قبل البحث عن مشروعيته.. «الربا» في القانون المصري
الجمعة، 01 فبراير 2019 07:00 م
يمكن القول إن قانون العقوبات المصرى هو قانون تعزيرى يكاد يكون شرعى، فالمنهج الذى التزمه من أنه جعل لكل جريمة حد أدنى وحد أقصى فى العقاب، وترك للقاضى حرية التقدير فى كل قضية بذاتها طبقا لظروفها وملابساتها، هو جمع بين نظريتين فقهيتين تكلم فيهما فقهاء الشريعة.
ولولا أنه لم ينص فيه على الحدود الثابتة، ولولا أنه اعتبر بعض الأعمال ليست من قبيل الجرائم فى حين أنها أم الكبائر والخبائث، كالزنا لم يعتبرها القانون جريمة فى ذاتها، رغم أنها منكرة فى جميع الشرائع السماوية، واعتبر الاعتداء بها هو الجريمة، بمعنى أنه لم ينكر الفعل الآثم فى حد ذاته، وإنما أنكر الاعتداء، أى حين يكون الزنا اغتصاباً أو واقعاً على قاصر، أى أن الجريمة فى نظر القانون أن يتم دون تراض.
كذلك لم يعتبر شرب الخمر جريمة، رغم كونها أم الخبائث ومفتاح كل شر، وكذلك لم يجرم الربا، فقط اعتبر الفحش فى الربا هو الجريمة، رغم أن الربا قليله وكثيره محرم، ولولا ذلك لكان قانون العقوبات المصرى شرعيا.
محكمة النقض والقروض
فى هذا الشأن، رصد «صوت الأمة» إشكالية «الربا» التى لا تزال تشغل قطاعاَ عريضاَ من الفقهاء والمختصون القانونيون، وذلك فى الوقت الذى تناولت فيه أحكام محكمة النقض تلك الأزمة التى قالت فيها: «تتطلب جريمة الاعتياد على الإقراض بالربا الفاحش – كما هى معرفة فى الفقرة الثالثة من المادة 339 من قانون العقوبات – حصول الاعتياد على الإقراض بفاحش الربا، وهو وصف يقوم بنفس المقرض ويدل عليه تعدد القروض المستقلة ولو لشخص واحد متى زادت الفائدة المشترطة فى كل قرض على الحد الأقصى للفائدة التى يجوز قانوناَ الاتفاق عليها وما يلابس الفعل المادى المستفاد من تعدد الإقراض من قصد جنائى لا يحتاج فى تقريره إلى بيان وهو العلم بماهية الفعل المخالف للقانون».
قانون العقوبات والقروض
وتنص المادة 339 من قانون العقوبات على: «كل من انتهز فرصة ضعف أو هوى نفس شخص وأقرضه نقودًا بأى طريقة كانت تزيد عن الحد الأقصى المقرر للفوائد الممكن الاتفاق عليها قانونا، يعاقب بغرامة لا تزيد عن 200 جنيه وإذا عاد المحكوم عليه وارتكب نفس الجريمة فى الخمس سنوات التالية للحكم الأول يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو غرامة لا تتجاوز 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين».
رأى قانونى
بينما يقول الدكتور وليد جاب الله، الخبير الإقتصادى والباحث القانوني، أن الربا هو سلوك أثم حرمته كافة الشرائع السماوية، بل وحرمه كبار حكماء وفلاسفة التاريخ مثل أفلاطون وأرسطو، ونظر إليه العرب في الجاهلية نظرة ازدراء حتى أن قريش اشترطت عند جمعها الأموال لإعادة بناء سور الكعبة، ألا تُساهم فيه البيوت التي تتعامل بالربا، ولما جاء الإسلام حرمه نهائيًا، وقد اعتبر المُفسرين أن كل قرض جر نفع هو ربا، وبالتالي فإن كل زيادة حرام.
ووفقا لـ«جاب الله» فى تصريح لـ«صوت الأمة» - قبل أن يُسند تفسير الربا لرجال الدين يجب بحث وتحديد مفهوم المنفعة الاقتصادية التي يترتب عليها وجود واقعة الربا، فقد نزلت نصوص تحريم الربا في ظل نظام اقتصادي يقوم على المُقايضة، والتبادل بالعملات المعدنية التي كانت قيمتها محفوظة بوزنها من المعادن المصنوعة منها مثل الذهب والفضة والبرونز وغيرهما، وبالتالي فإن حساب المنفعة يبدوا واضحًا باعتبار أن قيمة العملة مُرتبطة بوزنها وعددها، إلا أنه مع تطور الاقتصاد انفصلت العملة عن قيمتها وظهرت النقود الورقية التي تنخفض قيمتها تدريجيًا بفعل ظاهرة التضخم، والتضخم ظاهرة حديثة تضرب الاقتصاد العالمي وتتفاوت مُعدلاته الشهرية والسنوية لأسباب مُختلفة.
وهنا يحدث انخفاض في قيمة القرض الحقيقية إذا أُعيد لصاحبه بنفس العدد من العملات الورقية التي استلمها المُقترض عند الإقراض، ليتحول القرض إلى كونه جر ضرر حقيقيًا، مُتمثل في أن مبلغ القرض لا يُمكنه شراء نفس الكمية من السلع التي كان من الممكن له شرائها به قبل إقراضه، ولنا أن نتخيل أن يوضع ميراث أطفال قُصر من النقود الورقية في أحد البنوك لسنوات دون أن تُضاف إليه نسبة فائدة، في حين تتوالى موجات التضخم فتتآكل فيها قيمة ميراثهم بمرور السنوات – هكذا يقول «جاب الله».
ويُضيف «جاب الله»: المؤكد أنه إذا كان النهي الشرعي مُتمثل في أن القرض لا يدر نفع، فبمفهوم المُخالفة يجب ألا يُدر القرض ضررًا للمُقرِض، بالتالي يجب النظر عند تقدير المنفعة التي يُبنى عليها الربا إلى المنفعة الحقيقية وليس لمنفعة صورية بزيادة عددية محدودة في الرقم الورقي للقرض لا تتناسب مع مستوى التضخم.
بالتالي فإنه من المُسلمات أن القيمة المُستقبلية العادلة عند إقراض النقود الورقية بشكلها الحالي لابد أن تكون بردها مُضاف إليها نسبة زيادة تُعادل النسبة العامة للتضخم المُعلنة من الدولة، أو أن يتم الاتفاق برد عدد يُعادل ما كانت تشتريه يوم الإقراض من الذهب أو الفضة أو غيرها من المعادن والسلع، وما زاد عن تلك القيمة يُمثل المنفعة التي توضع على مائدة المُفسرين الدينيين لبحث كونها ربا من عدمه.