«أنا ومن بعدى الطوفان».. كيف يدفع أردوغان اقتصاد بلاده إلى الجحيم؟
الثلاثاء، 16 أبريل 2019 11:01 ص
يظل المواطن التركي هو الخاسر الأكبر جراء مقامرات أردوغان فى سبيل البقاء فى السلطة، والتى ساهمت، وسوف تساهم فى المستقبل، فى المزيد من الانهيار الاقتصادى فيما يرفع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان شعار" أنا ومن بعدى الطوفان".
فى المرحلة الراهنة،تهيمن حالة من الركود على المشهد الاقتصادى التركى لتمثل حلقة جديدة من مسلسل "الصفعات" التى يتلقاها الرئيس رجب طيب أردوغان، بالتزامن مع العديد من المعطيات الأخرى سواء فى الداخل أو الخارج.
وفق مراقبون فإن حالة الركود الاقتصادى لا تصب فى مجملها فى صالح النظام الحاكم فى أنقرة، بعد الخسارة المدوية لحزب العدالة والتنمية، والذى يتزعمه أردوغان للمدن الكبرى فى الانتخابات المحلية الأخيرة، بالإضافة إلى التوتر الكبير فى العلاقات مع الحلفاء فى الناتو، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، على خلفية إصرار الحكومة التركية على شراء منظومة صواريخ روسية من طراز "إس 400"، فى مخالفة صريحة لقواعد المعسكر الغربى.
بدت ملامح الركود الاقتصادى واضحة فى الأشهر الماضية، وكان أبرزها الزيادة الكبيرة فى مستوى التضخم الاقتصادى، بالإضافة إلى الانهيار الكبير فى قيمة العملة المحلية (الليرة)، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل النظام، فى ظل الفشل الذريع فى احتواء الأزمة الاقتصادية القائمة منذ شهور عدة، دون أى إجراء من شأنه الوصول إلى حل جذرى.
ولعل التعامل الحكومى مع الأوضاع الاقتصادية فى مرحلة ما قبل الانتخابات الأخيرة، والتى تكبد فيها حزب أردوغان خسائرة هائلة، يمثل انعكاسا صريحا لمقامرة أردوغان الاقتصادية فى سبيل الهيمنة الكاملة على مقاليد السلطة فى الداخل التركى، وهو ما بدا واضحا فى تهديداته للبنوك بسبب سماحها باستبدال العملة المحلية بالعملات الأجنبية، وهو الأمر الذى يمثل تهديدا مباشرا للمستثمرين سواء الأتراك أو الأجانب، والذين آثروا الخروج من السوق التركية، وبالتالى يعد بمثابة ضربة مباشرة للاقتصاد التركى فى مرحلة تبدو حساسة للغاية.
يبدو أن التهديدات التى أطلقها أردوغان كانت تهدف إلى احتواء الانهيار الكبير فى قيمة "الليرة"، فى محاولة لإعطاء مؤشرات خادعة للمواطن حول تحسن الأوضاع الاقتصادية فى البلاد، من أجل الحصول على المزيد من الأصوات، والهيمنة على مقاعد الحكم فى مختلف المدن التركية، إلا أن تلك المحاولات لم تؤتى ثمارها فى النهاية، حيث خسر المدن الكبرى والمؤثرة، وعلى رأسها العاصمة أنقرة، بالإضافة إلى اسطنبول، والتى تمثل خسارتها شهادة فشل اقتصادية من قبل المواطن التركى، على اعتبار أن المدينة تمثل العاصمة الاقتصادية للبلاد.
إلا أن التهديدات التركية للبنوك لم تجدى نفعا حتى مع المستثمرين المحليين، حيث قالت تقارير، نشرتها وكالة بلومبرج الاقتصادية فى الأيام الماضية، إن حساب العملات الأجنبية فى البنوك التركية شهد زيادة غير مسبوقة، موضحة أنها زادت بحوالى 3.6 مليار دولار فى الأسبوع الأخير من مارس فقط، لتصل فى مجملها إلى ما يقرب من 210 مليار دولار فى رقم قياسى، ساهم فى مزيد من الانهيار للعملة المحلية.
ولم تتوقف تضحية النظام التركى بالاقتصاد على العملة المحلية، والاستثمار، ولكنه بدا يستهدف المواطن التركى بصورة مباشرة فى الفترة الماضية، عبر ما يسمى بـ"البرنامج الاقتصادى"، والذى أعلنه وزير المالية بيرات البيرق، منذ عدة أيام، حيث شملت الإصلاحات زيادة الضرائب بصورة كبيرة على الطبقة الفقيرة والمتوسطة، فى مقابل تخفيفها عن المؤسسات الكبيرة والمصانع، وهو الأمر الذى ساهم بصورة كبيرة فى ارتفاع معدلات التضخم، بينما كان فى الوقت نفسه بمثابة صفعة جديدة لليرة التركية، والتى شهدت موجة هبوط جديدة بمجرد الإعلان عن الإصلاحات المزعومة.
البرنامج التركى الجديد، والذى أعلنت عنه الحكومة فى أعقاب الانتخابات المحلية، يعد بمثابة عقاب من قبل النظام الحاكم فى أنقرة للمواطن التركى، والذى أحجم عن دعم الحزب الحاكم، خاصة وأن الإصلاحات تستهدف المواطنين والعمال، بالإضافة إلى أصحاب المعاشات، وهو ما أثار انتقادات كبيرة من قبل حزب الشعب الجمهورى المعارض، والذى تمكن من مزاحمة الحزب الحاكم فى مقاعد الحكم بالعديد من المدن فى الانتخابات الأخيرة، حيث اعتبر أن قرار الحكومة بدمج صندوق مكافآت نهاية الخدمة مع صندوق التقاعد يضفى انطباعا سلبيا حول الاقتصاد التركى ويمثل انعكاسا صريحا للأزمة المالية التى تعانيها البلاد.
التضحية بالاقتصاد التركى فى المرحلة الراهنة، لحساب المصالح الضيقة النظام الحاكم فى أنقرة، لا تقتصر على الداخل التركى، وإنما تمتد كذلك إلى المستوى الدولى، حيث يسعى أردوغان إلى تحقيق حلم الهيمنة والنفوذ على حساب مصلحة مواطنى بلاده، وهو ما يبدو واضحا فى مواقف عدة، وعلى رأسها التعنت التركى فى الإفراج عن القس الأمريكى المحتجز أندرو روبنسون، والذى اتهمته أنقرة بتهديد الأمن القومى، أدت إلى وضع تركيا تحت طائلة العقوبات فى البداية قبل أن يتراجع أردوغان ويقرر الإفراج عنه لاحقا، مما ساهم بصورة كبيرة فى تفاقم الأوضاع الاقتصادية فى الأشهر الماضية.
الموقف التركى يتكرر بصورة واضحة فى المرحلة الراهنة، مع إصرار أنقرة على شراء منظومة الدفاع الروسية "إس 400"، وهو الأمر الذى ترفضه واشنطن، حيث حذر نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس أنقرة صراحة من جراء الإقدام على مثل هذه الخطوة، التى تراها واشنطن انتهاكا صريحا لقواعد حلف الناتو، وهو الأمر الذى يدفع نحو موجة جديدة من العقوبات، التى قد تستهدف الاقتصاد التركى المنهار أساسا، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا على فشل النظام التركى فى إدراك دروس الماضى القريب، والإصرار على الدوران فى نفس الفلك من أجل تحقيق طموحاته التوسعية، ليس فقط على حساب القوى المنافسة له، ولكن أيضا على جثة المواطن.