إصلاح وإخوان ومؤتمر وبرلمان؟!
الأربعاء، 10 أبريل 2019 05:40 م
كُلَّمَا كتبتُ منشوراً في تويتر تنبري للهجوم عليَّ مجموعات من ذُبَاب قطر تُداري نفسها بالمُحارشة وغطاء الشرعية، ولأنها بدون منطق ولا حُجج تنتقد موقفي بعبارة موحدة ومُعممة وكأنّها جوقة غبية تُردد مقطعاً بعد مُنشد متعصب سخيف: "سبحان من رجعك للكتابة، وين كنت غائب منذ انقلاب الحوثي؟". مع أني أستخدم تويتر من شهرين فقط، ولم أنقطع عن الكتابة منذ بداية الحرب.
الطريف في الأمر أنّهم يتوهمون أنني أكتب لصالح دولة لا تروق لهم ثمُ يستهلون هجومهم عليّ بالتسبيح لها لأنّها أغرتني بالكتابة.. وأخشى إذا ما تعقّد خلافهم معها أن يتطور تسبيحهم إلى صلاة بركوعها وسجودها.
وللإيضاح: كنتُ لعام ونصف من الحرب في قريتي بمحافظة تعز، وكتبتُ العديد من المقالات المُحذِّرة من تطويل أمدها وتحويلها لتصفية حسابات، بسبب عدم وضوح رؤية أحد الأحزاب وتخبطه في المواقف بين السعودية وخصومها.
ومن عجائب الحرب أنَّ هذه المحاكمة يطرحها الطُفيليون الذين تحولوا إلى عناترة بعدما تَرَكُوا اليمن خلف ظهورهم وأستحسنوا العيش في الرياض والقاهرة واسطنبول فصاروا يوجهون لي أصابع اللوم بوقاحة وقلة حياء مع أني آثرت البقاء في بلدي ومدينتي. وحتى عندما غادرت تعز مُكرهاً لعام وبضعة أشهر، فإلى صنعاء ثُم عُدت إليها بعد استشهاد صالح.
ومن المُفارقات المُخجلة أنّ بعضهم قبل أربع سنوات اتهموني بأني وراء منشورات وزعتها جماعة أنصار الشريعة في تعز (اسم الدلع لتنظيم القاعدة) عندما كتبتُ مُحذراً من وجودها في حوض الأشراف وسوق الصميل وبعض أحياء تعز، وقيامها بتوزيع نشرة باسم "فجر الإسلام" داخل المدينة على مرأى ومسمع ممن جلبتهم الأحداث لقيادة المقاومة. وتواصلت مع أحدهم كان من أصدقائي مُحذِّراً إياه وناصحاً من تفشي وتنامي التنظيمات الإرهابية في المدينة، فجابهني بالقول: ”مش وقت الحديث عنهم الآن طالما ونحن نحارب الحوثي وصالح".
وشاءت الأقدار أن يتحولوا 180 درجة بعد طرد قطر من التحالف. وصاروا يطالبون بإجلاء نصف المدينة من سُكانها بذريعة أنّهم من الإرهابيين الدواعش مع أنّ غالبية سكان تلك المناطق المُستهدفة مؤتمريون واجهوا الحوثي تحت قيادة الشيخ السلفي "أبو العباس". والأخير انقلب بنظرهم من ملاك رحيم إلى شيطان رجيم لأنّه لم يسر في ركابهم.
