حالة فريدة تشهدها الكرة الأوربية بعد أن سيطرت أربعة أندية انجليزية علي نهائي دوري الابطال والدوري الأوربي، وهو ما حدث مع وصول ليفربول وتوتنهام إلي نهائي دوري الأبطال يوم الاربعاء الماضي، ثم الارسنال وتشيلسي لنهائي بطولة الدوري الأوربي في اليوم التالي
ما حدث فى اليومين الماضيين لم يشهد مثله تاريخ الكرة العالمية بوجود 4 أندية من بلد واحد فى نهائى أكبر بطولتين قاريتين، وهو ما دفع الكثيرين إلي التفكير في كيفية حدوث هذه المعجزة الكروية فى ظل ابتعاد الكرة الإنجليزية عن التألق على مستوى المنتخبات أو الأندية فى السنوات الماضية، قبل الانتفاضة القريبة التى شهدت احتلال الاسود الثلاثة المركز الرابع فى كأس العالم روسيا 2018، وهنا بدا تساؤل يشغل الجميع حول الأسباب التى ساهمت فى هذا الحدث الاستثنائى والمتفرد ؟ .
التاريخ يكشف أن ما حدث من الأندية الإنجليزية لم يكن وليد اللحظة ، وانما كان نتاج جهد وفكر وعمل متواصل بدأ عقب نهاية يورو 2016 بفرنسا، عندما تلقى منتخب إنجلترا واحدة من أقسى الخسائر فى تاريخه أمام منتخب ايسلندا الوليد والذى لا يتعدى عدد سكانها 300 ألف مواطن، بدور المجموعات وودع البطولة وكان أضحكوة العالم أجمع حينذاك، المثير أن ذلك جاء بعد أيام من تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الاوروبي في استفتاء سبب صدمة للعالم " بريكست" ، ليحاكى لاعبو كرة القدم الانجليز التجربة السياسية بخروج أوروبي خاص بهم، وبدا المشجعون الذين كانوا يغادرون الاستاد في نيس يترنحون من هول الصدمة، وقال أحدهم "نحن دولة بها حوالي 60 مليون نسمة وهذا أفضل ما نفعله؟ إنها مزحة !.
ما حدث لمنتخب إنجلترا فى يورو 2016 اعاد إلى الأذهان اخفاقات استمرت 50 عاما للكرة الإنجليزية على مستوى المنتخبات والذى بدوره أثر سلبا على أنديتها التى تهاوى اعرقها وندرت بطولات وألقاب اشهرها على المستوى الأوروبي، وباتت الأندية الإنجليزية منحنية أمام نظيرتها الأسبانية التى سيطرت على بطولات أوروبا فى العقد الأخير.
مقابل ما سبق .. نحن الأن أمام ما اشبه بالعملية 2019 فى انطلاقة ثورة الأندية الإنجليزية على القارة العجوز ورفض الانسحاب من بريكست والبقاء بفوة فى المعترك الأوروبي.. فى حدث سيظل عالقا فى الأذهان ابد الدهر .. إذن ما الذي حدث وحول الأمر من النقيض إلى النقيض؟.
البداية كانت بدأت بعد شهور قليلة من انتكاسة يورو 2016 .. بدأ التدخل الحكومى لانقاذ الكرة الإنجليزية من عثرته، حيث كانت البداية من داخل البيت وتحديدا فى فبراير 2017 ، اذ طالبت الحكومة عدة مرات بتطوير إدارة اتحاد الكرة وإدخال المزيد من الشباب بحيث تكون الإدارة ممثلة لجميع من يمارس الرياضة، مع تشكيل لجنة منتخبة بإدارة الاتحاد الانجليزي لكرة القدم علاوة على مجلس اتحاد الكرة الذي يضم 122 عضوا بينهم 90 عضوا فوق سن الستين.
