اسحبوا من يده «فن اللامبالاة».. من يعيد لـ «صلاح» بوصلته؟
الجمعة، 22 مارس 2019 04:00 ممصطفى الجمل
نال اللاعب المصري الدولي محمد صلاح منَا أعلى درجات المدح والثناء، خلعت عليه ألقاب وصفات لم تخلع على أحد من قبله في أي مجال كان، اقترب في محبته من منازل الزعماء والأساطير، هذا قال عنه ناصر الجيل «90»، وهذا وضعه في مرتبة تقترب من مرتبة الإمام الراحل محمد متولي الشعراوي، ونحن هنا في «صوت الأمة» كتبنا تحت عنوان «إمام الطامحين وإمام الأمة»، كلاماً لامنا البعض عليه، وآخروت اتهمونا بازدراء الشيخ الشعراوي، فقط لأننا ساوينا به وبين لاعب كرة قدم، مجرد لاعب كرة قدم مهما علا شأنه وحقق من إنجازات، لن يضيف للأمة ما أضافه الإمام الراحل، ولكن كنا نرى أن صلاح يجمع عليه الكل كما كان الحال في حياة الشعراوي.
ذكرنا في التقرير أن «صلاح» غيَر من الصورة الذهنية للشباب المسلم في المجتمع الغربى، وكشف للأوروبيين عن معانٍ مختلفة، بعيدا من ذلك المعنى الراسخ لديهم عن ذوى الجلابيب واللحى، الذين لا يراهم العالم إلا متجهمين، ولا ينظرون هم إلى البلاد الأخرى إلا باعتبارها دار كفر، لا يمكن أن يشاركوها في شىء.
قلنا إن «صلاح» بشعبيته الجارفة، واستحالة أن تجد اثنين يختلفان على حبه وفرحهما بموهبته، جعله يدخل فى مقارنة صعبة مع واحد من الأيقونات المصرية في القرن الفائت، ألا وهو الإمام محمد متولى الشعراوى، والمقارنة هنا ليست مقارنة بين رجلين أحدهما يلعب الكرة والآخر فسّر القرآن وتبحر فى العلوم الشرعية، وليست مقارنة تقاس بالإنجازات والبطولات، مقارنة معيارها الأوحد هو حب الجماهير لكل منهما، فالشعراوى لا يذكر اسمه، إلا ونتلو جملة «لن يأتى مثله قبل 100 عام»، وكذلك أيضا «صلاح» الذى بات على بعد خطوات بسيطة من الانتقال لنادى ريال مدريد، محققا إنجازا سيصعب الأمور كثيرا على من يأتى بعده، ومتجاوزا بالأرقام كل من أتى قبله.
المقدمة الطويلة السابقة، ليس الهدف منها التمهيد لهجوم عاصف على اللاعب الدولي، فلسنا في حاجة إلى هدم واحد من أهم لاعبي الكرة القدم المصرية في تاريخها، ولاسيما أنه لا يزال حتى هذه اللحظة يتربع على عرش الكرة الإفريقية، والإنجليزية، ولكنها فقط تذكرة لما كانت عليه الجماهير من عام مضى، وما هي عليه الآن اتجاه «أبو صلاح».
على «صلاح» نفسه أن يقف أمام حقيقة مجردة قبل أن يبحث في أسباب الهجوم عليه، ومدى أهمية الرد على هذا الهجوم من عدمه، فالحقيقة التي لا مفر منها أن صلاح فقد جزء من هيبته، فقد قطاع كبير من دراويشه.
منذ عام مضى، لم يكن هناك اثنان يختلفان على حب صلاح، حتى من كان لديه ملاحظات كروية على أدائه ومهاراته كان يخفيها، حتى لا تصبه لعنات جيوش صلاح على المقاهي وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، أما الآن فباتت سيرته مستباحة، لا أحد يخشى توجيه النقد واللوم، لا أحد يتردد في سبه، لا أحد يهاب أن يهاجمه.
تحولت البسمة التي كانت تسبب السعادة لكل المصريين، إلى مصدر غضب، لا لشيء سوى أنها أتت في غير محلها، فالرجل الذي كان مصدر حب الناس له وإجماعهم عليه شعورهم اليقيني بأنه يشعر بما يشعرون، ويتألم لما يتألمون، خرج بضحكة عريضة في وقت هم ينزفون فيه دموعاً ودماً على وفاة ضحايا عدة في حادث قطار أفزع العالم كله.
