من الأزهر إلى نوتردام… سلامًا
الثلاثاء، 16 أبريل 2019 01:01 م
عزيزتي نوتردام، آلمني مصابك بالأمس، لم ترَ جفوني النوم، ولم تنعم عيناي بالراحة، اصطحبني القلق، وجاورني الأرق، حزني على ما أصابك يفوق الوصف ويتخطى الأسطر، اللسان متلعثم، الصدر ضاق وقد اختلجته مشاعري تجاهك… أجدني وقد استرجعت تاريخي وأيام شبابي، وكيف كنت محورا ومعلما في تاريخ مصر، أتذكر ثورة 1919 وضيافتي للجميع، منبري هذا شاهد على صناعة تاريخ، ومساهم في أحداث غيرت مجرى الحياة في مصر والشرق الأوسط...
لا أذكّركي بفضائلي تفاخرًا يا صديقتي، ولا أعدد مآثري تباهيا، بل اعترافا ببعض ما عندكِ، أذكركي ببهاء ألوانك وطرب أجراسك، وفريديّة معماريتكي، ومحورية وطنيتك، ومركزيّة دوركي، أذكر صمودك في مواجهة صلف التطرف وخطر الانغلاق وفجاعة التقوقع عبر القرون...
تشهد جدرانك على تاريخ ليس فحسب فرنسا بل وأوربا، من تتويج وزواج ملوك وملكات، هنري السادس، نابليون الأول... واحتفالات بتحرير باريس بعد الحرب العالمية الثانية... أذكركي بـرائعة فيكتور هيجو رواية "أحدب نوتردام"...
أراكي فتاة بهيّة، أنيقة، تشعي نورًا يضئ سماء باريس، لجمالكي سحر يأسر القاصي والداني… فأتاكي الزوار أفواجا وأفواجا...
اليوم وبعد أن استطعت أن أقبض على قلمي بأنامل مرتجفة، بعد ليلة عاصفة على الإنسانية كلها، أقول لكي : ما يجمعنا يا عزيزتي هو انتمائنا للإنسانية واستحالتنا إلى أيقونتين للتسامح، وإلى معلمين ثقافيين، وإلى بؤرتين وضّاءتين في زمن كاحل الظلمة، خافت النور، ماديّ بامتياز.
إن صح وإن باعدت بيننا الأميال القياسية ؛ فصحيح أيضًا أننا نتعانق بفضل أشعة نورنا، وسمو رسالتنا، تلتقي أيدينا في سحاب المحبة، وفضاء التسامح ؛ فنشكل معًا مظلة للإنسانية، واقية للجميع من شذوذ الفكر، وشطاحة التوجّه، وانحراف المسار.
إنني على يقين من أنكي ستتجاوزين– كعهدنا بكي– تلك الكبوة، ولسوف تنهضي بقوة متجددة وحيوية دافقة...
انهضي آنيًا... عودي سريعا، وتماثلي للشفاء عاجلا... فالجميع في انتظارك.
عزيزتي نوتردام… دمتي علمًا إنسانيًّا، ومعلمًا ثقافيًّا، وتراثًا حضاريًا، ورمزًا للصمود، وتاريخًا أبيًّا على التجاهل وعصيًّا على الهدم…
عزيزتي نوتردام… سلامًا.
المحب الأزهر