- من يراجع سياسة تركيا منذ تفرد الديكتاتور سيجد خطا مستقيما وسريعا نحو الانهيار
الغرور والتدخلات الخارجية وانهيار الليرة، ثلاثة أسباب رئيسية أدت إلى خسارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الانتخابات البلدية الأخيرة فى أكبر ثلاث ولايات أنقرة العاصمة واسطنبول العاصمة الثقافية وأزمير، رغم أن أردوغان قاد ملف الانتخابات بنفسه وخطب فى الجماهير 100 مرة وسط المدن التركية، «الأحد الأسود».. هكذا وصف محللون اليوم الذى أعلنت فيه نتيجة الانتخابات بالنسبة لأردوغان ، فقد كان بمثابة اليوم الأسوأ فی حياته، بعدما صدمته أرقام نتائج الانتخابات البلدية فی تركيا، بخسارة حزبه العدالة والتنمية المدن الكبرى فی البلاد، وباتت أنقرة واسطنبول وازمير فی يد المعارضة بعد عقدين من الزمان كانت السيطرة دائما فيها للحزب الحاكم.
وتمثل هزيمة حزب العدالة والتنمية ذى الميول الإخوانية فى تلك المدن، حيث اسطنبول العاصمة الاقتصادية التی يسكنها أكثر من 20 مليون نسمة، والعاصمة أنقرة، بالإضافة إلى الخسارة فی أزمير ضربة موجعة للحزب الحاكم الذی يتزعمه أردوغان، هو ما يؤكد حجم الإخفاقات التی وقع فيها الرئيس التركی وحزبه اقتصادية كانت أو سياسية، فی حين عكست صعود المعارضة المتمثلة فی حزب الشعب الجمهوری كبديل سياسی يدعم فكرة الإطاحة بأردوغان من على رأس السلطة.
ولم تقف الحملة القمعية الشديدة التی تعرضت لها المعارضة التركية فی عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، والتی بدأت بتسريح العاملين فی المؤسسات الحكومية ووصلت إلى حد الاعتقالات والاغتيالات اليومية، حائلًا أمام قدرة المعارضة على تحقيق فوز بالانتخابات الأخيرة، بل بالعكس دفعت المواطنين أكثر إلى التعبير عن استيائها من سياسات الرئيس التركي، ورفضها للواقع الاقتصادی الصعب الذی يعيش فيه الأتراك بعد خسارة عملتهم المحلية نحو 40% من قيمتها العام الماضي.
وبالنسبة لأزمة الليرة التركية التى تعرضت لضربات موجعة حتى أن التجار بدأوا يتعاملون باليورو والدولار بعد هبوطها المتزايد، رأى خبراء اقتصاد أن سياسات أردوغان زادت الطين بلة، ففی الوقت الذی كان الخبراء ينصحون أردوغان باحترام الاستقلالية النقدية للبنك المركزي، أصر «السلطان» على معارضته لزيادة أسعار الفائدة، وهو ما زاد من التضخم، وفی وقت لاحق، اضطر أردوغان إلى التراجع عن هذا المبدأ لكن بعدما اندحرت الليرة إلى مستويات دنيا، وحتى قبل الانتخابات، شهدت الليرة التركية تراجعًا فی الأسبوع الذی سبق الانتخابات وهو تكرار لأزمة العملة العام الماضي، حين وصل حجم التراجع إلى 2.5 % مقابل الدولار قبل أن تستعيد خسائرها فی وقت لاحق، خاصة أن أردوغان الذی بنى سمعته على المعجزة الاقتصادية التی يقول إنه حققها، وخصوصا فی اسطنبول، أصبح الاقتصاد هو الفخ الذی يؤدی إلى الهزيمة مع بلوغ التضخم نسبة 20 % ممن أدى لأضرار شديدة بالقدرة الشرائية للأتراك.
فيما قال «إمری أردوغان» أستاذ العلوم السياسية فی جامعة بيلجی فی اسطنبول، أن هزيمة حزب أردوغان الحاكم يمكن أن تقوض أسطورة الرئيس الذی لا يقهر، نظرا لأنه ألقى بكل ثقله فی المعركة.
وتحتل العاصمة أنقرة، واسطنبول، القلب الاقتصادی والديموغرافی لتركيا، أهمية خاصة وتركزت الأنظار على المدينتين التی يهيمن عليهما الإسلاميون منذ حوالی ربع قرن.
ويقول المحلل السياسى اللبنانى سمير عطا إن أسباب هزيمة أردوغان أنه تحول فى السنوات الأخيرة من سياسى رجل دولة إلى شعبوی يبحث عن تصفيق الجماهير، تتساقط الأشياء من حوله، ليس فقط النقد والليرة، بل كل ما يقع فی طريق الغرور والصلف.
ويضيف عطا الله أن من يراجع سياسة تركيا منذ تفرد أردوغان، سوف يجد خطا مستقيما وسريعا نحو الانهيار، وسوف يجد رجلاً يتلذذ بالأقوال الكبرى والسياسات القصيرة النظر، مشيرا إلى أن الشعب التركی رفع فی وجه رئيسه بطاقة الإنذار الصفراء.
