السبوبة الشمال في المقابر: ترميم مخالف.. أعمال سحر.. وبيع جثث

السبت، 16 مارس 2019 04:00 م
السبوبة الشمال في المقابر: ترميم مخالف.. أعمال سحر.. وبيع جثث
أعمال سحر في المقابر
ماجد تمراز - إسراء بدر

«الشغلانة» تضمن موردا ثابتا لهم
 
مسئول أحد الأحواش فى السيدة نفيسة: «التربية» يتهربون من مراقبى الجبانات ويتربحون 150 ألف جنيه سنويا من وراء الترميم المخالف
 
اهتمت الحكومة فى الآونة الأخيرة بمتابعة سير الأعمال داخل نطاق الجبانات بمختلف المحافظات

ثمن توسعة عين «الجبانة» يتجاوز الـ15 ألف جنيه.. وبيع المقابر المنسية التى لا صاحب لها بأوراق مخالفة

خفافيش يعيشون فى عالم مظلم تحيط به الأسرار من كل جانب، وكأنهم لا يعبأون بقوانين الأرض التى يعيشون عليها.. لا يعرفون شيئا عن عالمنا إلا «الشيل أمانة».. تنحصر ملذات أحدهم ومتعته فى الجلوس فى نهاية اليوم «ساعة المغربية» أمام عشته الصغيرة بعد قضاء ساعات من «الفحت»و «الردم»، ليشرب كوبا من «الشاى الثقيل»، ويداعب دخان سيجارته، يفكر فى قوت يومه ويوم أبنائه فى اليوم التالى، لا يشغل باله بكثير من المشكلات، فكل همه أن يأتى أحدهم إليه، ويقول له بصوت خافت يشوبه الحزن «افتح التربة الحاج مات».. إنهم «التربية» الذين حول عدد كبير منهم المقابر لبيزنس خاص، يدر عليهم أموالا طائلة، تنوعت ما بين ترميم المقابر والسحر والدجل وبيع الجثث. 

التُربى، هو أحد أهم وأغرب المِهن وأكثرها غموضا وغرابة، وعلى الرغم من الأهمية الدينية لتلك المهنة، إلا أنها مصدر ربح لأصحابها، تحمل كثيرا من الغموض والإبهام، فكلٍ منهم يحمل فى رقبته أسرة مكونة من عدة أفراد يحتاجون إلى مصدر دخل دائم ومستمر حتى يَتمكنوا من إسكات جوعهم، خاصة أنهم لا يحصلون على مرتب من الحكومة رغم تعيينهم فى وظيفة عامة (موظف عام بدون أجر).
 
 بعضهم يكتفى بما يأتى له من «حسنات» من أهالى الموتى مُقابل دفن موتاهم، أو الحصول على مبلغ نقدى زهيد لا يتعدى الـ 200 جنيه من أسرة أحد المتوفين أثناء زيارتهم له وقراءة الفاتحة على روحه، مُقابل الاهتمام بقبره ومنع التعدى عليه، والبعض الآخر يتجه إلى بعض الأعمال غير الشرعية للحصول على ربح أكبر وأسرع، وهناك عدة طُرق يتبعونها فى الحصول على الأموال بطريقة «شمال» على حد وصف بعضهم، فظُلمة المقابر والتُرب تَحول دون رؤية الكثير من الأعمال التى نسمع عنها دون أن نراها.
 
اهتمت الحكومة فى الآونة الأخيرة بمتابعة سير الأعمال داخل نطاق الجبانات والتُرب بمختلف المحافظات، وبالتحديد محافظة القاهرة باعتبارها المحافظة الوحيدة التى يسكن داخل مقابرها القديمة سُكان وبأعدادٍ كبيرة، فعينت مراقبين فنيين تابعين لإدارة الجبانات بالمحافظة، وباعتبار أن التُربية يعرفون جيداً أنهم موظفون فى الدولة، فهم يتعاملون بشكل جيد مع هؤلاء المراقبين، خوفاً من توقيع أى عقوبات عليهم من قبل الجهات المسئولة إذا ما حدث تعد عليهم بأى شكل من الأشكال، بعكس ما كان يحدث فى السابق، فقد كانت الجبانات بلا رقابة، يحميها أهلها والأموات فقط.
 
 «صوت الأمة» خاضت مغامرة داخل مقابر وجبانات الإمام الشافعى والسيدة نفيسة للتعرف على أسرار مهنة التُربى، وحقيقة المكاسب التى يحصل عليها كل منهم، وكيفية التعامل مع تلك الحياة التى تُحيط بها الأموات من كل جانب، فبعضهم رضى بما قسمه الله له مما يأتى من دفن الموتى وزيارات أهالى المتوفين، والبعض الآخر له حيله التى تربى عليها، فمنهم من يُرمم عيون الترب بشكل مخالف فيتربح الآلاف سنوياً من وراء ذلك، ومنهم من يَبيع المقابر المَنسية التى لا صاحب لها بأوراق مخالفة إلى الآخرين وبنفس الأسعار الحالية، بل وبأسعار أعلى، ومنهم من يسَمح بممارسة طقوس السحر ويُساعد الدجالين مقابل الحصول على مبالغ مالية، فكل الأطراف موجودة حاليا بين آلاف الموتى بالقاهرة.
 
