مِن أرض الفيروز إلى المنيا...
الأربعاء، 16 يناير 2019 01:14 م
ينقسم الناس في وقت الأزمات والمحن إلى مجموعات، مجموعة تتعالى أصواتها وتنادى وتشجب وتحتج وتلقى باللوم على مؤسسات الدولة، ومجموعة أخرى تتغنى على أطلال المأساة ساعية لمزيد من الشهرة الشخصية، ومجموعة وسطى تائهة بين هؤلاء لا تستطيع تكوين وجهة نظر عن الأزمة وكيفية الخروج منها.
ودائمًا تتصدر المنيا قائمة المناطق الأكثر اشتعالا، ولكن مهما كان الوضع متأزمًا فانه من الخيانة العظمى للوطن في هذا الوقت أن نستصدر أحكامًا من وازع شخصي ونصدرها للرأي العام، مدّعين أنها خارج سيطرة الأمن المصري أو أن لا أمل من انتهاء تلك المأساة. فهذا خطأ بيّن!
فدعنا عزيزي القارئ نتخيل مثالا، تبسيطًا للموقف، فعلى سبيل المثال لنا أن نتخيل مأمور قسم في منطقة ما يواجه تحديات أمنية شتى من كل الاتجاهات، تهدد أمن وسلامة المكان،منها تهديد ارهابى خارجي بنسف القسم بأكمله، وفى نفس الوقت داخل القسم قاتل، أن لم يستطع السيطرة عليه سيشكل خطرًا كبيرًا على حياة بعض المواطنين من سفك دماء وقتل عمد، وأمامه أيضًا اثنان يتشاجران وأحدهما مظلوم وعليه أيضًا أن ينهى ذلك النزاع بينهما حتى لا يتطور لأي فعل إجرامي.
تُرى ماهو التحدي الأولى الذي يجب أن يحظى بكل تركيز وجهد مأمور القسم؟ التحدي الذي يهدد حياة كل المتواجدين بداخله ؟ أم القاتل؟ أم النزاع؟
هذا هو ما تفعله الدولة المصرية التي تكاثرت على أبوابها التحديات الأمنية وكان لابد من وضع أولويات والبدء في مواجهة كل تحدى على حِدة وكان بالأولى هو مواجهة التحدي الأمني الذي يهدد كل الملايين التي تحيى على أرض مصر ويهدد وجود الدولة بأكملها، تلك الحرب على الإرهاب التي خاضتها في سيناء وتأمين الشريط الحدودي ولولا ذلك لكانت الدولة المصرية اختفت من الخريطة الجغرافية ! وهذه هي الحرب التي انتصرت بها ولازالت تنتصر يومًا بعد يوم مع كل شبر يتم تأمينه على الحدود المصرية والذي كان أشبه بالمستحيل، خاصة مثل حدودنا مع ليبيا والظهير الصحراوي وسيناء التي طعّم الإرهابيين أرضها بكل الألغام التي كادت تودي بحيواننا جميعًا وقطع كل الشرايين التي كانت تتعدى حدود مصر مثل الأنفاق .
جاء في المقام الثاني دور القاتل الدامي، المتمثل في الحوادث الإرهابية وتفجير الكنائس والمساجد، البطرسية،بئر العبد والتي كانت تسفك دماء الآلاف حتى نجحت مصر في تأمين كل المنشآت الحيوية ودور العبادة بنسبة تقترب من المائة بالمائة حتى لا يتم إراقة الدماء.
يأتي بعد ذلك في المقام الثالث من حيث الأهمية، تلك النزاعات الطائفية التي نستنكرها جميعًا ونستنكر أي فعل أحمق أو متطرف يتعدى على حرية العبادة التي كفلها الله لنا وأكد عليها سيادة الرئيس ولكن هي تحدي فكرى أصولي، تحاربه الدولة بالقوة الناعمة وبالردع وتطبيق القانون أيضًا ولكن في الوقت المخطط والمقدر لذلك ليس تراخيًا من الدولة ولكن لنا أن نتخيل إذا أنشغل مأمور القسم في المثال الأسبق بفض النزاع وإنصاف المظلوم، فانشغل عن التعامل مع العناصر شديدة الخطورة التي تهدد حياة الجميع، ودك الإرهابيين الحياة في مصر دكًا!
إن توظيف الجهود الأمنية وترتيبها في ظل تكاثر التحديات الأمنية هو من الحكمة والصواب للحفاظ على الدولة، خطة تطهير تبدأ من الخارج إلى الداخل، والدولة التي استطاعت أن تحمى حدودها جيدًا وتثبّت أقدامها كدولة رصينة، تستطيع أن تحمى داخلها جيدًا ولكن علينا أن نثق بها ونقف بجوارها ونمهلها الوقت لترتيب أوراقها للتخلص من تراكمات ورواسب فكرية رثة متطرفة لدى البعض والتي تعد أكثر صعوبة من التخلص من اللغم والقنبلة المتفجرة و لن يحدث ذلك بين ليلة وضحاها،فالطريق بين سيناء والمنيا ليس بكثير ولكنها مسألة وقت..