جنون الديكتاتور.. الاستخبارات التركية تصطاد رجال الداعية جولن في أوروبا
الثلاثاء، 19 فبراير 2019 11:00 ص
بات التنكيل والقمع والإطاحة بالمعارضين المنتمين لحركة «الخدمة» التي يقودها فتح الله جولن، من أهم الأعمال اليومية التي يؤديها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مستخدما ضدهم كل الحيل الغير القانونية بهدف جمعهم من الدول المقيمين فيها حول العالم، وتعذيبهم داخل سجونه ومقرات جهاز الاستخبارات التركي.
ويتهم أردوغان وحكومته الداعية المقيم في أمريكا عبدالله جولن، بتدبير مسرحية الإنقلاب في يوليو 2016، ويحمله فشله في إدارة الأزمات المحلية والخارجية، متعللًا أن جولن ومؤيديه المنتشرين في جميع أنحاء العالم يحيكون المؤامرات ضده.
وأظهرت التصريحات التي أدلى بها أردوغان، خلال حواره مع قناتي "إيه تي في" و"إيه خبر" التركيتين، عن مدى التحركات العنيفة التي ينتهجها ضد معارضيه، إذ هددهم صراحة خلال حواره، قائلًا: «للأسف الولايات المتحدة لا تتصرف بشفافية حيال ملف جولن، أما عناصر التنظيم فإننا أعدنا بعضهم وسنعيد آخرين».
الغريب في تصريحات أردوغان، هو عدم ذكره الأسباب الحقيقية وراء رفض الولايات المتحدة الأمريكية لتسليم جولن لأنقرة، وتأكيدها على أن المزاعم التي تقدمها الحكومة التركية غير مقنعة، ولا تقدم أي دليل على تورط الداعية في جرائم حقيقية، كما ترى أن أردوغان يريد إسكات أي صوت ينتقده في الداخل والخارج.
وتؤكد تقارير دولية أن أردوغان أصدر أوامر مباشرة لجهازه الاستخباراتي بملاحقة أنصار جولن، وتنفيذ المزيد من عمليات الاختطاف بحق المعارضين المنتمين لحركة الخدمة في الخارج، وهو ما حدث فعليا نفذ الجهاز عددا من العمليات في أوقات سابقة داخل عدد من الدول، بالمخالفة للقوانين المحلية والدولية.
تورط مستشار ترامب في رشوة بـ15 مليون دولار لتسليم جولن
حاول أردوغان استمالة مسؤولين حكوميين في واشنطن بطرق فاسدة لتسليم جولن، إلا أنه تم فضح الأمر أمام القضاء الأمريكي، ويحاكم في القضية الأن، «مايكل فلين» مستشار الأمن القومي السابق للرئيس دونالد ترامب، الذي قدم استقالته في 14 فبراير2017، بعد اتهامه بتلقي رشوة من أنقر، في القضية التي تكشفت خيوطها مارس 2017.
وكشف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق جيمس وولسي، عن تورط فلين في مؤامرة مع مسؤولين أتراك بينهم رجل الأعمال أكيم ألب تكين، المقرب من أردوغان وحزب العدالة والتنمية، لترحيل جولن من الأراضي الأمريكية، وتلقي عرضا من المسؤولين الأتراك بقيمة 15 مليون دولار أمريكي، للمساعدة في إبعاد جولن من الولايات المتحدة قسرا وتسليمه إلى أنقرة، عبر نقله على متن طائرة خاصة إلى سجن شديد الحراسة يقع في جزيرة إيمرلي التركية في بحر مرمرة.
الخوف يسيطر على معارضي أردوغان
في يناير الماضي، أكد أستاذ العلوم السياسية الهارب في أمريكا إيمري أوزلو، تخوفه من تنفيذ الاستخبارات التركية عملية اختطاف بحقه لإعادته قسرًا إلى أنقرة، مثلما حدث مع آخرين، وهو الذي اضطر للهرب من تركيا عام 2014، خوفا من مطاردة رجال الاستخبارات التركية بعد فصله من الجامعة، على خلفية فضحه تورط أردوغان في تمويل الإرهاب، وتحالفه مع ميليشيات متطرفة داخل سوريا، واستغلاله قوافل المساعدات الإنسانية كغطاء لتقديم أسلحة للمتطرفين والجماعات الإرهابية وعلى رأسهم تنظيم داعش.