كانت لحظة نشر «صلاح» لصورة له وهو يضحك ملء فيه، بعد حادث قطار محطة مصر، فارقة في علاقته بجمهوره، حالة من الغضب انتابت قطاعاً كبيراً من متابعيه، عبروا عنها بمنشورات غاضبة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، ولكن «صلاح» لم يعر تلك الأصوات المعاتبة اهتماماً، وسار في طريقه مكتفياً بتسريب تبرير واهي للسقطة الكبرى، فقال للمقربين حسبما نقلت بعض المواقع، إن الصفحة تديرها شركة تسويق كبرى، وما تنشره من صور عليها يوقت بتاريخ سابق، وأنهم لا يعلمون حقيقة الوضع في مصر.
البعض أقنعهم التبرير، والبعض الآخر لم يمرره، فالشركة إن كانت تدير الحساب فهي كانت قد كتبت تعزية في ضحايا الحادث، مما يؤكد علمها بخبر الحادث والوضع المأسوي في القاهرة، بما لا يسمح بنشر مثل هذه الصورة، فضلاً عن أن «صلاح» إن لم يكن يعلم بأمر نشر الصورة، فكان بإمكانه أن يطلب حذفها بعدما رأى حالة الغضب العارمة عليه، إلا أن شيئاّ من ذلك لم يحدث، وراح صلاح يكمل مشواره استفزاز جمهوره، مع سبق الإصرار والترصد، وينشر صورة جديدة من يعطي فيها للجمهور ظهره، وكأنه لا يهتم بما يقال في مصر.
لم ينتبه «صلاح» إلى أن في العين عتاب وفي القلب لوم محب، وقف في ظهره كثيراً وطويلاً، ولم يتركه يسير مشواره في بلاد الإنجليز وحده، سار غيرعابئ بما يقال هنا وهناك وخرج في مؤتمر صحفي، ليزيد الطين بلة، ويهاجم منتقديه في مصر، متهمهم بأنهم يتحدثون فيما لا يعون، ولا يحبون القراءة ولا التعلم، مما أدى إلى ضعف مستواهم الذهني، وأنه لا يهتم بما يقال عنه على مواقع التواصل الاجتماعى، حلوه بمره.
كان من الممكن أن يتقبل جمهور صلاح حديثه عن عدم اهتمامه بما قال عنه على مواقع التواصل الاجتماعي، لولا أنه خرج بعدها بدقائق وكتب تغريدة استدراكية، انتقد فيها تصيد الأخطاء له، وأشار إلى أنه لم يكن يقصد الإسائة لأحد، بما يعني أنه يتابع بشكل جيد ما يكت عنه على مواقع التواصل الاجتماعي ويتأثر به.
تبع هذا اللغط كله تذبذب في مستوى صلاح، وتوقف عن إحراز الأهداف، في ظل ارتفاع مستوى زميله ومنافسه داخل الانفيلد ساديو ماني، حتى تساوى الاثنين في عدد أهداف الموسم الحالي، بما يمثل خطر على عرش النجم المصري، الحاصل الموسم الماضي على لقب هداف الدوري الإنجليزي، وأفضل لاعب به.
صدمات صلاح لم تتوقف عند هذا الأمر، بل تلقى صدمة أخرى، تمثلت فيما نشرته مجلة فرانس فوتبول عن عقد ريال مدريد النيلة لضم اللاعب ساديو ماني في هذا الصيف كواحد من الصفقات التي أشار إليها زيدان، ويرغب في ضمها بشدة، لتتراجع فرص انضمام محمد صلاح إلى ريال مدريد، مثلما هو كان مشاعاً خلال الأشهر الماضية.
المحبون، نصحوا «صلاح» بألا ينصاع لأي لحظة يأس أو إحباط، وأن يجدد هدفه وشغفه بالوصول إلى أعلى المراتب العالمية، إن كان يريد أن يظل في دائرة ميسي ورونالدو، وأن يطرح التصريحات المثيرة للجدل جانباً، ويكتفي بتدربه الجيد مع فريقه ومنتخبه، ولا سيما أننا مقبلون على بطولة كأس الأمم الإفريقية، ومصر كلها تحتاج لجهود صلاح في هذه البطولة الغائبة منذ 2010 عن مصر، ولن يكون هناك فرصة أسهل من استضافتها للحصول عليها، وحصدها للمرة الثامنة، في ظل وجود هذا العدد من المحترفين المصريين.
المحبون، طالبوا «صلاح» بأن يطرح كتاب «فن اللامبالاة» جانباً ويعود إلى سابق عهده في التفاعل المثمر مع جمهوره فقط، ولا يلتفت لأي ممن يريدون جره إلى مساحات لا فائدة منها بأي شكل من الأشكال، وأن يضع كل تركيزه في المستطيل الأخضر، حتى يحافظ أولاً على ما صنعه، ويحرز تقدماً جديداً في مجاله، ولا سيما أنه لازال صغير السن وأمامه ما لا يقل عن 10 مواسم حتى يعتزل كرة القدم.