السيسي وترامب.. كيف نقرأ مسار العلاقات الأمريكية قبل قمة 9 أبريل؟
الأحد، 07 أبريل 2019 10:00 صيوسف أيوب
البيت الأبيض يستضيف «القمة» الثانية خلال عامين.. وواشنطن حريصة على ترسيخ العلاقات الاستراتيجية
القاهرة تستضيف جولة الحوار الاستراتيجى بين البلدين.. تحركات متسارعة لتعزيز التعاون الاقتصادى وزيادة الاستثمارات الأمريكية
رسالة مصر: الحفاظ على سيادة الدول ووحدتها الداخلية يضمن إقليما مستقرا وسلاحا قويا فى وجه الإرهاب
يوم الثلاثاء المقبل، يستضيف البيت الأبيض «القمة المصرية الأمريكية»، والتى تحمل فى ثناياها الكثير من التفاصيل المرتبطة بالعلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية الملتهبة والساخنة.
رسائل مهمة تحملها الدعوة التى وجهها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للرئيس السيسى من أجل زيارة واشنطن للمرة الثانية خلال عامين
جميع المؤشرات التى لدينا تؤكد أن هذه الزيارة ليست عادية، بل ستحمل فى طياتها تحولا جوهريا فى مسار العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة فى جميع المجالات، فبعد استعادة مصر دورها الإقليمى فى الظهيرين الأفريقى والعربى، أصبح من الضرورى لجميع القوى الدولية أن تضع التعاون والتنسيق مع مصر أولوية قصوى قبل التحرك فى الإقليم، فمصر لم تعد مفاوضا ذكيا فقط، بل لاعبا أساسيا لديه ما يكفى من الأوراق لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمى، فعقيدة مصر الإقليمية التى أعلنتها من البداية مفادها كالتالى:
«الحفاظ على سيادة الدول ووحدتها الداخلية يضمن إقليما مستقرا وسلاحا قويا فى وجه الإرهاب».
وبعد نحو خمسة أعوام من تأكيد الرئيس السيسى هذا المبدأ أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى «نيويورك 2015»، نجد أن جميع الأطراف الدولية ترسم خرائط الخروج من الأزمات، عبر بوابة هذا المبدأ: «سيادة الدول ووحدتها الداخلية أمام مخططات التقسيم هى وثيقة التأمين التى لا غنى عنها لشرق أوسط مستقر».
إدارة ترامب صححت مسار واشنطن تجاه القاهرة
القراءة السريعة لمواقف واشنطن تجاه القاهرة، سيجد أنها أخذت منعطفا جديدا بعد وصول ترامب للبيت الأبيض، على خلاف نهج الإدارة السابقة لباراك أوباما، والتى كانت تأمل فى أن يستمر الإخوان فى حكم مصر، ليكونوا أكثر دعما لخطط أوباما فى المنطقة، لذلك وقفت «واشنطن أوباما» موقفا مخزيا تجاه ثورة 30 يونيو، لكن مع وصول ترامب تبدلت الصورة، وبدت «واشنطن ترامب» أكثر إدراكا لأهمية مصر، وزاد من ذلك التقارب الذى بدا بين ترامب والرئيس السيسى، منذ لقائهما الأول فى نيويورك 22 سبتمبر 2016، قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهو اللقاء الذى خرج بعده ترامب ليؤكد لقناة «فوكس بيزنس»، «أن اللقاء مع السيسى كان مثمرا، فهو رجل رائع، وأرى أن اللقاء والحديث الذى دار بيننا كان عظيما، فقد استمر اللقاء لوقت طويل، وكانت ثمة كيمياء وانسجام بيننا، وكلانا يعلم أنه حينما تكون هناك كيمياء بين الأشخاص فسرعان ما تنتابهم مشاعر جيدة إزاء بعضهم البعض ويحدث توافق وانسجام بينهم».
وسبقت هذا اللقاء تصريحات من ترامب كانت تثنى على ثورة 30 يونيو وموقف الرئيس السيسى، وقال: «لقد تمكن السيسى من السيطرة على الوضع والإمساك بزمام الأمور حقا»، كما أعلن دعمه الشديد للرئيس السيسى «فى الحرب التى تخوضها مصر ضد الإرهاب»، واسترسل فى حديثه عن طبيعة «العلاقات الأمريكية- المصرية» حال فوزه بالرئاسة، مؤكداً أنه حال فوزه ستصبح الولايات المتحدة صديقا وفيا، وليست مجرد حليف يمكن لمصر الاعتماد عليه فى الأيام والسنوات المقبلة.
