الصحف الغربية.. شقق مفروشة للإيجار
السبت، 15 يونيو 2019 07:00 مطلال رسلان يكتب:
- حالة الاختلال المهنى الرهيب باتت معها الصحف الغربية مجرد شقق مفروشة لمن يدفع أكثر
السائد لدينا أن الصحف الغربية فى مجملها- والأمريكية خاصة- مثال للمهنية والحرفية، ومنبر الرأى والرأى الآخر، ولا يأتيها الباطل أبدا، لكن فى الواقع أن تلك الصحف ما هى إلا منصات حولت نفسها إلى ما يشبه الشقق المفروشة، المعروضة للإيجار لمن يدفع أكثر، فلا مهنية ولا حرفية، فقط المال هو ما يحكم توجهاتها وسياساتها، وكأن لسان حالها يرفع شعار: «من يدفع أكثر.. يملك أكثر»!
والمتتبع لأداء هذه الصحف، سيجد أنها تحاول الظهور فى صورة المنابر المقدسة للمهنية، وأنها تملك الصواب المطلق، والتأثير فى مجريات الأحداث حول العالم، لكن فى الحقيقة هى عكس ذلك تماما، فهى خير مثال للانتهازية والابتزاز، ويكفى هنا أن نشير إلى تغطية الإعلام الأمريكى للانتخابات الرئاسية الأمريكية، التى فاز بها دونالد ترامب، ووجه ضربة قاضية لمنافسته- الديمقراطية- هيلارى كلينتون، وفى الوقت ذاته للإعلام الأمريكى بأكمله، الذى أعلن انحيازه الكامل لـ«هيلارى» على حساب «ترامب»، واختلق الكثير من القصص والحكايات عن «ترامب»، عله يؤثر فى الناخب الأمريكى، لكن جاءت نتيجة الانتخابات لتكشف حجم وتأثير هذه الصحف، وانحسار دورها فى الداخل، بعد فضح انحيازها السافر للديمقراطيين ولهيلارى كلينتون، دون أى اعتبار للمهنية التى يصدرونها للقارئ والمتابع للإعلام.
وتواصلت ضربات «ترامب» للإعلام الأمريكى، بعدما رفض التعاون معه بعد وصوله للبيت الأبيض، متخذا من «تويتر» المنصة الوحيدة التى يتحدث من خلالها مع الأمريكيين، وفى الوقت ذاته لا يترك «ترامب» مناسبة إلا وكشف فيها عورات الإعلاميين والصحفيين الأمريكيين.
أمام هذا الوضع، لم يجد الإعلام الأمريكى وسيلة لاستعادة تواجده إلا اللعب على وتر السياسة الداخلية للعديد من الدول، وفتح أبواب هذه الصحف أمام من يدفع أموالا فى تقارير ومقالات موجهة ضد دول وحكومات بعينها، لتتحول هذه المنصات الإعلامية إلى ما يشبه الشقق المفروشة، توفر كل خدماتها للزبون الذى يملك المال، وهو ما نراه يتحقق حالياً فى تناول عدد من هذه الصحف للشأن الشرق أوسطى، وتحديدا مصر.
فتحت هذه الصحف أبوابها للمال، وتورطت فى ابتزاز رجال الأعمال والشركات الكبرى، كما فتحت صفحاتها لمواد تحريرية موجهة، وخصصت افتتاحياتها لوجهات نظر لا علاقة للمجلة أو الصحيفة بها، مقابل المال، والحق أن كل شىء مدفوع وموجه فى الصحف الغربية الكبرى، خاصة الصحف الأمريكية، والشواهد فى الماضى كثيرة، لكننا نكتفى فقط بالمقال المدفوع الذى نشره وزير استثمار الإخوان، يحيى حامد، على صفحات المجلة الأمريكية الشهيرة «فورين بوليسى»، كحالة من حالات الاختلال المهنى الرهيب التى باتت معها الصحف الأمريكية مجرد شقق مفروشة لمن يدفع أكثر، ولكن على مستوى عال من التعامل، أى على مستوى الدول وشركات العلاقات العامة الكبرى لأن العوائد فى المقابل ضخمة.
