الفرق بين الدول العربية والأوربية.. الشرط المفترض في الجريمة وكيفية العلم به
الأربعاء، 27 مارس 2019 12:00 م
الفقه الإيطالي يذهب إلى تعريف الشرط المفترض للجريمة بأنه: عنصر أو ظرف إيجابي أو سلبي يسبق بالضرورة وجود الجريمة أو الواقعة، أو هو عنصر أو مركز يسبق في وجوده قيام الجريمة – منطقياً وقانونياً – ويعد بمثابة الوسط الضروري لتوافر السلوك غير المشروع.
فى التقرير التالى «صوت الأمة» رصد الشرط المفترض في الجريمة وتعريفه وكيفية العلم به والشروط والآثار المترتبة عليه فى عدد من الدول العربية والأوربية – بحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض محمد صادق.
الفقه الفرنسي اعتمد على أفكار «ڤوان» الذي يعد أول من استخدم تعبير «الشرط السابق الأولي»، وقد عرّف هذا الفقيه الشروط المفترضة بقوله أنها «العناصر التي تحدد المجال الذي يمكن للجريمة أن ترتكب فيه»، على حين يقول «لوفاسير» بأن هذه الشروط لا تعدو كونها ظروف تسبق النشاط وتسبغ عليه الصفة الجرمية.
وبالجملة يعرّف الفقه الفرنسي هذه الشروط بأنها : مراكز قانونية أو واقعية سابقة على النشاط الاجرامي، فهي بمثابة نسيج خارج عن الجريمة نفسها، ينظم الجاني فوقه نشاطه الاجرامي من دون أن ينفك عنه- أو هي مراكز محايدة في ذاتها تمثل نقطة البدء لارتكاب بعض الجرائم وتكون لازمة لوقوع الجريمة – وفقا لـ«الصادق».
أما الفقه المصري، فقد ذهب الى تعريف هذه الشروط قائلاً:
إن الشرط المفترض هو «العنصر الذي يفترض قيامه وقت مباشرة الفاعل لنشاطه».
2- أو هو عنصر سابق على السلوك يلزم وجوده كي يثبت لهذا السلوك صفته الجرمية.
3-أو هو حالة واقعية أو قانونية يحميها القانون.
4-أو إن الشروط المفترضة هي نسيج من شروط أو عناصر قانونية أو أوضاع ايجابية.
5- أو سلبية تتعلق بموضوع الجريمة أو بالجاني بالمجني عليه .
ومن جملة هذه التعاريف يمكن التوصل إلى خصائص الشروط المفترضة للجريمة الآتية:
1- الشرط المفترض مستقل عن نشاط الجاني
فالشروط المفترضة تسبق إرتكاب الجاني لنشاطه الاجرامي، وهي من خلال ذلك تكون –منطقياً – مستقلة عن هذا النشاط، على اعتبار أنها المجال الذي تقع فيه الجريمة، الأمر الذي يمكن معه القول أن استقلال هذه الشروط عن النشاط الاجرامي يجعلها بلا ريب تستقل عن رابطة السببية أيضاً بوصفها حلقة الوصل بين ذلك النشاط والنتيجة الاجرامية المتولدة عنه.
2- الشرط المفترض لازم للوجود القانوني للجريمة
الوجود القانوني للجريمة مرهون بوجود الشرط المفترض وتحققه، وذلك الأمر يستلزم أن يسبق ويعاصر الشرط المفترض النشاط الاجرامي ثم يواكبه حتى تقع الجريمة تامة، أو الى حين توقف النشاط الاجرامي اذا وقعت الجريمة عند حدّ الشروع .
أركان الجريمة
والسؤال هل الشرط المفترض يعتبر ركنا من أركان الجريمة البعض من الفقه رفض اعتبار الشرط المفترض ركنا من أركان الجريمة والبعض اعتبره ركن في بعض الجرائم الخاصة وإليكم التعريف باركان الجريمة في حالة اعتبار الشرط ركن خاص في بعض الجرائم – هكذا يقول «صادق» .
الأركان العامة للجريمة
- يلزم لقيام الجريمة توافر ركنين : ركن مادي وركن معنوي.