الرئاسة المصرية حددت ملامح العلاقات الثنائية فى أعقاب فوز ترامب
كل هذه الأمور زادت من التقارب المصرى الأمريكى، وربما من المهم هنا أن نستعيد أجزاء من البيان الرئاسى الذى أصدرته مصر فى 20 يناير 2017، يوم تولى ترامب رئاسة أمريكا رسميا، فقد أكدت الرئاسة حينها أن «مصر تتطلع إلى أن تشهد فترة رئاسة الرئيس ترامب انطلاقة جديدة لمسار العلاقات المصرية الأمريكية، تعود على الشعبين المصرى والأمريكى بالمصلحة والمنفعة المشتركة، ويسودها التعاون والتشاور المثمر حول مختلف القضايا الإقليمية، من أجل تحقيق الاستقرار والسلام والتنمية فى منطقة الشرق الأوسط المتخمة بالتحديات».
هذا البيان حدد ملامح «العلاقات المصرية الأمريكية»، والتى بدأت تأخذ طريقها إلى التطبيق على أرض الواقع، خاصة مع إيمان القاهرة أيضا بأهمية العلاقات الاستراتيجية التى تربط مصر بالولايات المتحدة منذ عقود، ونجاح تلك العلاقات فى اجتياز العديد من التحديات خلال السنوات القليلة الماضية، بما يؤكد عمق تلك العلاقات وثباتها واستقرارها، وتطلع القاهرة إلى تعزيز التعاون والتنسيق المشترك، لا سيما فى ضوء وجود تحديات مشتركة تتطلب تكثيف التعاون للتعامل معها.
ويتسق التوجه المصرى مع ما يأتينا من واشنطن، والذى يسير فى اتجاه واحد، وهو أن الإدارة الأمريكية تنظر إلى مصر باعتبارها نموذجا للاعتدال ومفتاح السلام والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط وقارة أفريقيا، وشريكا مهما فى مواجهة التحديات بتلك المنطقة، خاصة عقب استعادة مصر لدورها المحورى على الساحتين الإقليمية والدولية، وإسهاماتها الفاعلة فى تسوية الأزمات الإقليمية وجهود حفظ السلام على المستوى العالمى.
كل من الولايات المتحدة الأمريكية ومصر لديه مصالح ثابتة ومستقرة وعلاقات وثيقة على الأصعدة كافة، وهناك توافق فى كثير من المواقف بين البلدين، كما يوجد تباين أيضا فى وجهات النظر تجاه قضايا أخرى، وهذا أمر طبيعى فى معظم الشراكات، فعلى سبيل المثال مصر- مثل العديد من دول المنطقة، ومثل الولايات المتحدة نفسها- تواجه مجموعة معقدة من التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية، قد تتم مواجهتها بطريقة تحتمل الصواب والخطأ، لكن المؤكد أن مفتاح نجاح العلاقات الأمريكية المصرية هو الحفاظ على الاحترام المتبادل.
علاقات قديمة تعزز الأهمية الإستراتيجية
كما أن المفتاح الأساسى، هو تبنى القيادة المصرية فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى توجها جديدا فى السياسة الخارجية المصرية، بإيلاء أهمية كبيرة للتوازن فى علاقات مصر الدولية، من خلال نظرة استراتيجية للولايات المتحدة تقوم على المصالح المتبادلة والمشتركة، والتأكيد على التزام مصر بشراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وحرصها على تنميتها وتعزيزها فى مختلف المجالات، استنادا للأهمية الاستراتيجية المتبادلة بين البلدين، حيث تربطهما علاقات قديمة تتميز بخصوصية شديدة تنبع من حجم المصالح المشتركة والتشابكات المختلفة التى تربط بينهما منذ القرن الـ19.
