رحلة الحجاب.. من أفكار التحرر إلى «التسييس» على يد الإخوان
السبت، 09 فبراير 2019 07:00 مإيمان محجوب
معركة الفكر والحجاب بين عصرى هدى شعراوى ابنة حركة محمد عبده التنويرية.. ودينا أنور المرتدة عن دعوات عمرو خالد
فى بداية الألفية الثالثة، بدأت «هوجة» الدعاة المودرن، الذين يخاطبون سيدات وفتيات الطبقة الراقية ساكنى «الكمبوندات»، واللاتى بحكم البيئة والأعراف غير محجبات ومتابعات للموضة، فكانت كلمات الشاب عمرو خالد المنمقة، وهو يصف لهن قيمة الحجاب وريح الجنة، التى تحرم منها الكاسيات العاريات، تخترق سمعهن، فيبكين فيخرجن من نداوته، وهن مرتديات الحجاب وسط دموعهن المنهمرة على ما فاتهن دون قطعة قماش، كما ورد فى كتاب دينا أنور، «خالعات الحجاب والنقاب».
فكانت موضة الحجاب، التى غزت أبناء الطبقة الراقية، التى لم تكن تعكس إيمانا حقيقيا بالحجاب أكثر منها مجاراة لموضة انتشرت بين فتيات هذه الطبقة بفضل دعوات الدعاة الجدد، وبعد مرور الوقت، وظهور حقيقة ما يديره الدعاة الجدد من «بيزنس» بالدين، وصل للمتاجرة بالحجاب بفتح محال لبيع أزياء المحجبات، وزواج بعض هؤلاء الدعاة من بعض السيدات، ممن قالوا عنهن فى خطبهم أنهن محرومات من الجنة.
بدأت فترة الردة عن حجاب الدعاة الجدد، وعلى رأسهم عمرو خالد، فظهرت دينا أنور وأخواتها وهن يخلعن الحجاب وسط حدائق مدينة الرحاب، وصدور كتابها «خالعات الحجاب والنقاب» وما أثير حوله من ضجة مفتعلة، لا تمثل حقيقة واقعية فى المجتمع المصرى، ففتيات الطبقات الفقيرة والمتوسطة فى المجتمع المصرى، مازلن على ما هن عليه من حجاب بحكم العادة والموروث والظروف الاقتصادية، خاصة بعد موجات العنف الأسرى، والتحرش الذى تتعرض له المرأة فى الشارع والعمل، والذى يؤكد فقد المجتمع المصرى لقيمة ومبادئ المساواة بين الرجل والمرأة، وعدم احترام الكثير من أفراد المجتمع قيمة عمل المرأة وحريتها بسبب دور الدعاة الدينيين والدعاة الجدد وهيئات الفتوى فى التغليظ من مخالفة الحجاب، وانتشار الملصقات والكتيبات الدينية من عينة «الحجاب قبل الحساب».
بالإضافة إلى اعتبار كثير من هؤلاء الفتيات أن الحجاب نوع من الوقاية من الفوضى الضاربة فى الشارع المصرى، وانتشار ظاهرة التحرش بالنساء، التى تزداد انتشارا، كلما انتشرت ظاهرة الحجاب والنقاب، وهو ما ينفى ادعاء الإسلاميين بأن سبب التحرش هو ملابس النساء المثيرة للغرائز، رغم أن التاريخ يرصد أن التحرش بالنساء، كان استثنائيا فى المجتمع أثناء موضة المينى جيب.
ولقد لخص الدكتور رياض حسن محرم، ارتداد المجتمع المصرى، وما حدث له من تحول بسبب الظروف السياسية والاجتماعية وتأثيره على حرية المرأة، وتضمنت بعض كتاباته أن الربع الأول من القرن العشرين، شهد نهضة فكرية عظيمة، قادها مفكرون وسياسيون كبار على رأسهم الإمام محمد عبده، تلميذ جمال الدين الأفغانى، الذى ساهم بشكل كبير فى استنهاض الأفكار الوطنية فى الشرق، ومهد للثورة العرابية، وشارك فى هذه النهضة أسماء كبيرة، شاركوا بآرائهم وأفعالهم فى صنع التاريخ المصرى الحديث، مثل سعد زغلول، وطه حسين، ولطفى السيد، وعلى عبد الرازق، وعباس العقاد، وسلامة موسى، ومصطفى عبد الرازق، وأحمد أمين، وأمين الخولى وغيرهم كثيرون.
واستمرت حركة تحرير المرأة فى صعود خلال القرن العشرين بالرغم مما واجهها من مشاكل وعقبات، فظهرت إلى الوجود فى سنوات الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، مجلة اسمها «السفور»، تخصصت فى الدعوة إلى السفور والرد على منتقديه، وفى عام 1928، نشرت الكاتبة «نظيرة سيف الدين»، كتابها «السفور والحجاب»، الذى أثار سجالا طويلا فى المجتمع حين ذاك بين أنصار التقدم وأعدائه، وأنصار المرأة وأعدائها.
وبعد قيام ثورة يوليو فى مصر وصراعها المتفجر مع جميع القوى السياسية المصرية من الإخوان والشيوعيين والأحزاب، وخوضها معركة التحرير والبناء، وبناء التنظيم السياسى الأوحد، وتبنيها لمجانية التعليم فى جميع مراحله، ما أتاح للمرأة مشاركة أكبر فى كل المجالات العلمية والاجتماعية، ودفعها لتولى أدوار ووظائف مهمة وفعالة، مع التأكيد على مبدأ المساواة بين الجنسين، والنص عليها فى كثير من الوثائق وأهمها الميثاق. وبهزيمة 1967، حدثت تحولات عميقة فى الواقع المصرى والعربى، واعتبرها الكثيرون هزيمة للتيار القومى والتجربة الناصرية بكل ما حملته من أفكار وممارسات مع انتعاش للدعاية الدينية التى تصور الهزيمة بسبب البعد عن الإيمان وتقوى الله.
وجاء نظام السادات، ليوجه ضربة قوية للتجربة الناصرية، مع دعمه الواضح للتيار الإسلامى لمواجهة الحركات اليسارية والناصرية، مع ارتدائه لعباءة الدين، وتسمية نفسه بالرئيس المؤمن، ودعوته للعودة إلى الماضى، وما أسماه بأخلاق القرية، واستخدامه لآيات قرآنية فى خطبه.