يوسف أيوب يكتب: طبول الحرب لن تدق في الخليج العربي
السبت، 25 مايو 2019 02:00 م
المنطقة تعيش تفاعلات سياسية ودبلوماسية لن تصل إلى درجة المواجهة العسكرية
هل المنطقة مقبلة على مواجهة عسكرية أمريكية إيرانية؟.. هذا هو السؤال المطروح بقوة فى الأوساط السياسية والعسكرية، خاصة فى ظل الحركة الدءوبة التى تشهدها المنطقة حاليًا، بدخول قطع عسكرية أمريكية للخليج العربى، ومناورات سياسية ودبلوماسية، فضلًا عن تهديدات إيرانية، وهو ما أعطى الانطباع بأن الحرب قادمة، وأن القرار تم اتخاذه.
هذا هو الواقع الآن، وإن كنت أميل إلى جهة أخرى، تؤكد أننا أمام تفاعلات كثيرة تشهدها منطقة الشرق الأوسط، نعم تفاعلات وليست تحركات عسكرية، والفارق كبير بين المعنيين، التفاعلات تشير إلى نشاط ملحوظ، لكنه لن يؤدى إلى الصدام العسكرى المتوقع، وهو ما يمكن أن نستشفه من خلال عدة ظواهر أهمها على الإطلاق أن دول المنطقة ليست فى وضعية المشجع لهذه الحرب، بل التفكير السائد حاليًا هو العمل بكل الطرق السلمية لتطويق إيران، حتى تتخلى عن برنامجها النووى، ومشروعاتها التوسعية فى المنطقة، لكن لا أحد يفكر فى التحرك العسكرى، حتى وإن كانت القيادة فيه للولايات المتحدة، لأن التكلفة لن تكون سهلة، وهنا لا أتحدث عن تكلفة اقتصادية، وإنما تكلفة فى المصالح والأرواح.
بالتأكيد من يتابع الموقف والتحركات والتصريحات سيقول إنه حتى الآن لا توجد رؤية واضحة للمستقبل، فهناك تكهنات بحدوث مواجهة عسكرية، لكن الاحتمال الأكبر كما قلت أننا أمام مناورة يريد كل أطرافها تحقيق مكاسبه الخاصة على حساب دول المنطقة، فإذا نظرنا للجانب الأمريكى سنجد الرئيس دونالد ترامب، يؤكد فى مقابلة تليفزيونية مع قناة «فوكس نيوز»، أنه لن يسمح لإيران بالحصول على أسلحة نووية، لكنه كرر تردده فى خوض الحرب، وقال نصًا: «لن أسمح لإيران بامتلاك أسلحة نووية»، لكنه فى الوقت نفسه واصل تأكيده على معارضته للتدخل العسكرى ، الأمر الذى ميّزه عن منافسيه فى حملة الانتخابات الرئاسية 2016، لكنه أشار إلى أن التطوير النووى الإيرانى سيشكل استثناءً عاجلًا، وقال: «لا أريد القتال، لكن لديك مواقف مثل إيران، لا يمكنك السماح لهم بامتلاك أسلحة نووية - لا يمكنك ترك ذلك يحدث»، مشيرًا إلى تكاليف الحرب، قائلًا: «لست شخصًا يريد الدخول فى الحرب، لأن الحرب تؤذى الاقتصادات، الحرب تقتل الناس، وهو الأهم من ذلك كثيرًا».
الجملة المهمة التى قالها ترامب فى حواره إنه حث الإيرانيين على الجلوس على طاولة المفاوضات، وهو ما تلقته طهران بتفكير قد يقودهم إلى تلبية الدعوة الأمريكية، فقد قال قائد الحرس الثورى الإيرانى حسين سلامى: «إننا لا نسعى وراء الحرب لكننا لا نخشى منها ونحن مستعدون، والفرق بيننا وبين أمريكا يكمن فى خوفهم من الحرب وعدم امتلاكهم الإرادة لذلك»، ومن قبله كانت هناك تصريحات للمرشد الإيرانى على خامنئى، استبعد خلالها إمكانية وقوع حرب عسكرية مع الولايات المتحدة، قائلًا: «المواجهة ليست عسكرية لأنه ليس من المقرر نشوب أى حرب، ونحن لا نسعى للحرب، وهم أيضًا لا يسعون وراءها، لأنهم يعلمون أنها لن تكون فى صالحهم».