وشهدت السنوات الثلاث الماضية العديد من لقاءات القمة، بين الرئيسين السيسى وترامب، على هامش مشاركتهما فى فعاليات واجتماعات دولية، لكن لقاءات البيت الأبيض لها طابع خاص، حيث كان اللقاء الأول فى الأول من أبريل 2017، حينما زار الرئيس السيسى واشنطن، استقبله خلالها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى البيت الابيض، وبحث الجانبان عددا كبيرا من الملفات الثنائية والإقليمية بما فى ذلك محاربة تنظيم «داعش» الإرهابى ودعم السلام والاستقرار فى المنطقة ومحاربة الإرهاب، بالإضافة إلى سبل تعزيز العلاقات الثنائية على كل المستويات، خاصة الاقتصادية والعسكرية والأمنية والسياسية، كما شهدت المباحثات حينها استعراضا شاملا للأوضاع فى المنطقة، وعلى رأسها الأزمات فى كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا، وسبل إنهاء معاناة شعوب هذه الدول الشقيقة.
وخلال هذه الزيارة أجرى الرئيس السيسى مجموعة من اللقاءات المهمة، استهلها بعقد لقاء مع رئيس البنك الدولى جيم يونج كين، كما التقى وزير الخارجية الأمريكى حينها ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتياس ونخبة من أعضاء الكونجرس بغرفتيه وكبار السياسيين والباحثين من أكبر مراكز صنع القرار الأمريكية، كما عقد مائدة مستديرة مع رؤساء كبرى الشركات الأمريكية، سواء التى تعمل بالفعل فى مصر أو التى توجد نية لاجتذابها للاستثمار فى المشروعات الجديدة، ولا سيما القومية الكبرى خلال الفترة المقبلة.
الحوار الاستراتيجى المصرى الأمريكى
«الحوار الاستراتيجى المصرى الأمريكى» هو إحدى علامات تطور العلاقات بين البلدين، ومن المقرر عقد الجلسة المقبلة للحوار بالقاهرة، وجار حاليا الاتفاق على الموعد، وهو من الآليات المهمة فى تسيير العلاقات المصرية الأمريكية برئاسة وزيرى الخارجية وتشارك فيها- من الجانبين- قطاعات فنية فى المجالات الاقتصادية والتعليمية والثقافية وتتناول تقييم المشروعات التى يتم إنجازها، ومجمل العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية، وبالتالى فهو الإطار العام الذى يتضمن كل أجهزة الدولتين، وتقييم مدى الإنجاز الذى تم، والتداول والتشاور بالنسبة للقضايا الإقليمية التى يتم التعامل معها من قبل الدولتين.
ومن نتائج التطور الإيجابى فى العلاقات المصرية الأمريكية، صدور قرار وزارة الخارجية الأمريكية فى 17 أغسطس 2018، برفع القيود عن معونة عسكرية لمصر كانت قد جمدتها بقيمة 195 مليون دولار، وهو ما يعد تصحيحا لقرار خاطئ كان متخذا من قبل الإدارة الأمريكية.
ويعود تاريخ المساعدات الأمريكية لمصر إلى اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979، وتعد واشنطن أكبر الدول المانحة لمصر، وتقدر المعونات العسكرية التى تحصل عليها مصر من واشنطن بنحو مليار و300 مليون دولار سنويا، باستثناء عامى 1981 و1982 اللذين حصلت فيهما مصر على نحو 550 و900 مليون دولار على التوالى.
مصر عازمة على مواصلة جهودها لمكافحة الإرهاب والتطرف واجتثاثه من جذوره
مكافحة الإرهاب، من أهم الملفات الثنائية، خاصة مع تقدير الجميع أن هذا الخطر بات يهدد الاستقرار العالمى، فالقيادة المصرية تؤكد أن مصر عازمة على مواصلة جهودها لمكافحة الإرهاب والتطرف واجتثاثه من جذوره، وأن تحقيق السلام فى الشرق الأوسط سيقضى على إحدى أهم الذرائع التى تستند إليها التنظيمات الإرهابية لتبرير أفعالها، مع المطالبة بتعزيز التعاون الدولى فى مجال مكافحة الإرهاب والقضاء على مصادر تمويل وتسليح التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن التعاون للحيلولة دون استخدام الإرهابيين للإنترنت وأدوات التواصل الاجتماعى لنشر أفكارهم وجذب عناصر جديدة وتحديث الخطاب الدينى.