الركن المادي: هو الفعل الذي يحقق الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون، ويقوم الركن المادي على عناصر ثلاثة : الفعل «السلوك الإجرامي الإيجابي أو السلبي» والنتيجة وعلاقة السببية بين الفعل والنتيجة
الركن المعنوي: هو الإرادة التي يقترن بها الفعل وقد يتخذ الركن المعنوي صورة العمد فيتوافر به القصد الجنائي وتوصف الجريمة بأنها عمدية، كما قد يتخذ الركن المعنوي صورة الخطأ غير العمدي فتوصف الجريمة بأنها غير عمدية.
-الأركان الخاصة للجريمة: قد يتطلب النموذج القانوني للجريمة فضلا على الركنين المادي والمعنوي عناصر أخرى يطلق عليها الأركان الخاصة بالجريمة التي لا يلزم توافرها في كل جريمة والأركان الخاصة هي: الشرط المفترض و شرط العقاب.
الشرط المفترض: هو ذلك الشرط الذي يفترض القانون توافره وقت مباشرة الجاني نشاطه وبدونه لا يوصف هذا النشاط بأنه جريمة ويوجب القانون توافر الركن المفترض من اجل وجود الجريمة أو من اجل اعتبارها من نوع معين «جناية أو جنحة» ومن أمثلة الشرط المفترض ما يلي :
- أن يكون المجني عليه حيا في جريمة القتل.
- أن يكون المال المختلس مملوكا لغير الجاني في جريمة السرقة .
- وجود دعوى في جريمة شهادة الزور وحالة الحمل في جريمة الإجهاض.
ويلاحظ إن الشرط المفترض سابق على وقوعها ويترتب على ذلك الآتي :
- أن توافره لا يتحقق به البدء في التنفيذ الذي يقوم به الشروع
- أن مكان وقوع الجريمة يتحدد بمكان وقوع ركنها المادي أو جزء منه لا بالمكان الذي يتحقق فيه ركنها المفترض
- إن إثبات الركن المفترض يخضع لوسائل الإثبات المقررة في القانون الذي ينتمي العنصر إليه فصفة المواطن في جريمة الالتحاق بقوات العدو تثبت وفقا لقانون الجنسية، في حين إن الأركان العامة للجريمة تخضع في إثباتها للقواعد المقررة للإثبات في المسائل الجنائية.
شرط العقاب: هو ذلك العنصر الذي يتطلبه القانون ليس لقيام الجريمة وإنما لكي يوقع العقاب المقرر لها، فالجريمة تتوافر بتوافر ركنيها المادي والمعنوي
ومن أمثلة شرط العقاب ضبط المتهم في حالة تلبس حيث يكون العقاب معلقا على هذا الضبط..
انتهى ولكن البحث لم ينتهي وعلى القارئ ان يتبع سنة البحث والاطلاع ولا يكتفى بالمعلومة القصيرة حتى بتزود من بحر العلوم كي ينهض بنفسه وبمن حوله.
كيفية العلم بالشرط المفترض للجريمة
لمّا كانت الشروط المفترضة سابقة على النشاط الارادي للجاني، فإن الارادة وهي أحد عنصري القصد الجرمي لا تتجه إلى تحقيق هذه الشروط وأن كانت تتجه الى العدوان عليها في حالة القصد الخاص.
ومع ذلك تقتضي القاعدة أن تكون الشروط المفترضة معلومة للفاعل سواء في حالة القصد العام أو الخاص ليمكن القول بتوافر القصد الجرمي لديه، وفي هذا السياق يقول بعض أنصار نظرية الارادة – في القصد الجرمي – أن هذه الارادة تشمل الشروط المفترضة الى جانب الفعل، فيقول أنصار هذه النظرية .
انه ليس صحيحاً ما يدّعيه انصار نظرية العلم – في القصد الجرمي – من أن الارادة لا يمكن تصوّرها متجهة الى الوقائع التي تحدد الدلالة الجرمية للفعل مثل كون المجني عليه حيّاً، وكون الشيء في السرقة مملوكاً لغير الجاني «وهي مما تعد شروطاً مفترضة للجريمة»، ذلك أن الارتباط الوثيق بين الفعل وهذه الوقائع ثم اتجاه الفعل وهو مرتبط بها يحتم القول أن الارادة قد اتجهت اليها ايضاً، بل أن الارادة حين تتجه الى الفعل فهي تتجه الى اقامة الرابطة الوثيقة بينه وبين هذه الآثار لاحداث النتيجة الاجرامية.
