إجعل من يراك يدعو لمن رباك
الخميس، 31 يناير 2019 03:15 م
من مقومات التربية القويمة النشأة على النهي عن استخدام أي لفظ خارج مهما كانت الأسباب، ويندرج تحت بند الألفاظ الخارجة أسماء الحيوانات والصفات المهينة باختلافها حفاظا على عفة اللسان، فدائما ما نسمع جملة ( فلان متربي ) لأنه يربط حسن أخلاقه وتعاملاته بعفة لسانه أيضا، وكان السلف والبسطاء يقولون الجملة الشهيرة ( ده العيبة ما بتخرجش من بقه ) دليلا على احترامه وحسن تربيته، أما من يستخدم تلك الألفاظ فدائما ما يشار إليه بـ" عديم التربية "، وربما ظُلم الأهل بسبب ألفاظ أبنائهم.
في الماضي كان الفرق بين الطبقات الاجتماعية هو أسلوب الكلام وكان السوقة والغوغاء إن أرادوا التخفي في زي علية القوم يتصنعون أسلوب الكلام المهذب ويبتعدون عن الكلام البذئ كي ينخرطوا في الطبقات الأعلى حيث إنهم يعلمون أن الرقي مرتبط باختيار الألفاظ ، فأولاد الناس ليسوا بأموالهم ولا بملابسهم بل بسلوكهم وأخلاقهم وألفاظهم .
فجأة وبلا سبب معلوم أصبح علية القوم هم من يتشبهون بالسوقة والغوغاء وابتعدوا عن الذوق الراقي في اختيار الألفاظ ، وأصبحت البذاءة أسلوب حياة مع الأسف وكأنها أمر طبيعي لدى كلا الجنسين شباب كانوا أو بنات ، فأصبح الكثير يستخدم أبشع الألفاظ على سبيل الدعابة ، وأصبح البعض لا بد أن يستبق اعتراضه على أحد الأمور بلفظٍ ناب وهو لا يعلم أن هناك من يشعر بالغثاء عند سماع اللفظ أو قراءته ولا يستطيع التفهم أو حتى التعاطف مع أي قضية تلحق تلك الألفاظ.
من المؤسف أنه ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وبدعوى الحرية انتشرت مثل هذه الألفاظ بشكل كبير ومخز على صفحات البعض باعتبارها نوعا من القوة والتميز في حين أنها تقلل من شأن مستخدها ولا تزيده أبدا فمستحيل ولأي سبب من الأسباب أن تكون البذاءة أحد مميزات أي شخص ، فلا الأديان ولا المجتمعات تتقبل سوء الأخلاق الذي من بينه استخدام فواحش الكلام .
لذا على كل شخص محترم يطالب بوطن محترم أن يبدأ بنفسه وأن يُحسن اختيار ألفاظه وأن يهجر فحش الأقوال ، وأن يصون لسانه وقلمه عن رذائل الكلام كي لا ينشأ ابناؤه على نفس المنوال فإن خطر اللسان على الفرد والمجتمع عظيم ، ويكفيه ضررا أن يخدش حياء غيره ويؤذي أذنيه أو عينيه جراء كلمة فاحشة قد يحسبها بسيطة وفي واقع الأمر هي بذيئة .
وبالنظر للأديان السماوية سنجد أن جميعها تدعو إلى عفة اللسان ففي الإسلام قال الله تعالى في كتابه الكريم (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ ) ، كما أخبرنا الرسول أنه (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) وأنه (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء) ، والدين المسيحي يدعوا إلى عفة اللسان فيعتبر أن " كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس، يعطون عنها حسابًا في يوم الدين " بل اعتبر إنها نجاسة إذ "ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان، بل ما يخرج من الفم، هذا ينجس الإنسان" (مت 15: 11).
وليت وزارات الثقافة والتربية والتعليم والتعليم العالي تتبنى مبادرة لإشاعة عفة اللسان ، والتمسك بأسس التربية المحترمة بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني وأفراد المجتمع الذين لايزالون يحتفظون بالخلق القويم كي يصبح لدينا أجيال راقية ومحترمة ترقى بمجتمعها ، فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .
ودعوتي لكل قارئ أن يحفظ عفة لسانه وألا يفسد ذوقه والذوق العام للمجتمع باستخدام السيئء من الألفاظ ، وأن يجعل صفحته على مواقع التواصل صفحة نظيفة جاذبة فاليعترض ويمتعض ويرفض بكامل حريته ولكن بأسلوب أكثر تهذيبا ، فقد أصبحنا نصحو كل يوم على خبر وفاة مفاجئة لأحد الشباب ودعاوى من أصدقائه وأحبائه له بالرحمة والمغفرة ، فنسارع بإلقاء نظره على حسابه على مواقع التواصل حيث لم يبق منه سوى الأثر وهنيئا لمن ترك وراءه أحسن الأثر في الأفعال وأيضا الكلمات ..
وإن كان هناك من لا يكترث فعلى الأقل فليهتم بأن يجعل من يراه يدعو لمن رباه .. ولنكتفي بهذا القدر من البذاءة .