وأضاف خامنئى: «يجب ألا يخشى أحد هيبة أمريكا الظاهرية، هذا خطأ فادح، تُسيّر القوى العظمى أعمالها بإثارة الصخب لكن قدرتهم أقل بكثير، يجب عدم الخوف من هيبتهم»، بحسب ما جاء على موقعه الإلكترونى.
إلى هنا انتهت التصريحات الأمريكية الإيرانية، وكلها تقول إنه لا حرب ولا سلام، قد تكون هناك انفراجة مؤقتة، لكنها لن تكون دائمة، خاصة أن هذا هو نهج ترامب، فهو لا يريد أن يُقحم نفسه فى مواجهات عسكرية، ويدير الأزمات الدولية بلُغة التاجر، الذى يخشى الصدام العسكرى، لكنه يفتح الباب لبصيص من الحوار، كما حدث فى ملف كوريا الشمالية، فهو أشعل المنطقة بتصريحات أشبه بإعلان حرب، ثم فاجأ الجميع بفتح حوار مع كوريا الشمالية، لم يصل إلى نتيجة منطقية حتى الآن، لكنه استخدمه لتحقيق مصالح لواشنطن فى منطقة شرق آسيا، وتحديدًا فى الصراع الأمريكى الصينى، وأيضًا تخويف حلفاء واشنطن فى المنطقة من المستقبل، وأتحدث تحديدًا عن كوريا الجنوبية واليابان، بما يسمح لترامب أن يأخذ من البلدين ما يحتاجه بأقل تكلفة ممكنة.
فى الملف النووى الإيرانى، يلعب ترامب بنفس منطق كوريا الشمالية، فهو لا يريد حربًا، لأنه يدرك خطورتها على المنطقة والمصالح الأمريكية بها، لكنه يريد السير إلى نهاية الطريق لاستنزاف القدرات الإيرانية، ودفعها للتسليم بمطالب واشنطن، وله فى ذلك عدة وسائل أهمها من وجهة نظره السلاح الاقتصادى، وسلاح العقوبات، الذى بات أكثر تأثيرًا على دولة تعانى كثيرًا مثل إيران.
فى نفس الوقت يدرك ترامب عبر الرسائل التى وصلته من دول المنطقة، وكذلك موقف أوروبا المتشدد ضد الحرب، أن المواجهة العسكرية ستسبب المشاكل للجميع، حتى لإسرائيل، الحليف الأقرب لواشنطن، فهى فى وضعية لا تسمح لها بزيادة التوتر فى المنطقة، حتى وإن كان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو هو الذى يحمل على عاتقه الدعوة لتوجيه ضربة قوية ضد إيران، لكنه يدرك فى الوقت نفسه أن تأثيرات هذه الضربة ستصل إلى قلب إسرائيل، خاصة أن تشدد الحكومة الإسرائيلية فى التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، يجعلها الدولة المارقة فى الإقليم، والتى لا تتمتع بأى قبول شعبى، وهو ما يجعلها فى مرمى الكثير من التهديدات.
يبقى أمامنا موقف دول الخليج، التى يهمها وقف الجموح الإيرانى، لكنها فى الوقت نفسه لا تريد توترات جديدة بالمنطقة، وبالتالى فإنها تسعى لزيادة الضغوط على طهران، ويدعمها فى ذلك دول كثيرة فى المنطقة، ترى أن طهران عليها أن تراجع حساباتها وسياساتها بالمنطقة، حتى لا تكون سببًا لصراع أكبر من قدرات المنطقة، وأعتقد أن هذه هى الرسالة المهمة التى يجب أن تدركها طهران، لأنه من مصلحتها أن تكون فى وئام وسلام مع دول المنطقة، قبل أن تبحث عن توافق مع واشنطن.