الرؤية المصرية فى هذا الملف تحديدا تقوم على فكر مغاير يعتمد أساسا على أن مواجهة الإرهاب يجب ألا تقتصر على الجانبين العسكرى والأمنى فحسب، ولكن تمتد لتشمل الأبعاد التنموية، والثقافية بما تتضمنه من تجديد الخطاب الدينى والارتقاء بجودة التعليم، وهنا تلتقى الرؤيتان المصرية والأمريكية، فالرئيس ترامب فى كل مناسبة يخرج مُبديا تقديره لما تحملته مصر من صعاب خلال حربها ضد الإرهاب، مؤكدا حرص إدارته على تقديم الدعم والمساندة اللازمة لمصر فى جميع المجالات.
تحركات متسارعة لتعزيز العلاقات الاقتصادية وزيادة التدفقات الاستثمارية الأمريكية
الملف الاقتصادى يأخذ حيزا مهما فى العلاقة بين القاهرة وواشنطن، فهناك تحركات متسارعة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية وزيادة حجم التدفقات الاستثمارية الأمريكية فى مصر على ضوء برنامج الإصلاحات الاقتصادية التى تنفذه مصر، والذى يستهدف القضاء على المشاكل الهيكلية التى عانى منها الاقتصاد المصرى لعقود، فضلاً عن التعديلات التشريعية والإجرائية التى تستهدف توفير البيئة المواتية للاستثمار وعزم مصر على الاستمرار فى تنفيذ المزيد من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق التنمية الشاملة.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر شريك اقتصادى لمصر منذ أواخر حقبة السبعينيات، وتحتل مصر المرتبة الـ52 فى قائمة أهم شركاء الولايات المتحدة التجاريين، ووفقا للأرقام المعلنة فقد بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر وأمريكا 8 مليارات دولار، موزعة بين 6 مليارات دولار صادرات أمريكية لمصر، ومليارى دولار صادرات مصرية لأمريكا، ووفقا لتصريح سابق للدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، فإن مصر كانت المُستقبِل الأكبر للاستثمارات الأمريكية المباشرة فى أفريقيا بنسبة 38% من الاستثمارات الأمريكية المباشرة فى القارة فى عام 2016، كما احتلت المرتبة الثانية بين الدول الأكثر استقبالا لتلك الاستثمارات فى الشرق الأوسط، ما يعكس متانة العلاقات بين البلدين، لافتا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تأتى ضمن أكبر عشر دول أجنبية لها استثمارات مباشرة فى مصر، بإجمالى رأس مال يبلغ نحو 2.6 مليار دولار أمريكى وذلك بنهاية يوليو 2018.
قضايا الإقليم الملتهب تسيطر على الحوارات بين القاهرة وواشنطن
بالتأكيد فإن القضايا الاقليمية تأخذ حيزا مهما من الزيارة والقمة المصرية الأمريكية، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، وتقوم الرؤية المصرية على ضرورة العمل على التصدى للمعاناة الإنسانية فى سائر أنحاء الأراضى الفلسطينية المحتلة، فضلا عن تأكيد ضرورة الدفع قدما بعجلة التسوية العادلة بغية تحقيق السلام على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
واتساقا مع ذلك، ستكون القمة فرصة للتأكيد للجانب الأمريكى الموقف المصرى الثابت من الجولان السورى الذى يعد أرضا عربية محتلة وفقا لمقررات الشرعية الدولية، مع الدعوة للتحرك الفورى، لبدء المفاوضات فى إطار عملية جنيف، لتحقيق تسوية شاملة للأزمة فى سوريا، تحفظ وحدتها، وسلامتها الإقليمية، فضلا عن التحرك الشامل لتنفيذ كل عناصر مبادرة الأمم المتحدة للتسوية فى ليبيا، والتى اعتمدها مجلس الأمن منذ أكثر من ثمانية عشر شهرا، بالإضافة إلى تطبيق اتفاق ستوكهولم، وتنفيذ الانسحاب الكامل والفورى من ميناء الحُدَيْدَة، كمقدمة لبدء المفاوضات الرامية لتسوية الأزمة اليمنية، وفقا لمرجعياتها المعروفة، وهى قرار مجلس الأمن 2216، والمبادرة الخليجية، ومقررات الحوار الوطنى.