في ذكرى ميلاد سيد درويش.. حكاية لحن عمره 100 عام نجح في وصف مشاعر الوحدة
الإثنين، 18 مارس 2019 12:00 ص
أحيانا ينتبه الشخص الوحيد ويعي جيدًا هذه الأيام التي يتركه فيها الأشخاص وحيدا حتى على فراش مرضه، يُدرك المرء فجأة حقيقة الحياة، يتسائل فيها إلى أين يذهب ومع من يمضي.. يُدرك أنه وحيدا تماما، يكون راضيا ومتعايشا مع قدره، لكنه يظل يتمنى بحزنٍ خافت لو أن له وجهة واحدة يمضي إليها، أو شخصًا واحدًا يركض نحوه.
زوروني كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة ..لحن عمره أكثر من مائة عام، عزفه الموسيقار المصري سيد درويش سنة 1917 ليعيش بعدها حتى اليوم، كيف لكلمات مؤثرة مثل هذه كُتبت منذ قرن عكست حالة كاتب ظل يتودّد عائلته بالتحديد شقيقته لزيارته وتذكره وهو في حالة وَهَن من المرض.
في أحد الليالي التي قضاها الشاعر محمد يونس القاضي- وهو مؤلف النشيد الوطني بلادي بلادي لكِ حبي وفؤادي- بأحد مشافي القاهرة بعد تعرضه لمرض شديد أقعده في المستشفى، أدرك وقتها أن المرض سياخد منه أيام، وفي فترة مرضه هذه زاره عدد من أصدقائه المقربين.
لكن ثمة زيارة أخرى كان ينتظرها القاضي، وهي زيارة من شقيقته، التي انقطع الوصل معها بسبب خلاف على الميراث أوصلهما إلى المحاكم وفي يوم من الأيام، بينما كان يجلس في المشفى، حدث ما كان ينتظره لوقتٍ طويل، إذ انفتح باب الغرفة ودخلت شقيقته لزيارته، ما جعله يشعر بتأثرٍ شديد، دفعته وقتها لكتابة كلمات هذه الأغنية المؤثرة.
«زورونى كل سنة مرة حرام تنسـوني بالمرة أنا عملت إيه فيكم تشاكوني .. واشاكيكم أنا اللي العمر أداديكم حرام تنسوني بالمرة يا عيني على اللي مالوش حــد طول عمره يقاسي الوجد وتجري دمعته على الخـد مسكين حاله بالمرة».
لعب درويش دورا كبيرا في توصيل مثل هذه الغنوات إلى قلوب العامة، ولحلول ذكرى ميلاده اليوم نتذكر أيضا إمام الملحنين سيد درويش ببعض الروائع التي عكس بها روح المصري البسيط في بدايات القرن الماضي.
من شارع عماد الدين كانت البداية، نجح درويش في التلحين لكافة الفرق المسرحية وهي الأشهر وقتها أمثال فرقة نجيب الريحاني، جورج أبيض وعلي الكسار .. حتى قامت ثورة 1919 فغنى قوم يا مصري، وكان أول من غنّى الغناء الغناء البوليفوني في مصر من خلال أوبريت العشرة الطيبة، وشهرزاد والبروكة.
وبلغته الفلسفية النغمية نجح في سحر الألباب فبجمالها تُرقص النفوس حتى إنه ما كان يُلحن أغنية حتى يرددها أفراد الشعب والعوالم اللواتي يقمن الأفراح والمسارح الغنائية.
وفي مقهى الكونكورديا بوسط القاهرة، أحى الشيخ سيد حفلا ضخما، حضر هذه الحفلة أكثر فناني القاهرة منهم الممثلون والمطربون، وكان على رأسهم الياس نشاطي وإبراهيم سهالون الكمانجي، وجميل عويس حتى وصل عدد الفنانين المستمعين أكثر من عدد الجمهور المستمع.
أول من استخدم الموسيقى في الانتقام الغرامي
كان وحي درويش في هذا اللحن الفريد امرأة غليظة الجسم اسمها "جليلة" أحبها حبا عظيما، كان يجدها إلهامًا له في النظم والتلحين والغناء هجرته هذه المرأة وأخذت تتردد على صائغ في الإسكندرية وعمل لها الصائغ خلخالا فغضب الشيخ سيد وفكر بالانتقام من حبيبته وعزوله وكان أول انتقام من نوعه على الطريقة الموسيقية الغنائية.
رغم حياة درويش القصيرة، إلا أنه أنتج عشرات من الأدوار عبارة عن أربعين موشح ومائة طقطوقة و 30 رواية مسرحية وأوبريت.