظ المنتخب على كيانه، ولنا فى منتخب الجزائر الشقيق عبرة، فمدربه الوطنى جمال بلماضى، أستطاع أن يعيد الحماس والكرة الجميلة للجزائر، والتغلب على التخمة التى أصابت نجوم الفريق فى الدوريات الأوروبية، ودمجهم فى المنتخب والحصول منهم على أعلى مستوى فنى مثلما حدث مع رياض محرز، نجم مانشيستر سيتى، الذى قدم فى أمم أفريقيا هذا العام مستوى لم نره له من قبل مع منتخب الجزائر، والفضل فى ذلك يرجع للمدرب الوطنى الذى فهم شخصية لاعبيه وطورها وعمل على دمجهم مع بعضهم البعض، فظهرت الجزائر بالصورة المشرفة فى أمم أفريقيا.
كيف نصنع جيلا جديدا من اللاعبين؟
الجيل الذهبى فى تاريخ الكرة المصرية، استطاع أن يصل للعالمية فى كأس العالم للقارات عام 2009، عندما خسر منتخب مصر المباراة الأولى أمام البرازيل بنتيجة 3-4 بعد تقديم عرض قوى قبل الخسارة فى الوقت بدل الضائع بهدف من ركلة جزاء سجلها اللاعب البرازيلى كاكا، ويعتبر المنتخب المصرى فى عصره الذهبى، المنتخب الأفريقى الوحيد الذى تمكن من إحراز ثلاثة أهداف فى مرمى منتخب البرازيل فى مباراة واحدة على مر التاريخ، هذه المباراة تتذكرها الجماهير المصرية حتى الآن ويعتبرونها أفضل مباراة فى تاريخ المنتخب المصرى برغم الخسارة من البرازيل، لأنهم رأوا لاعبين وجهازا فنيا يبهرون العالم بأداء وصفه محللون بأنه فاق أداء البرازيل وقتها.
واستمر رجال حسن شحاتة فى إبهار الجميع بكأس العالم للقارات عام 2009 عندما فازوا على بطل العالم آنذاك المنتخب الإيطالى بهدف تاريخى أحرزه نجم النادى الإسماعيلى محمد حمص، ويعتبر هذا الفوز هو الأول لمنتخب أفريقى على منتخب إيطاليا فى التاريخ.
وبرغم أن الجيل الذهبى للكرة المصرية بقيادة حسن شحاتة لم يستطع الوصول لنهائيات كأس العالم عام 2010، فإن الجماهير المصرية مازالت تهتف وتصفق لهذا الجيل الاستثنائى وتتذكره جيدا، لسبب واحد مهم أن هؤلاء اللاعبين كانوا يدافعون عن مصر فى أرض الملعب بروحهم وأدائهم حتى آخر دقيقة من أى مباراة لعبوها، فلم يستطع أحد نسيان مباراة مصر والجزائر فى نوفمبر عام 2009، والتى فازت بها مصر بهدفين دون رد، أحرز هدفها الثانى نجم المنتخب السابق عماد متعب فى الدقيقة 95 من المباراة، كان هذا الهدف كفيل بصعود مصر لكأس العالم، لأنها فى تلك الحالة تساوت فى النقاط مع الجزائر، لكنها تفوقت فى فارق الأهداف، ليظهر الاتحاد الأفريقى بقرار غريب وقتها، يمنع صعود مصر لكأس العالم، ويقرر عقد مباراة فاصلة بين المنتخبين.
على الرغم من خسارة منتخب مصر فى تلك المباراة الفاصلة بهدف دون رد، ولم يتمكن من الصعود لكأس العالم، فإن الجماهير المصرية ظلت تُشجع هذا الجيل الذهبى حتى وقتنا هذا، لأنهم كانوا يلعبون لآخر دقيقة باسم مصر، ولم يخذلوا جماهيرهم أبدا.
وهنا نعود إلى النقطة السابقة، وهى أن المنتخب طيلة السنوات الماضية يعيبه غياب الروح، حتى فى ظل كثرة النجوم المحترفين فى أقوى الدوريات العالمية، وعلى رأسهم محمد صلاح، نجم ليفربول والفائز معهم مؤخرا ببطولة أبطال الدورى فى أوروبا، وغيره مثل محمد الننى وأحمد حجازى ومحمود حسن تريزيجيه، لكن الروح غائبة، وكأن اللاعبين حينما ينضمون للمنتخب، يعتبرون أنفسهم فى نزهة، وليس فى مهمة وطنية، تتطلب منهم بذل أقصى ما لديهم من مجهود للحفاظ على اسم مصر.
إنشاء معهد لكرة القدم
فى حوار صحفى نُشر فى وقت ماضٍ لرئيس اتحاد الكرة الأسبق اللواء حرب الدهشورى حرب، كان يُقدم فيه أفكارا لإصلاح منظومة كرة القدم المصرية، أهمها: عودة دورى البراعم والقطاعات، وإنشاء معهد لكرة القدم، الذى كان موجودا قديما لتأهيل المدربين المصريين فنيا.
الدهشورى قال نصا فى حواره: «نحن ندفع ثمن عدم صناعة جيل جديد للكرة المصرية، وإلغاء دورى البراعم والقطاعات، وإلغاء معهد كرة القدم الذى كان يجهز مدربين، ويستقدم أعظم المدربين فى العالم لإعداد مدرب مميز، فحسن شحاتة اختاره عصام عبدالمنعم للمنتخب الأول، وكذلك شوقى غريب وحمادة صدقى وطلعت يوسف، فقد صنعنا جيلا من اللاعبين والمدربين لمصر، قبل أن يتم تدمير كل ذلك، مؤكدا أن الاستفادة من التجارب السابقة هى الحل الوحيد لإصلاح الكرة فى مصر وإعادة هيبتها».
ما قاله حرب الدهشورى سابقا، اتفق معه نجم الإسماعيلى ومنتخب مصر أسامة خليل فى تصريحات صحفية عندما قال إن أول خطوة لإصلاح الكرة المصرية، هو اختيار شخصيات تتسم بالمصداقية الجماهيرية وقربها من المطبخ الكروى، وأن يكون لديها القدرة على اتخاذ القرار ومواجهة الجماهير بخطة مستقبلية واقعية، تتماشى مع الإمكانيات الحقيقية للكرة المصرية، وكذلك أن تجمع بين الفكر الإدارى المتسم بالخبرات الاحترافية فى كرة القدم، خاصة أن المرحلة القادمة هى لتطبيق الاحتراف من خلال سن لوائح تكون ملزمة لجميع الأندية.
تعديل لائحة القيد
من بين الانتقادات التى وجهها البعض لاتحاد الكرة بسبب أداء المنتخب الوطنى السيئ، هو صعوبة إيجاد مُهاجم هداف فى المنتخب المصرى، برغم كثرة اللاعبين المصريين، وهناك قليلون هم من يشغلون مركز المهاجم الصريح، البعض رأى أن السبب فى ذلك تغيير طريقة اللعب والاعتماد أكثر على الجناحين فى اليمين واليسار.
لكن البعض الآخر رأى أن السبب الرئيسى فى نقص مركز المهاجم المصرى هو ندرة وجوده فى الأندية منذ مرحلة الناشئين، بسبب السماح لعدد أكبر من المهاجمين الأفارقة للعب فى الدورى المصرى، فقائمة الهدافين الثلاثين الأوائل للدورى المصرى هذا الموسم، تضم فى جعبتها عددا كبيرا من الأفارقة المحترفين فى الدورى، وهذا حسبما يرى البعض فإن ذلك يُقلص بشكل كبير فرص اللاعبين المحليين فى أخذ فرصة للتهديف أو اللعب مع أنديتهم.
هذه المشكلة تفاقمت أكثر بعدما أجرى اتحاد الكرة المستقيل تغييرات على لائحة القيد لهذا الموسم، وزادت عدد اللاعبين الأجانب لـ 4 لاعبين بعدما كانوا ثلاثة فقط، كما ألزمت اللائحة الأندية بقيد 25 لاعبًا فقط فى القائمة، مع زيادة العدد إلى 30 لاعبًا بقيد 5 لاعبين إضافيين فى فترة القيد الشتوى بشهر يناير.
لذلك فإن هناك مطالبات بتعديل لائحة القيد، وتقليل عدد المحترفين الأجانب فى الدورى المصرى ولو لفترة محدودة حتى نفرز لاعبين جددا قادرين على تمثيل مصر.
انتظام الدورى العام
إحدى النقاط السلبية العالقة فى أذهان الجميع، أن الدورى المصرى يسير وفق قاعدة «البركة»، لا جدول منتظم، ولا قرارات واضحة وصريحة، وهذا يرجع إلى التخبط الإدارى الذى ساد اتحاد الكرة، ولجنة المسابقات، وليس أدل على ذلك من ترحيل 4 مباريات فى ختام الدورى إلى ما بعد انتهاء بطولة الأمم الأفريقية، لأن لجنة المسابقات لم تجد الوقت المناسب للعب هذه المباريات قبل انطلاق البطولة الأفريقية، وترتب على ذلك تأجيل إعلان بطل الدورى، وهذا الأمر له تأثير كبير على الفرق، وأيضا على اللاعبين، لأن الجميع بات يدرك أن إدارة كرة القدم فى مصر لم تكن احترافية، بل تتحكم فيها مصالح خاصة.
الاهتمام بقطاعات الناشئين
لم يكن غريبا أن تفوز نيجيريا وغانا ببطولات العالم للناشئين، أو أن نرى الدوريات الأوروبية مليئة باللاعبين الأفارقة، بينما نحن غارقون فى البحث عن مهاجم للمنتخب، والسبب فى ذلك واضح، وهو أننا أهملنا قاعدة الناشئين التى طالما تميزنا بها لسنوات طويلة، واعتمدت الأندية الكبرى مثل الأهلى والزمالك وغيرهما على قاعدة «شراء اللاعب ولا تربيته»، ولعل ما يحدث حاليا، يفتح ملف قطاع الناشئين فى مصر، وهو الملف المهمل، والذى يحتاج لقرار جرئ.
اختيارات فنية بعيدة عن التحيز للقطبين
يهوى اتحاد الكرة على مر العصور، لعبة التوازنات بين القطبين الأهلى والزمالك فى اختيار الأجهزة الفنية للمنتخبات الوطنية، وما يستتبع ذلك من توزانات أيضا فى اختيار اللاعبين من القطبين، ونتيجة ذلك نرى إهمالا شديدا لمدربين أكفاء لا لسبب إلا لأنهم لا ينتمون للقطبين، وكذلك تجاهل لاعبين لذات السبب، لذلك فإن الحل لهذه الأزمة أن تكون الاختيارات قائمة على القدرات الفنية والإدارية، وليس الانتماء لهذا النادى أو ذلك.