الملاحظ على «فورين بوليسى»- باعتبارها ناشرة هذا الهراء، تحت عنوان «ARGUMENT» أى «موضوع للنقاش»- أنها أغلقت الباب أمام أى نقاش، واكتفت بالموضوع الموجه الذى يؤكد أنه مدفوع، ولم تعرض أى وجهات نظر أخرى لمتخصصين دوليين، أو استعرضت الإحصاءات الخاصة بتحولات الاقتصاد المصرى، خاصة أن المقال إياه يخالف ويشكك فى تقارير كبريات المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد، والبنك الدولى، وفيتش وستاندرد آند بورز، وموديز، وغيرها من المؤسسات التى نشرت تقارير مبشرة للغاية لما تحقق من إصلاح اقتصادى مصرى فى ظروف صعبة، وكذا باعتباره قصة نجاح تحتذى فى الدول النامية مع معدلات النمو المتحققة التى فاقت توقعات هذه المؤسسات الدولية حين تحدثت عن معدلات نمو سنوية بين 4، و4.5 %، فإذا ما تحقق حتى الآن 5.6 %.
من يتابع أداء العديد من وسائل الإعلام الأمريكية تجاه مصر تحديدا، سيجد أن رائحة الأموال القطرية بارزة بقوة، فكم من مرة صدرت مجلات وصحف أمريكية تحديداً بعد ثورة 30 يونيو وهى تحمل وجهات نظر «تنظيم الحمدين» فى مختلف قضايا الشرق الأوسط؟ ففى مصر عادة ما تنشر وجهات النظر الإخوانية على صفحات مدفوعة وفى مختلف المناسبات، فما يمكن أن تجده على شاشة «الجزيرة» القطرية، أو «مكملين» الإخوانية التركية أو «العربى» اللندنية القطرية، حول التعديلات الدستورية فى مصر مثلا، تجده بالإنجليزية فى مقالات على «فورين بوليسى»، وما تبثه هذه الأبواق الموجهة عن السعودية والإمارات- من وجهة نظر «تنظيم الحمدين»- تجده أيضا موضوع مقالات فى «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، وحتى الموقف القطرى المعروف والموالى لتركيا لدعم إخوان ليبيا والميليشيات الإرهابية فى طرابلس والهجوم على «حفتر» والجيش الليبى، تجده أيضا مترجما فى مقالات المجلة.
الأمر هنا ليس مقتصرا على الصحف الأمريكية رغم فجاجة موقفها المعلن ضد مصر، فقد سبقتها عدة صحف بريطانية وألمانية، مثل «جارديان»، التى نشرت- منذ نحو أسبوعين- مقالات لعمرو دراج رئيس المكتب السياسى للإخوان فى الخارج، محرضا فيه ضد مصر، وقبلها- بنحو شهر- صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، التى نشرت مقالا لأيمن نور رئيس قناة «الشرق» الإخوانية، يحرض فيه ضد القاهرة ويهاجم المجتمع الدولى لعدم تدخله فى الشئون الداخلية المصرية، وقبلها- بنحو عامين- نشرت صحيفة «نيويورك تاميز» الأمريكية مقالا لجهاد الحداد، المتحدث باسم الإخوان والمحبوس على ذمة قضايا متعلقة بالإرهاب.
والشاهد، أن الإعلام الأجنبى يعتمد دائما على شخصيات مدرجة على قوائم الإرهاب ضمن دول الرباعى العربى الداعى لمكافحة الإرهاب، فعمرو دراج وأيمن نور ويحيى حامد، جميعهم شخصيات مدرجة على قوائم الإرهاب لتورطهم فى دعم وتمويل المنظمات الإرهابية، وبالتالى فإن تصريحاتهم مشكوك فيها، إلا أن الإعلام الغربى يعتبرها شهادات موثوقة للحديث عن الأوضاع فى مصر، متجاهلا تورطهم فى الدعم والتحريض.