الحكومة تشجع على زراعة القمح بـ «التصريحات».. وتتجاهل رفع أسعار توريده
الإثنين، 31 ديسمبر 2018 12:00 صكتب- محمد أبو النور
بعد تكرار الأزمات والمشاكل في زراعة وتوريد عددٍ من الحاصلات الزراعية الاستراتيجية، أصبح المزارعون يشعرون بالقلق وعدم الارتياح في بداية الموسم الزراعي، نتيجة ما تعرّضوا له من وعود وتصريحات لا طائل من ورائها خلال مرحلة الزراعة، وأيضا عند بيع وتوريد المحصول، كان بدايتها مع القطن منذ سنواتٍ طوال، وحتى الموسم الحالي، وتسبب ذلك في كارثة وصول مساحة زراعة القطن إلى 336 ألف فدان، بعد أن كانت في يوم من الأيام 2.5 مليون فدان، وهو ما يتكرر مع مزارعي القصب الذين دخلوا في نقاش وجدال وأخذٍ وردٍّ، مابين المزارعين والزراعة كطرفٍ أول، وشركات السُكّر ووزارتي المالية وقطاع الأعمال كطرفٍ ثانٍ، وتقلصت مساحته إلى 375 ألف فدان بعد أن كانت حوالي مليون فدان.
أيضا طالت المشاكل محصول الأرز الذي تلقّى ضربة قاصمة من حيث خفض المساحة، التي كانت مليون و100 ألف فدان تقلصت إلى 724 ألف و200 فدان فقط، والآن يتعرّض مزارعو القمح إلى نوعٍ من الضغوط الشديدة والمساومات، التي يمكن أن تؤدى إلى تناقص مساحة زراعة المحصول للعام الثاني على التوالي، ووصولها إلى 3 ملايين و135 ألف و738 فدانا، في مقابل مساحة بلغت 3 ملايين و404 ألف و944 فدانا، بنسبة تراجع 269 ألف و206 فدانا عن العام الماضي.
دعم المزارع الأجنبي على حساب المصري
من ناحيته، حذّر الحاج حسين عبد الرحمن أبوصدام، نقيب عام الفلاحين،من مغبة التوجه الجديد،الذي بدأ يظهر في خطط وزارة الزراعة، وقال أبو صدام: علينا بزراعة عيدان القمح فهي أنفع من زراعة أعمدة الخرسانة، وبناء الخبرات الزراعية خير من بناء المباني الفاخرة، لأننا ورثنا مصر سلة غذاء العالم، ولم نر من مباني أجدادنا غير المقابر والمعابد، وأن المزارع قد ينام تحت شجرة، ولكن الجوعان لا يستطيع النوم ولو في قصر، ولا يعقل أن تكون سلة غذاء العالم سابقا، هي أكبر دولة استيراداً لرغيف الخبز حاليا.
وتابع: شمال أفريقيا مصر وتونس وليبيا و الجزائر والمغرب هي أكبر تجمع لاستيراد القمح في العالم بكميات تصل إلى 27.45 مليون طن، وتتربع مصر علي عرش استيراد القمح باستيراد 11 مليون و 434 ألف و519 طنا، بينما إنتاجنا 8.45 مليون طن، من مساحة بلغت 3.261 مليون فدان عام 2018، وتسلّمت وزارة التموين من هذا المحصول 3 مليون طن بنسبة 37% من الإنتاج في حين أن أوكرانيا بمفردها تنتج 26.98 مليون طن وتصدر 17.78 مليون طن.
الاكتفاء الذاتي من القمح
وأضاف أبوصدام، أن وزارة الزراعة غير جادة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح، روأن مافيا استيراد القمح لها دور كبير في بقاء مصر كسوق كبير للدول المصدرة، وأن سعر طن القمح المصري الذي يعتبر من أجود أنواع الأقماح في العالم، وتصل نسبة البروتين فيه حوالي 16%، يُباع بأسعار متدنية تصل إلى 600 جنيه للأردب لأعلى درجة نقاوة، وهي درجة 23.5 و585 جنيها للأردب درجة نقاوة 23 و570 جنيها للأردب درجة نقاوة 22.
زراعة القمح
وتابع: وبما أن الأردب 150كيلو جراما، وهو ما يعنى أن أنقى طن قمح يباع بـ 4 آلاف جنيه، في حين أن طن الردة وصل 4.500 جنيه، وعلى الرغم من أن مصر تستورد القمح الروسي، الذي يحتوي على نسبة بروتين 12.5 % بسعر 249.95 دولارا تقريبا للطن، باستثناء الشحن، وتشتري القمح الأوكراني بسعر 246.40 دولارا تقريبا للطن، إضافة إلى تكلفة شحن قدرها 17.30 دولارا، ليصل السعر الإجمالي إلى 263.70 دولارا للطن، يصل سعر طن القمح من الأنواع المشابهة للقمح المصري عالميا ما بين 280 دولارا إلى 510 دولارا للطن.
تقليل الفجوة
وأشار الحاج حسين أبو صدام، إلى أنه بالرغم من المجهودات الكبيرة التي تبذلها الدولة، لتقليل الفجوة ما بين الإنتاج والاستهلاك، الذي يُحمّل خزينة الدولة مليارات الدولارات، نتيجة للاستيراد، إلا أننا لا نلمس تغير كبير على أرض الواقع، وما زالت فاتورة الاستيراد مرتفعه جدا، نتيجة للاستهلاك الكبير، الذي يصل إلى 15 مليون طن سنوياً، وعدم الجدية في تشجيع المزارعين علي زراعة الأقماح بوضع أسعار محفزة ودعم إرشادي ومعنوي، وتوفير مستلزمات الزراعة بأسعار وكميات وأصناف مناسبة.
مشكلة توريد القمح سنويا سببا فى العزوف عن زراعته
وتابع: «وعلى الرغم من إنشاء عدد كبير من الصوامع المعدنية الحديثة، التي تُعد إضافة كبيرة وإنجاز للحد من الفاقد، إلا أننا ما زلنا نفقد كميات كبيرة من القمح سنويا، خلال عمليات التداول والتسويق، ومراحل الزراعة وحتى الحصاد، تصل إلى نحو 21% تقريبا من إنتاجنا السنوي، وهي نسبة كبيرة جدا لدولة تُعد أكبر مستورد قمح في العالم»
المحاصيل البديلة
وعن تكاليف زراعة القمح، وسبب عزوف المزارعين عن زراعته، قال الحاج أحمد حسن بطران من بنى سويف: «أزمة زراعة القمح أن هناك محصول آخر، وهو البنجر يتم زراعته في نفس التوقيت وخاصة عِروة بنجر السكر لشهر أكتوبر، خلافاً للعروتين الآخريين لشهري أغسطس وسبتمبر، ولكن عِروة أكتوبر تعطى سعراً جيداً للمزارع والفلاح يصل لحوالى 40 ألف جنيه للفدان الواحد، ولذلك يُقبل عليها المزارعون وخاصة أن الفلاح لا يحمل هماً لزراعة بنجر السكر، لأن التقاوي تأتيه وهو جالس في بيته من شركات التوريد، وفي نهاية المحصول تأتي الشاحنات والجرارات الخاصة بالشركة إلى داخل الأراضي والحقول إذا كان الطريق مُمهداً لتحمل المحصول إلى الشركة.
الحاج أحمد حسن بطران
وتابع: ويتم الوزن وحساب التكاليف ثم يتسلم المزارع شيكاً بالمبلغ الخاص بتوريد محصوله، وهو زى الباشا بدون الذهاب إلى الشون ولا المطاحن ولا الوقوف على الجسور لأيام لتوريد محصول القمح، الذي يعطى فدان زراعته بعد التعب والمصاريف والنفقات نحو 11 ألف جنيه على أقصى تقدير، في حين تعطى العروة (الوخرية) لشهر أكتوبر لمحصول بنجر السكر نحو 50 طنا للفدان بنحو 40 ألف جنيه، ولذلك نرى كثير من المزارعين والفلاحين قد تركوا زراعة القمح وزرعوا البنجر بسبب ربحيته وعدم وجود إزعاج في زراعته ولا يتعب الفلاح.
محاصيل مُربحة
وعن أسباب تراجع مساحة زراعة القمح العام الماضي، وتفضيل المزارعين والفلاحين لمحاصيل أخرى، قال الحاج سعدواي حامد، من البحيرة، إن الفلاح والمزارع يسعى في المقام الأول إلى المحصول الذي يكون مُربحاً معه في زراعته، ويتجنب المحاصيل التي تتسبب له في خسائر بقدر الإمكان، كما يتجنب المحاصيل التي تسبب له مشاكل وضياع فرصة زراعة محاصيل أخرى، وهو ما يحدث مع مزارعي ومُرّدى القمح خلال السنوات الماضية، إذ يعاني المزارعون والفلاحون أثناء توريد المحصول صيفاً أمام الشون والمطاحن في وقت الحر، ويتحملون أيضا ثقل ووعود التجار الذين يتسببون في تأخير الحصول على مقابل التوريد، فيؤدى ذلك إلى تأخر زراعة محصول بعد القمح.
سيارات تحمل القمح تنتظر عن التوريد لأيام
وأضاف: لذلك أقلع البعض عن زراعته في سبيل زراعة البنجر أو البرسيم، الذي يمكن أن يزرعه الفلاح ويحصل منه على 3 «حشات» أو 3 «أوشاش» في وقت قياسي وبسيط وبمقابل مُربح جداً، كما يتكلف زراعة فدان القمح مابين 5 – 6 آلاف جنيه، نتيجة ارتفاع مستلزمات الإنتاج من أسمدة وصل سعر الجوال الواحد إلى 250 جنيهاً بعد أن كان ثمنه 100 جنيه، علاوة على إيجار الفدان، الذي يصل لنحو 8 آلاف جنيه في الموسم الواحد. وأشار الحاج سعداوي، إلى أن كل هذه الأسباب تجعل المزارعين والفلاحين يفضلون زراعة المحاصيل المُربحة ولا تسبب لهم مشاكل أو إزعاج في التوريد والبيع، ولذلك يتجه إلى البنجر والبرسيم ودوار الشمس ويريح نفسه.