 البداية من مقابر السيدة نفيسة والموجودة على مساحة كبيرة تبدأ من ميدان السيدة عائشة، وتنتهى بسور مجرى العيون ومنطقة عين الصيرة، وهى تربة خصبة لبعض التُربية غير المُنضبطين للقيام بـ«سبوباتهم الشمال»، والتربح بشكل غير قانونى بمبالغ كبيرة قد تصل إلى أكثر من 150 ألف سنويا، فعلى الرغم من أن المحافظة وضعت ضوابط صارمة لمنع القيام بأى أعمال ترميم لأى عين أو تُربة من خلال تركيب «عضامات» أو توسعة الأحواش أو بناء عين أخرى، إلا أن هناك مجموعة من التُربية تقوم بذلك من تلقاء أنفسهم،  رغم أن عمليات الترميم تحتاج لتقارير يعدها مهندسو الجبانات بالمحافظة، ليتم بعدها التعاقد مع مقاول، وهو من يتولى أمر الترميم والتوسعة من الألف إلى الياء.
 
 «ص. ح. أ» مسئول عن أحد أحواش جبانات السيدة نفيسة، ترفع عن القيام بتلك الأعمال غير اللائقة بقدسية وروحانية المقابر، وقال إنه ورث عن والده العمل كتُربى بذلك الحوش باعتباره الابن الأكبر، حيث إن القانون يمنح أكبر الأبناء حق وراثة الأب فى ممارسة الإشراف على الحوش، مشيرا إلى أن له أخاه أصغر منه سنا، لذلك فهو يقسم عليهم من الرزق الذى يحصل عليه من دفن الموتى، أو من الإكراميات التى تأتى بين الحين والأخر من أبناء بعض المتوفين منذ فترات ويأتون لقراءة القرآن على أرواح آبائهم وأجدادهم وأقاربهم، حيث يقوم بالاستعانة بأصغر أشقائه «أوشى» فى أعماله بالجبانات.
 
ويقول «م. أ. أ»، مُشرف على أحد الأحواش بجبانات السيدة نفيسة، إن هناك عددا من التُربية يعملون بطريقة «شمال» وغير شرعية، حيث يتبعون كل الطرق المُمكنة للتهرب من مراقبة مهندسى الجبانات الذين يمرون من وقت لآخر لمتابعة الأوضاع داخل المقابر، فيقومون بأعمال مخالفة لزيادة أرباحهم بشكل سريع، حيث يستغل أحدهم طلب أحد أصحاب الأحواش المتعلقة بترميم المقبرة أو توسعتها، فيطلب منهم مبلغا ماليا مقابل القيام بذلك، دون الحصول على رخصة أو إذن من المحافظة حتى لا تَضيع «السبوبة» عليه، فيظهر عليهم الغنى بشكل ملحوظ ومفاجئ».
 
ويكشف «المشرف» عن المبالغ التى يحصل عليها بعض أباطرة الجبانات نظير ترميم الجبانات أو توسعتها أو تركيب العضامات، فيقول: «الأسعار تتراوح من مكان إلى آخر، ولكن فى العام فإن أعمال الترميم التى تشمل تركيب عين إضافية للعين الأولى تكون تعريفتها مبدئيا 15 ألف جنيه كحد أدنى، أما التسعيرة للتوسعة وتركيب عينين جديدتين فقد تتخطى الـ30 ألف جنيه، كما أن هناك أعمال ترميم وتوسعة ببعض الأحواش تتخطى الـ 50 ألف جنيه، ويتوقف ذلك على مساحة الحوش وعلى الاتفاق المُسبق مع صاحب الحوش قبل البدء فى الترميم».
 
وأضاف  «م. أ. أ»: «كل تُربى من هؤلاء التُربية الذين يعملون بشكل غير قانونى، قد يحصل كل منهم على 4 إلى 5 وأحيانا 7 أعمال ترميم بنطاق المقابر المسئول عنها سنويا، وقد تتخطى المبالغ السنوية التى يحصل عليها الـ 150 ألف جنيه»، مؤكدًا: هو وشطارته فإذا كان لديه علاقات جيدة مع بعض السماسرة ممن يعرفون أصحاب بعض المقابر معرفة شخصية وهم من ميسورى الحال، فإنه يقوم بأعمال ترميم ببعض المقابر كل عام، وبذلك ضمن موردا دائما للأموال غير الشرعية التى سيحصل عليها من أصحاب هذه المقابر».  

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق