بطل من ورق.. «الغمري» من مخرج فاشل إلى أحضان الجماعة الإرهابية في تركيا
الثلاثاء، 15 يناير 2019 02:00 م
يتعرض بعض الأشخاص لمواقف سيئة خلال مشوار حياتهم، وربما في بداية طريقهم العملي، مما يجعلهم عرضة لتكوين صورة ذهنية مشوهة، ما يتسبب في إصابتهم بالأمراض النفسية التي قد تصل إلى حد التأثير العقلي، خاصة إذا مُنيو بالفشل الذريع ولم يستطيعوا تحقيق أي شئ في حياتهم، فتتملكهم شهوة الانتقام إلى أقصى درجاتها، ويصبح الإسقاط النفسي هو الشماعة التي يعلقون عليها أسباب فشلهم، إلا أنهم يعيشون بيننا –وهم كثر- دون أن نعرف بأمر مرضهم النفسي حتى ولو صدفة.
في 4 نوفمبر 2014، نشر المخرج المسرحي السابق حسام الغمري، مقالا له في موقع «الجرنال» التابع لجماعة الإخوان الإرهابية، تحت عنوان «فنان مسرحي: مسئول "شاذ" راودني عن نفسي»، وعلى الرغم من أن عنوان المقال كان صادما، إلا أنه حرص على أن يكون مثيرًا وتشويقيًا وتسويقيا في آن واحد، لإحداث صدى واسع لمقاله بين الأوساط التي اختار أن يكون واحدا من مريديها، ليضمنوا له تحقيق المجد الذي كان ينشده ولم يفلح في الحصول عليه.
روى حسام الغمري في مقاله، بداية التحاقه بالعمل المسرحي في 1995 وما نالته أعماله التي كان يعرضها على خشبة مسرح الجامعة، من إعجاب، خاصة وأنه بعد عرضه الأول قرر فجأة تغيير مسار حياته والاتجاه إلى الاشتغال بالفن، بعد انتهاء دراسته في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، تلبية لنداء الموهبة التي اكتشفها في نفسه فجأة هو ووالدته، التي ساعدته ماليا في تشكيل فرقة مسرحية للهواه، وكيف أنه بعد اكتمال عرضه المسرحي، توجه إلى أحد الجهات التي تحصل على دعم من وزارة الثقافة تنظم مهرجانات مختلفة لعروض الهواة وتسلط عليهم الضوء إعلاميًا ونقديًا، وكانت هذه الخطوة هي التي غيرت مصير حياته وقلبتها رأسا على عقب.
حسام الغمرى مع فرقته المسرحية
زعم حسام الغمري في مقاله، أن رئيس الجهة الثقافية الذي تقدم لها للحصول على دعمها، اتصل به شخصياً، وطلب حضوره إلى مكتبه وتحدث معه عن عرضه المسرحي وموهبته التي فاجأت المسؤل وانبهاره بها وكيف أنه عرض عليه مساعدته في بداية طريقه الفني والخدمات الجليلة التي سيقدمها له إيمانا منه بفنه، مقابل طلب بسيط ليس أكثر ولا أقل.
وكالعادة في الأفلام العربية، كانت سطور مقال الغمري تحمل بين كلماتها كثير من التوابل والبهارات والشطة والفلفل لزوم التشويق والإثارة لإحكام الحبكة الدرامية التي غالبا ما تصاحبها إحدى المقطوعات الموسيقية الصاخبة لبيتهوفن على دقات قرع طبول القدر، التي تعبر عن صدمة كلمات المسؤل التي نزلت كالصاعقة على أذن الشاب الحالم البسيط، وهو ما يستوجب بالطبع رد فعل قوي يتماشى مع الطلب «الشاذ» الذي اراده منه، فظهرت الرجولة ودبت النخوة في عروق الغمري، ووجه للمسؤل لطمة على وجهه بكلمات قوية تثبت اشمئزازه من طلبه المشين، انتهت برسالة قوية تحداه فيها وخرج غير اسفاً ولم ينسى بالطبع «رزع» باب المكتب خلفة لينهي المشهد.
انتقل حسام الغمري، بعد انتهاء مشهد المساومة «الشاذ» إلى تحديه للمسؤل من خلال فنه الراقي وقراره الذي عزم عليه بالسير في طريق الفن دون الاعتماد على الواسطة والمحسوبية، لكن لا حول ولا قوة إلا بالله، وجد أن سلطة هذا المسؤل كانت تترصده في كل خطواته، وتقف حائلا بينه وبين تحقيق حلمه، وتضيع عليه الفرص العظيمة التي كانت في انتظاره، واتصاله بكل المسؤلين في وزارة الثقافة لـ «استقصاده» والتعنت معه ورفض كل العروض المسرحية التي يقدمها، وفي أسوء الظروف عرضها في أماكن نائية، إمعانا في إذلاله وإضاعة مستقبله الفني، فهذا المسؤل «يا عيني» يموت غيظا كل لحظة في بُعد الغمري، إلى أن جائته اللحظة الحاسمة والفرصة المناسبة، التي قرر فيها مغادرة أرض الوطن بلا رجعة في 2014 غير نادما على ما أضاعه من وقت وسنين محاولا فيها نشر الفن.
حسام الغمرى فى الحفلات الثقافية
اختار حسام الغمري، «تركيا» لتكون هي واجهته التي غادر من أجلها أرض الوطن، لكن هذه المرة اختار أن يوجه كل سهام غضبه وسموم نفسه المريضة بفعلة المسؤل، وقرر الانتقام من بلده التي ولد وتربى على أرضها وتعلم بأموال دافعي الضرائب فيها، تحقيقا لحلمه القديم في أن يكون مشهورا ويخرج لسانه للمسؤل، ويريه أنه هو من فاز في نهاية المعركة، فكانت قنوات جماعة الإخوان الإرهابية في انتظاره وفتحت له أبوابها على مصراعيها، فلم تغريه الأموال الطائلة التي سيجنيها من خلال عمله بالقناة التي تمولها أجهزة استخبارات دولية، بقدر ما كان مستعدا هو شخصيا لبذل دمائه ودفع أموال من جيبة، فقط ليخرج لسانه لهذا المسؤل، والافتراء على بلده ونشر الأكاذيب، تنفيذا لرغبته الدفينة التي تلاحقه في كل لحظة بالانتقام من بلده، وإسقاط فشله على شماعة بلده، فلم يجد أفضل من شاشات القنوات المشبوهة التي دشنتها جماعة الإخوان الإرهابية في تركيا وقطر، للنيل من مصر بأي ثمن.
شغل حسام الغمري، منصب رئيس تحرير قناة «الشرق» بمرتب 5 الاف دولار شهريا، وهو المبلغ الذي لم يكن ليحصل على 10% منه إذا ظل يعمل في مصر، لكن ما المانع في أن يجمع المال وفي نفس الوقت يحقق رغبته في الانتقام، خاصة وأنه أصبح من المقربين لأيمن نور مالك القناة، وأصبح الذراع الأهم له والذي يحرك به كل شيء واستخدمه لتنكيل بمعارضيه داخل القناة من العاملين الغاضبين بسبب تدني مرتباتهم التي لم تلبي ابسط متطلباتهم الشخصية التي ضحوا ببلدهم من أجل تحقيقها، حتى أنه كان أحد الأسباب التي جعلتهم يتهموه بأنه السبب في سقوط القناة من أجل مصالحه الشخصية والحفاظ عليها، ووصل الهجوم على الغمري إلى حد تخوينه، وأنه المتسبب الأول في طرد عدد من العاملين داخل القناة.
حسام الغمرى على قناة مكملين
تقدم حسام الغمري باستقالته في اكتوبر 2017 بعد حملات الغضب التي شنها عليه المفصولين من القناة وكشفهم لفضائحه وما يتحصل عليه من أموال بينما لا هم مشردون في الشوارع وتطاردهم الشرطة التركية بعد تسببه في فصلهم، وبعد قرار استقالته بحوالي 4 أشهر، حاول الغمري الحفاظ على ماء الوجه أمام البعض من رفقاء خيانة الوطن ليضمن مكان عمل له في أي من قنوات الإخوان، بعدما سائت العلاقة بينه وبين أيمن نور بإعاز من زوجته دعاء حسن التي احكمت سيطرتها على إدارة الشرق، ولجأ الغمري لإصدار بيانا في فبراير 2018 للرد على الحملة التي شنها المفصولين من القناة، ذكر فيه أنه تقدم باستقالة مسببة لمجلس إدارة القناة بسبب عدم مهنية الإدارة وإصرارها على التهرب من التزاماتها المالية تجاه العاملين بالقناة.
غازل حسام الغمري، أعضاء جماعة الإخوان في بيانه، قائلا: «لم أقم طوال فترة رئاستي لتحرير القناة بفصل أي عامل ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، بل لم أكن أملك هذه الصلاحية وعلى العكس من ذلك كنت وراء تعيين أيمن الباجوري الذي قدم برنامج المطبخ السياسي لمدة عام ونصف، وعبد الله الماحي الذي قدم برنامج الشرق اليوم لمدة عامين، وأخيرًا أحمد عطوان مقدم برنامج الجورنالجي، وجميعهم من جماعة الإخوان المسلمين، وحاولت تقديم الدعم المهني لهم قدر المستطاع وهذا على سبيل المثال وليس الحصر»، فكانت قصيدة الغزل التي نظمها الغمري في استجلاء موقفه من أبناء جماعة الإخوان، سببا في إتاحة الفرصة له بتقديم برنامج «رؤية» على قناة مكملين الإخوانية، متقمصا دور الناقد السينمائي صاحب الرؤية النقدية مرتديا زي المناضل الثوري.