الأوضاع والتحديث هنا لم يكن عاديا أو اجرائيا فقط ، بل وصل إلى التهديد والوعيد، حيث حذرت وزيرة الرياضة تراسي كراوتش من أن اتحاد كرة القدم يمكن أن يخسر ما بين 30 و 40 مليون جنيه استرليني إن لم يقدم على إدخال تغييرات بهدف تطوير منظومته.
أما الخطوة الثانية فكانت احياء دور الشباب، وهي خطوة متواكبة للتطوير، حيث اسند الاتحاد الانجليزي قيادة المنتخب الأول للمدرب ساوثجيت وأوكله كل الثقة بتوقيع عقد يمتد 4 سنوات كاملة، حتى يكون أمامه الفرصة متاحة لاحداث غربلة وتشكيل فريق جديد، وها هو قا به بالفعل، حيث قام باستبعاد اللاعبين كبار السن بغض النظر عن درجة نجوميتهم أو مستواهم، ووضع ثقته فى اللاعبين الشباب، وكان أول من استبعده المدرب من صفوف الأسود الثلاثة جو هارت حارس المرمى الأول، علاوة علي واين رونى أسطورة مانشستر يونايتد، ووضع ثقته فى جوردان بيكفورد حارس مرمى إيفرتون البالغ من العمر 24 عاماً، وفى الهجوم اعتمد على هارى كين البالغ من العمر 24 عاما، مع تطبيق أفكار جديدة متمثلة فى الاختبارات النفسية للاعبين المختارين ، وكذلك الاستفادة من صداقة اللاعبين التى تمنحهم القوة داخل الملعب .
واستغل ساوثجيت صداقة لينجارد وراشفورد لاعبى مانشستر يونايتد وطلب منهما نشر روح الصداقة والود فى غرفة خلع الملابس وفى التدريبات، لكونه يرى التنافس والعلاقات المتوترة بين اللاعبين كانت أحد الأسباب الرئيسية فى تدمير فرص الأسود الثلاثة فى حصد الألقاب خلال السنوات الماضية، لأن المنتخب الإنجليزى كان دائماً يضم لاعبين على مستوى ممتاز أمثال ديفيد بيكهام وواين رونى ورغم ذلك فإنه لم يتوج بأى لقب دولى سوى مونديال 1966، نظرا لأن لاعبيه كانوا دائماً على خلاف.
وبمرور الوقت جنى الإنجليز ثمار التفوق النسبى للمنتخب فى نتائج الأندية على المستوى الأوروبي، ولم يخجل ساوثجيت من الاستفادة من المدربين الكبار المتواجدين فى البريميرليج، إذ كان يحضر تدريبات السيتى ويطلع على أحدث الوسائل التدريبة للاسباني بيب جوارديولا وتطبيع العلاقات معه ومع غيره من المدربين الآخرين فيما يخص اللاعبين الدوليين حتى تكون أفكارهم واحدة منعا لتشتت اللاعبين بين خطط أنديتهم والمنتخب.
كما اعتمد الإنجليزعلى جماعية الأداء داخل الفريق وعدم الارتكان على النجم الأوحد مثلما يحدث مع الاندية الكبرى فى الدوريات الأخرى مثل برشلونة يظهر مترهلا بدون ميسي، وريال مدريد الذى يعيش أسوأ ايامه فى مرحلة ما بعد رحيل رونالدو، حيث تلاحظ اعتماد الأندية الإنجليزية في نجاحاتها الحالية على النجوم أصحاب الأسماء الكبيرة، وهو ما ظهر مع توتنهام الذي نجح في اسقاط أياكس بدون لاعبه الهداف هاري كين ودون الكوري الجنوبي سون الذي غاب عن الذهاب فى نصف نهائى الابطال ولعب في الإياب فقط، وهو نفس ما حدث مع ليفربول الذى أذاق برشلونة مرارة الريمونتادا القاسية دون نجميه محمد صلاح وروبرتو فيرمينو.