الجريمة عبر الإنترنت (4).. المسئولية الجنائية في المخالفات الإلكترونية
الأربعاء، 08 مايو 2019 07:00 م
لا شك أن اتفاقية بودابست حرص خلالها مجلس أوربا على التصدى للاستخدام غير المشروع للحاسبات وشبكات المعلومات، حيث تجلى ذلك فى اتفاقية بودابست المشار إليها الموقعة فى 23 نوفمبر 2001 المتعلقة بالإجرام الكونى بمعنى الإجرام المعلوماتى أوالجرائم المعلوماتية، إيماناً من الدول الأعضاء فى هذا المجلس والدول الأخرى الموقعة على هذه الاتفاقية.
المذكرة التفسيرية لهذه الاتفاقية تقول: هناك سمة بارزة فى تكنولوجيا المعلومات تتمثل فى الأثر الذى أحدثته ومازالت تحدثه على تطور التكنولوجيا الاتصالات عن بعد، فالتليفون التقليدى الذى كان يقتصر على تبادل الصوت البشرى، قد أصبح الآن يتبادل كميات هائلة من البيانات التى يمكن أن تحتوى على أصوات ونصوص وأنغام موسيقية وصور فوتوغرافية وأفلام سينمائية.
وهذا التبادل لم يعد يحدث فقط بين البشر، ولكنه أصبح يحدث أيضاً بين البشر وأجهزة الحاسب، بل وبين أجهزة الحاسب بعضها البعض، كذلك يكفى أن يتم إدخال البيانات على شبكة معينة من خلال عنوان المرسل إليه حتى تصبح متوافرة لأى شخص يريد الدخول إليها.
«صوت الأمة» يواصل الحديث عن الجريمة عبر التكنولوجيا أو وسائل الإتصال الحديثة من خلال سلسلة «الجريمة عبر الإنترنت» فقد سبق تناول 3 موضوعات سابقين أحدهما بعنوان الجريمة «من الإضرار بالبيانات للتعدي على الأشخاص»، بينما الآخر جاء بعنوان: «هل للجريمة الإلكترونية أركان وما هى المسئولية الجنائية؟»، والثالث بعنوان الجرائم التي تتم باستخدام الحواسب، وآخر التشريعات التي صدرت ضد الجرائم الإلكترونية على مستوى العالم، بينما نستعرض المسئولية الجنائية في الجرائم المرتكبة عبر الانترنت.
مواقع الويب عبر الانترنت
كما أن الاستخدام العام للبريد الإليكترونى ووصول الجمهور لمواقع الويب عبر الإنترنت من أمثلة هذا التطور الذى قلب أوضاع مجتمعنا، كذلك فإن سهولة الوصول إلى المعلومات فى النظم المعلوماتية، مع الإمكانيات اللامحدودة لتبادلها وإرسالها بصرف النظر عن المسافات الجغرافية أدى إلى نمو هائل فى حجم المعلومات المتاحة، والتى يمكن الحصول عليها.
ومن خلال الاتصالات بخدمات الاتصالات والمعلومات يستطيع المستخدمون اصطناع فضاء جديد يسمى «الفضاء المعلوماتى» الذى يستعمل أساساً لأغراض شرعية، ولكن يمكن أن يخضع لسوء الاستخدام، إذ هناك احتمال لاستخدام شبكات الحاسب والمعلومات الإليكترونية فى ارتكاب أعمال إجرامية.
وعلى ذلك يجب على القانون الجنائى أن يحافظ على مواكبته لهذه التطورات التكنولوجية التى تقدم فرصاً واسعة لإساءة استخدام إمكانيات الفضاء المعلوماتى، وأن يعمل على ردع هذه الأفعال الإجرامية، مع تطبيق السلطات القسرية المقررة فى بيئة تكنولوجيا المعلومات، وتتكون هذه الاتفاقية من ثمانى وأربعين مادة يهمنا منها المواد من 1 - 35 فى مجال مكافحة جرائم المعلوماتية وهى تعالج عدة مسائل.
