ما الذي يملكه الإرهابي ولا تملكه أجهزة الأمن؟
الخميس، 06 يونيو 2019 12:45 م
في أعقاب كل جريمة إرهابية تنفذها عناصر لا ينتمون لبني البشر، تزداد تحليلات وآراء مٓنً يطلق عليهم خبراء استراتيجيين «من منازلهم»، أو من «الهبيدة»، الذين يتوارون خلف الكيبورد، ويقدمون تفسيرات خزعبلية، وحلولا فيسبوكية للقضاء على الإرهاب، أو الحد من العمليات الإرهابية.. وكأنهم يرون ما لا تراه الأجهزة الأمنية، ومؤسسات الدولة المعنية بهذا الأمر.
بالأمس، ومع تكبيرات أول أيام عيد الفطر المبارك، هاجم إرهابيون ينتمون لتنظيم داعش الإرهابي كمين «بطل 14» الكائن في الطريق الدائري بشمال سيناء، وجرت اشتباكات بين العناصر الإرهابية وأفراد الكمين، بينهم وبين أبطال الكمين، أسفرت عن استشهاد عدد من أفراد الشرطة، ثم تصفية 14 داعشيًا على يد قوات الأمن.
هذا الحادث أعاد اتهام الأجهزة الأمنية بالتقاعس، وعدم الجهوزية في التعامل مع الإرهابيين، والتقصير في حماية القوات المرابطة في شمال سيناء، والتشكيك في العملية العسكرية الشاملة، المعروفة اختصارًا باسم «سيناء 2018».. بل إن بعض «الفسابكة والتواترة» تقمصوا شخصية عمرو حمزاوي، أو عمرو الشوبكي وراحوا يقدمون ما وصفوه بـ«روشتة الحل» لاقتلاع الإرهاب في سيناء من جذوره، ولم تخلُ الروشتة من «التلسين» على الأجهزة الأمنية، واتهامها بالتخاذل، وعدم امتلاك رؤية استراتيجية لتجفيف منابع الإرهاب.
ولأن «إللي على الشط عوام»- كما يقول المأثور- فقد طالب بعضهم بإلغاء التمركزات والكمائن الأمنية الثابتة، واستبدالها بقوات متحركة، حتى يصعب استهدافها.. كما طالبوا بإخلاء مناطق بسيناء، وإبعاد السكان المعروفين «مؤقتًا» لعدة كيلومترات، ثم دك هذه المناطق بالصواريخ وتسويتها بالأرض على مَن تبقى فيها من الإرهابيين، والمتطرفين، والمتشددين والتكفيريين.. وكأن الإرهابي هو فقط مَن يحمل صفة من هذه الصفات.
دعونا نعترف، ونقر بحقيقة واضحة وضوح شمس بؤونة، بأن أي دولة لم ولن تسلم من الإرهاب. كما أن أقوى وأعرق الأجهزة الأمنية في العالم لن يمكنها القضاء على الإرهاب تمامًا، ليس عن ضعفٍ أو تكاسلٍ وتخاذلٍ منها، بل لأن الإرهابيين يمتلكون خمسة أشياءٍ لا تمتلكها هذه الأجهزة، وهي «المفاجأة، والزمان، والمكان، والتسليح، والأسلوب».
فأكثر من خمسين بالمئة من نجاح أي عملية إرهابية يعتمد على عنصر المباغتة والمفاجأة. ثم إن الإرهابي الذي يفرض على الأجهزة الأمنية عنصر الزمان، وهو الذي يحدد مكان العملية، ونوع السلاح المستخدم، وأسلوب القتال.. ومهما كانت قدرة الأجهزة الأمنية على جمع المعلومات عن أي عمل إرهابي، يظل عامل الوقت غامضًا وغائبًا في معظم العمليات، وبالتالي تكون المباغتة التي تربك القوات، وتحرج الأجهزة المعنية.
إن القيادة السياسية لا تدخر جهدًا في التعامل مع الإرهاب، وليس أدل على ذلك من إنشاء المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف الذي يترأسه الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويضم مختصصين في الدين، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والاقتصاد، للتعامل مع المشكلة من مختلف زواياها.
لكن ينبغي أن نكون جميعًا على مستوى المسؤولية، وندرك إدراكًا حقيقيًا أن الإرهاب الذي يضرب مصر مدعوم من دول ومنظمات وأجهزة استخبارات لزعزعة استقرارنا الداخلي، وأن مواجهته تحتاج إلى تضافر دولي، ومعاقبة كل مَن يدعمه، ويوفر للإرهابيين ملاذات آمنة، كما قال الرئيس السيسي في كلمة سابقة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما ينبغي علينا أن ندرك أن استهداف الإرهاب في مصر يختلف عن استهدافه في سوريا والعراق، بسبب عدم وجود مواقع محددة للتنظيمات الإرهابية في مصر، على عكس تواجدها المعلوم في هاتين الدولتين. بالإضافة إلى أن الإرهابي في مصر قد يكون شخصًا عاديًا، يعيش بيننا، ويتحدث إلينا، ولا نكتشف حقيقته، إلا بعد تنفيذه عملًا إرهابيًا، كما بالنسبة إلى الإرهابي الذي فجر نفسه في الدرب الأحمر.
ختامًا، نؤكد على نجاح الدولة المصرية نجاحًا كبيرًا في محاصرة الإرهاب، وتقليم أظافره، بدليل انحسار العمليات الإرهابية مؤخرا، وانخفاض وتيرتها، وتراجع ضحاياها.. وكل ما نرجوه أن تنتهي إلى الأبد.
حفظ الله مصر وشعبها.