وقال أستاذ العلوم السياسية الهارب من جحيم أردوغان: «سافرت بشكل عادي من أحد المطارات قبل صدور أمر اعتقالي، أما معظم أصدقائي الصحفيين وغيرهم من الملاحقين هربوا عبر اليونان، التي توفر المساعدة للأتراك المضطهدين، ولاتزال حياتي في خطر، بسبب حكومة أردوغان، التي تعيد الفارين بالقوة وتضعهم في السجون وتعرضهم لعمليات تعذيب».
خطف المعارضين عيني عينك
تورط الاستخبارات التركية في عمليات الاختطاف القسري، لا تتوقف عند حد معين، إذ كشف تحقيق استقصائي أجرته مؤسسة كوركتيف الألمانية، في نهاية العام الماضي، عن خطف استخبارات أردوغان، للمعارضين في الخارج وتعذيبهم داخل مقرات سرية، إذ يوضعون في غرف مظلمة ويصعقون بالكهرباء ويحرمون من التواصل مع العالم، كما تفخر الاستخبارات التركية بخطف العشرات من معارضي أردوغان، داخل دول آسيوية وأفريقية منها ماليزيا والجابون، إذ أكد وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو، سبتمبر الماضي، تصميم تركيا مصممة على إعادة ومحاكمة العسكريين الفارين إلى اليونان، عقب مسرحية الانقلاب الذي وقع في يوليو 2016.
وكشفت صحيفة يو ايه 24 الأوكرانية، في يناير الماضي، عن اختطاف صحفي ورجل أعمال، معارضين تركيين، على يد السلطات في كييف، في منتصف 2018، بزعم تورطهما في إنقلاب يوليو، مما تسبب في بث حالة من الرعب بين الأتراك المقيمين في أوكرانيا، خوفا من اختطافهم وإعادتهم قسرا إلى بلادهم، خاصة أن الصحفي ورجل الأعمال اللذين أعيدا قسرا، حملا تصاريح عمل وإقامة، ولم يمنع ذلك قوات الأمن من اعتقالهما خارج القانون، وترحيلهما إلى أنقرة دون إجراءات قضائية.
واختطفت استخبارات أردوغان، في ديسمبر الماضي، معلمًا تركيًا يدعى محمد جلن، من أمام دار القضاء في أذربيجان، بتهمة الانتماء لحركة جولن، واحتفت وكالة أنباء الأناضول الرسمية، بما وصفته بجهود الاستخبارات التركية التي أثمرت عن توقيف شخص مطلوب، ولم تخجل من تورطها في العملية.
وكان «جلن» الذي يعمل معلما في مدرسة تتبع حركة الخدمة، أدلى بأقواله أمام النيابة الأذرية، وأخلت سبيله، في الوقت الذي كان رجال الاستخبارات التركية بانتظاره خارج دار القضاء، حيث جرت عملية الاختطاف بعد ساعات قليلة من لقاء وزير الداخلية التركي سليمان صويلو مع رئيس جهاز أمن الدولة الأذري مدات غولييف، ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الأذري أورهان سلطانوف.
وأشرف أردوغان، بنفسه على العملية الاستخباراتية الناجحة، وقال قبل الإعلان عن إتمامها: «هناك بعض التطورات الإيجابية في أذربيجان ضد تنظيم فتح الله الإرهابي، وسنعلن عن بشرى بهذا الصدد مساء اليوم أو غدا».
واستهدفت عناصر الاستخبارات التركية أنصار جولن في أوروبا، إذ تعرض عدد منهم من المقيمين في الدنمارك لملاحقة مكثفة، حيث نقلت أجهزة الأمن الدنيماركية خلال عام 2017 صحفيًا مؤيدا لحركة الخدمة، إلى منزل آمن لمدة أسبوعين وقالت إنها قلقة بشأن سلامته بعدما تلقى تهديدات من حكومة أنقرة، بينما في سويسرا، أخفق 2 من الاستخبارات التركية، في اختطاف رجل أعمال بزيوريخ، وفي يونيو 2018، أصدر ممثلو الادعاء السويسريون مذكرات اعتقال بحق 2 من الدبلوماسيين الأتراك، لتورطهما في محاولات خطف معارضي أردوغان.