المسئولية الجنائية في الجرائم المرتكبة عبر الانترنت:
إن الوصول للمجرم المعلوماتي أو الإلكتروني يشكل عبء فني وتقني بالغ علي القائمين بأعمال التتبع والتحليل لملابسات الوقائع الإجرامية المختلفة، وقد نصت المادة 12 من معاهدة بودابست لمكافحة جرائم الفضاء المعلوماتي - والتي لم تكن الولايات المتحدة طرفا فيها، وسارعت بالإنضمام إليها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر – تنص علي:
1-سوف يتبنى كل طرف تدابير تشريعية، وأي تدابير أخري لضمان قيام مسئولية الأشخاص المعنوية عن أي جريمة موصوفة في هذه المعاهدة إذا ما ارتكبت لصالح الشخص المعنوي بواسطة شخص طبيعي اقترفها بشكل منفرد أو بوصفه جزء من عضو في الشخص المعنوي علي أساس من:
-تفويض من الشخص المعنوي.
-سلطة اتخاذ قرارات لصالح الشخص المعنوي.
-سلطة لممارسة رقابة أو سيطرة داخل الشخص المعنوي.
2-إلي جانب الحالات الواردة في البند 1 سوف يتخذ كل طرف التدابير اللازمة لضمان قيام مسئولية الشخص المعنوي إذا ما أدي نقص الإشراف أو السيطرة من قبل الشخص الطبيعي المشار إليهفي الفقرة 1 إلي إمكانية ارتكاب جريمة قائمة طبقا لهذه المعاهدة لصالح الشخص المعنوي بواسطة شخص طبيعي اقترفها تحت سيطرته.
3-هذه المسئولية لن تؤثر علي قيام المسئولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين الذين اقترفوا الجريمة
مسئولية مقدمي خدمة الوصول للإنترنت:
تتعدد طرق الوصول إلي الانترنت سواء علي طريق Dial Up , Leased Line, IDSL, ISDN ، إلا إنه في كل الأحوال يجب وجود مقدم خدمة Internet Service Provider ، ولقد أثارت مسألة مقدم الخدمة باعتباره فاعل اصلي في الجريمة الكثير من الجدل ويري اتجاه من الفقهاء عدم مسئوليته تأسيساً علي أن عمله فني وليس في مقدوره مراقبة المحتوي المقدم ولا متابعة تصرفات مستخدم الانترنت، ويري الاتجاه الثاني مسائلته تأسيساً علي أسس المسئولية التوجيهية فإنه يتعين علي مقدم الخدمة منع نشر محتوى صفحات الشبكة المتعارضة مع القوانين والنظم واللوائح او المصلحة العامة.
ويذهب القضاء الفرنسي أن مجرد قيام مستخدم الشبكة ببث رسالة غير مشروعة لا يكفي لقيام مسئولية مقدم خدمة الانترنت، وذلك أخذا في الاعتبار العدد اللانهائي للمشتركين وحجم الرسائل الرهيب المتداول يوميا.
كيفية الحماية من هذه الجرائم:
شبكة المعلومات الدولية الانترنت كانت تتمتع بقدر من الأمان والسرية في تبادل المعلومات، لكن الحال لم يدم طويلاً حيث اتسعت دائرة مستخدمي الانترنت فلم تعد مقتصرة فقط على الباحثين والمنتسبين للجامعات، وأصبحت تضم أجيالاً مختلفة وثقافات متفاوتة، كما أن أساليب الاستخدام تنوعت وتعددت أشكالها، فبين الدردشة وتصفح المواقع الترفيهية والثقافية والمتخصصة بكافة ألوانها وأطيافها، وليس انتهاءً باستخدام الانترنت كوسيلة لترويج المنتجات وتسويقها.
ثم جاء مجرمي الانترنت لانتحال الشخصيات والتغرير بصغار السن بل تعدت جرائمهم إلى التشهير وتشويه سمعة ضحاياهم الذين عادةً ما يكونوا أفراداً أو مؤسسات تجارية ولكن الأغرب من ذلك أنهم يحاولون تشويه سمعة مجتمعات بأكملها خاصة المجتمعات الإسلامية، وهذا ما حد بالعالم لتحرك فقبل عدة شهور وقعت 30 دولة على الاتفاقية الدولية الأولى لمكافحة الإجرام عبر الإنترنت في العاصمة المجرية بودابست، وشملت المعاهدة عدة جوانب من جرائم الإنترنت، بينها الإرهاب وعمليات تزوير بطاقات الائتمان ودعارة الأطفال.
الاتفاقية التي أظهرت مدي القلق العالمي من جرائم الانترنت اصطدمت بتيارين أولهما حكومي طالبت به أجهزة الشرطة وهو الرقابة الصارمة على مستخدمي الانترنت والتيار الثاني رفض المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان، والصناعات المعنية ومزودي خدمات الإنترنت للحد من حرية الأفراد في استخدام الانترنت.