وعلى الرغم من الانتقاد الذي تعرّض له هذا الرأي، تكمن الحقيقة في أن هذا الرأي لا يقول أن الارادة حين تتجه إلى الشروط المفترضة فانها تحققها، إنما يقول: أن ارادة الفعل والعلم بالشروط المفترضة مؤداه أن الارادة قد اتجهت الى الفعل مقترناً بالشروط المفترضة .
ومهما يكن الأمر، فانه يتعين أن يحيط الجاني علماً بالشروط المفترضة في الجريمة، بحيث يترتب على انتفاء ذلك العلم في جريمة معينة انتفاء القصد الجرمي فيها .
فمن يعتقد أن الصك الذي أعطاه للمستفيد يقابل رصيداً قابلاً للسحب على حين كانت الحقيقة غير ذلك نظراً لوضــــع الحجز على رصيده من دون علمه، ومن يعتقد أنه يهين شخصاً اعتيادياً وليس موظفاً نظراً لوقوفه بين حشد من الناس في داخل الدائرة، ينتفي القصد الجرمي لديه لانتفاء علمه بالكيفية والصفة المفترضة التي تطلب المشرّع العلم بها لقيام الجريمة. ويلاحظ أن المشرّع قد يتطلب العلم بالشرط المفترض للجريمة صراحة، كأن يتطلب علم المتهم بأن من يخفيه أو يأويه بنفسه أو بوساطة غيره شخصاً قد فرّ بعد القبض عليه أو صدر بحقه أمر القاء القبض أو كان متهماً في جناية أو جنحة أو محكوماً عليه «المادة/273/1 عقوبات عراقي»، وفي الواقع أنه حتى في حالة سكوت النص عن تطلب العلم بالشرط المفترض فانه ينبغي أيضاً توافر علم المتهم بالكيفية التي ألمحنا اليها، نظراً لأن الأمر يتعلق بقاعدة من القواعد العامة.
وإذا كان الأصل علم الجاني بالشرط المفترض في الجريمة، فإن القضاء أحياناً يذهب إلى افتراض هذا العلم لدى الجاني افتراضاً لا حقيقية، كأفتراض محكمة النقض المصرية في بعض احكامها علم الجاني لشروط مفترضة معينة، مثل سن المجني عليه في جريمة هتك العرض، وقيام الزوجية في جريمة الزنا.
وتعلل هذه المحكمة ذلك الافتراض بقولها: «أن كل من يقدم على مقارفة فعل من الأفعال الشائنة في ذاتها أو التي تؤثمها قواعد الآداب وحسن الأخلاق يجب عليه أن يتحرّى بكل الوسائل الممكنة حقيقة جميع الظروف المحيطة قبل أن يُقدم على فعلته فاذا هو أخطأ التقدير حق عليه العقاب عن الجريمة التي تتكون منها ما لم يقم الدليل على أنه لم يكن في مقدوره بحال أن يقف على الحقيقة».
وقضت أيضاً بأن «كل ما يوجبه القانون على النيابة العامة أن تثبت في جرائم الزنا أن المرأة التي زنا بها متزوجة وليس عليها أن تثبت علم شريكها بذلك، اذ ان علمه بكونها متزوجة أمر مفروض وعليه هو لكي ينفي هذا العلم أن يثبت أن الظروف كانت لا تمكنه من معرفة ذلك لو استقصى عنه».
وعليه فإن ما يترتب على هذا الافتراض هو أن على المتهم وليس على سلطة الاتهام أن يثبت بأن غلطه كان مبرراً وما كان بمقدوره أن يعلم بالشروط المفترضة في الجريمة ولو بحث واستقصى، أو أن أسباباً قهرية أو ظروف استثنائية كانت تحول بينه وبين العلم على الوجه الصحيح بتلك الشروط، وإذ قال القضاء كلمته فإنه لم يخرج عن القواعد الموضوعية في القصد الجرمي، فهو مازال يتطلب العلم بتلك الشروط المفترضة لقيام القصد الجرمي، إنما كان خروجه عن القواعد العامة في الاثبات حين نقل عبأه من عاتق النيابة العامة الى عاتق المتهم، محدداً له طريقاً خاصاً في سبيل ذلك الاثبات بأن يكون اعتقاده بحسن نيّة ومبنياً على أسباب معقولة ومقبولة ومبررة .