في أغسطس 2016 انتقلتُ إلى العاصمة بعد أن أبلغني الزميل العزيز علي الشاطر بأنّ الرئيس السابق ينصحني بذلك طالما فضلتُ البقاء في اليمن. وأستحسنتُ الفكرة لكني لم أقابله سوى في نهاية مارس 2017 بعد أن شكا له متحوثون في المؤتمر رفضي الاستجابة لطلبات السادة الجدد بإصدار الجمهورية من صنعاء. وعندما سألني عن السبب.. أجبته "أنا معك ضد الحوثيين، ولست معهم"، تهلل وجهه بابتسامة، وقال: "بس هم معاهم زلط".. رديت عليه: "الزلط مع أصحابنا اللي تركوك وراحوا السعودية".. فنقل الحديث للسؤال عن قيادات ونُخب تعز.. ولماذا لم يعودوا إليها للمساهمة بإخراجها من الكارثة التي حلّت بها.. وذكر بالاسم سلطان البركاني ورشاد العليمي وحمود الصوفي.. فخمنت أنّه طرح السؤال وهو أعلم بالإجابة.. لأنّهم كانوا من أخلص مقربيه. غير أنّي حكيتُ له عن موقف أحدهم أعرفه منذ طفولتي وكيف أنّ زميلي الصحافي والقانوني "سيد علي" كان يُحدثني من جواره في القاهرة وبمجرد أن أعطاه الهاتف.. بادرني مُعاتباً: "مشكلتك أنَّك تركت صالح واستقلت في 2011".
وعلَّق صالح مع ضحكة من القلب: "قدك جنبي هانا.. وهو الآن ما بيفعل"!!
وانتهى اللقاء بتشجيعه لي على قراري مع وعدٍ منه بحمايتي.. ولي عودة للحديث عن مواقف جمعتني به طيلة عملي في الثقافية والجمهورية لأكثر من عقدين، يرحمه الله.
والحق أنّ تعز دخلت في أُتون فوضى عارمة منذُ عام 2011 تسببت في تواري أصوات العقلاء وتعالي أصوات المدافع والقذائف، كما أشار إلى هذا المعنى محافظها الأسبق "حمود الصوفي" في حواره مع قناة السعيدة قبل أسبوع..
فقد التقى منها وفيها الفُرَقاء المتشاكسون بخلافاتهم وأحقادهم البينية على هدف مواجهة النظام الحاكم وإسقاط رئيسه وأضاعوا من بعده البوصلة.
وعندما انتهت السكرة بتوقيع المبادرة الخليجية التي عارضتها إمارة قطر لمخالفتها للأجندة التي اشتغلت عليها في الساحات عمدت عبر "حزب الله" لدعم فصيل أطلق على نفسه "جبهة إنقاذ الثورة" وغالبهم من الحوثيين وبعض الاشتراكيين مع لفيف من المُستقلين وقليل من الإصلاحيين، ليصبحوا لاحقاً خنجراً في خاصرة دولة هادي وحكومة باسندوة.. وفِي الوقت الذي تنفست فيها المدينة الصُعداء كُنا نُشاهد مظاهرات دورية تجوب شوارعها بصدور عارية، ثُم استقلوا عن ساحة الحرية التي هيمن عليها الإصلاح بأخرى في شارع جمال دأبوا على إقامة صلاة الجُمعة فيها حتى دخل الحوثيون صنعاء زاعمين أنّهم أنقذوا ثورة فبراير بعد أنْ أوشكت على الضياع.
وعلى هذا، فإذا كان مسعى المملكة السعودية لالتئام البرلمان بعد أربع سنوات من اختطافه يُنبئ بمصالحة بين الحزبين الأكبر تبدأ من كُتلتيهما في المجلس، فإنّ توافقهما على اختيار "سُلْطَان البركاني" رئيساً له -في أعقاب التسريبات عن خلافه مع هادي حول ضرورة إلغاء العقوبات على "أحمد علي"- من المتوقع أن تمنحه دوراً لتسوية قادمة في تعز باعتباره قادراً على التفاهم مع مختلف القوى ومراكز الثقل فيها.
كما أحسبُ أنّ الرئيس هادي يظنُ أنّ نجاح تسويات البرلمان والتقارب بين الحزبين سيمنحه وقتاً مُستقطعاً، مع أنّ السعودية قد قرفت مما آل إليه حال اليمن في السنوات السبع العجاف.. وتحرير البرلمان هو البداية للتصحيح قد يتبعه تعديل أو تغيير حكومي.. يليه مُصالحة شاملة تنسجم مع تطلعات القوى الوطنية الموجودة على الأرض، وتراعي خصوصية القضية الجنوبية وتضحيات أبنائها في عملية التحرير، على أن تتوافق مع ما شهدته المملكة من طفرات حداثوية منذ تولي الأمير الشاب "محمد بن سلمان" ولاية العهد .