فيما أكد الإعلامى التركی المقيم بلندن تورجوت أوغلو، إن أهم شىء حدث فی الانتخابات البلدية التی شهدتها تركيا مؤخرًا، أنه أول مرة بعد 26 عاما خرجت مدينتا اسطنبول وأنقرة من أيدی الرئيس التركی رجب طيب أردوغان ليفوز بها المعارضة، حيث عبر الشعب التركی الحدود النفسية ضد حزب العدالة والتنمية وزعيمه.
وأكد أن الأمر الثانی المهم هو أن الشعب التركی تقريبًا لم يدعم أی أحد من مرشحی المعارضة فی اسطنبول من قبل، إلا فی عهد تورغوت أوزال بتسعينات القرن الماضي، على خلاف ما حدث مؤخرًا بالانتخابات الراهنة التی جاءت بأكرم إمام أوغلو رئيسا جديدا للبلدية، وهو شخصية محترمة جدا، واصفا إياه بالزعيم الجديد، الذی قد يرشح نفسه فی الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد أربع سنوات.
وأضاف أن ما ساعد المعارضة التركية فی الفوز ببلديتی اسطنبول وأنقرة، هو تصويت أنصار حزب الشعوب الديمقراطی (الأكراد) لحزب الشعب الجمهوري، وهذا معناه أن الأكراد مؤثرون جدًا فی هذه الانتخابات ككتلة تصويتية، مشيرا أن أهم ما خرج من حقائق فی هذه الانتخابات، هو تزوير الأصوات بنسبة لا تقل عن 7 %.
وجاءت نتائج الانتخابات التركية المحلية بفوز التحالف الحاكم الذی شكّله حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية، بنسبة 51.74 % من أصوات الناخبين، مقابل 37.64 % لـ«تحالف الأمة» الذی يضم حزب الشعب الجمهوری والحزب الجيد، لكن يشكك أوغلو فی هذه النتائج، مؤكدًا أن التزوير اللافت بنسبة 7 %، يشير إلى حصول حزب العدالة والتنمية من 36 % إلى 37 % من الأصوات على أقصى تقدير.
وفيما يخص تأثير هذه النتائج على مستقبل تركيا، فإن أوغلو يؤكد أنها تمثل قلقا كبيرا لأردوغان، خاصة أن لها تأثيرا على أنصار حزب العدالة والتنمية نفسه، وأنصار حزب الشعب الجمهوری المعارض، مؤكدًا أنها تمثل خسارة كبيرة على مستوى حكم أردوغان فی تركيا، فضلًا عن ذلك فإنها ستعمق الأزمة الاقتصادية التی تشهدها البلاد منذ فترة على خلفية انخفاض قيمة العملة الليرة التركية إلى مستوى قياسي، مضيفًا أن الرئيس التركی يحاول الخروج من الأزمات المتتالية التی تشهدها البلاد والتی تعمقت بخسارة حزبه فی البلديات الكبرى.
لكن أردوغان ما زال يتحكم تماما فی حزب العدالة والتنمية بحسب أوغلو، حيث يعتبر أقوى شخص فی الحزب، وعلى الرغم من ذلك إلا أن أعضاء الحزب أغلبهم لا يؤيدونه، مؤكدًا أن أكثر من 50 % من أنصار الحزب لا يحبون أردوغان، بل يستفيدون منه، والدليل أن 25 مليون نسمة يأخذون مساعدات من حكومة أردوغان لتأييد الحزب الحاكم.
وعن كيفية قياس فوز المعارضة التركية فی البلديات الكبرى، بالانتخابات ككل وبالأخص فی المدن التی فاز فيها حزب أردوغان، قال أوغلو إن ما نستخلصه من المعركة الانتخابية هى خسارة للحزب الحاكم بمعنى الكلمة، حيث جاء فوز المعارضة فی أنقرة واسطنبول والمدن الكبرى فی ظل عدم شفافية كاملة حيث إن 95 % من الإعلام التركی تابع للحكومة، والتزوير واضح فی الانتخابات، مع دعم الائتلاف الحاكم المكون من حزب القومية والاتحاد الكبير.
الخلاصة وفقًا لأوغلو أن تركيا تبدأ تاريخا جديدا فی شكلها السياسي، مؤكدًا أن حزب الشعب الجمهوری لا يزال ينتظر وقت لذلك، ولكن ما أظهرته الانتخابات أن الشعب التركی سيتعرف أكثر على رجل جديد هو أكرم إمام أوغلو الفائز ببلدية اسطنبول، والذی ربما يكون رئيس تركيا بعد أربع سنوات.
فيما توقع الكاتب التركى عبد القادر سلفی فی مقال بصحيفة «حرييت» اليومية أن يقوم أردوغان بعمل انقلاب شامل داخل حزب العدالة والتنمية وتغيير قيادات كبيرة ، مثلما حدث مع حزب الرفاة من قبل بعد تعرضه لخسارة كبيرة.