لقاء بشار و بشير .. إشارة أم بشارة ؟
الإثنين، 24 ديسمبر 2018 01:37 م
أكثر من علامة استفهام وتعجب طرحت نفسها في الدوائر السياسية والوسائل الإعلامية مابين الاستفساروالاستنكار والاستبشارفي أعقاب الزيارة المفاجئة الخاطفة للرئيس السوداني عمر البشير إلى العاصمة السورية دمشق ولقائه بالرئيس السوري بشارالأسد في أول زيارة لرئيس عربي لسوريا منذ بداية الأزمة السياسية .
لكن الكثير من علامات الاستفهام والتعجب تتوارى مع حقيقة مصرية هي أن مصر وسوريا والعراق كانت عبر التاريخ خط الدفاع العربي الإسلامي الأول ضد عدوان الغزاة التتاريين الإسلامويين القادمين من الشرق أو ضد عدوان الغزاة الصليبيين القادمين من الشرق ،وكانت القاهرة وبغداد ودمشق هي عواصم الحضارات الإنسانية الكبرى في الشرق .
.. ولهذا فمن المنطقي الاستراتيجي ألا يسير العرب بمقاطعة الدولة العربية السورية على المسار المشبوه لبن جاسم القطراني ، وألا تقبل القاهرة القطيعة الدبلوماسية مع دمشق مواصلة للقرار المعتوه لمرسي الإخواني .
ومع حقيقة تاريخية وجغرافية واستراتيجية تشكل أساس الأمن القومي المصري، وقاعدة الأمن القومي العربي وهي أنه إذا سقطت بغداد تأهبت دمشق وإذا تهددت دمشق تحركت القاهرة ، وأن مصربعمق استراتيجي ليبي وسوداني، وسوريا بعمق استراتيجي عراقي ولبناني كانتا دوما جبهتا المواجهة الأولى ضد الاستعمار الصهيوني دفاعا عن فلسطين والعرب .
..وبالتالي كانت القاعدة هي " سورية في خطر، مصر في خطر.. مصر في خطر كل العرب في خطر "، ولم يحدث في التاريخ أن انتصر العرب في معركة بغياب وحدة العرب ، والمثل واضح في حرب رمضان المجيدة حرب الدم والنفط بمشاركة عربية من الجزائر والمغرب على المحيط الى السعودية والإمارات والكويت في الخليج .
وأيضا ، مع حقيقة إصدار البرلمان العربي من مقره بالقاهره قراره الإيجابي الواضح بضرورة استعادة سوريا إلي عضويتها بالجامعة العربية في مبادرة إيجابية لتصحيح قرار الجامعة الخاطىء برئاسة قطرانية عام 2012 بتعليق مشاركة سوريا بالجامعة بالمخالفة لميثاقها ، والذي ترتب عليه عزل العرب لكونهم جزء من المشكلة لا من الحل، ونقل الملف السوري الى الدائرة الإقليمية والدولية في غياب العرب !
والسؤال هو ..هل جاءت هذه الخطوة السودانية المثيرة كنتيجة لما سبقها من مقدمات سورية بالميدان أدت لمراجعات عربية وإقليمية ودولية ، أم جاءت كمقدمة سودانية بما تحمله من رسائل للقيادة السورية تنتظرالرد وما سيترتب عليه من نتائج عربية وإقليمية ؟
وهنا أقول : إن ما شهده الميدان السوري من انتصارات للجيش العربي السوري على الإرهابيين و المتمردين ، بدعم روسي حاسم من حلب وحماة بالشمال إلى درعا والقنيطرة بالجنوب السوري وفي الغوطتين من حول دمشق ، وفشل كل المراهنات السابقة عن سقوط الدولة أو إسقاط النظام أو رحيل بشار شكل مقدمة هامة لما شهدناه اليوم من مراجعات .
فقد استيقظ المتآمرون جميعا خصوصا في واشنطن على واقع سوري جديد لابديل عن التعامل معه بواقعية وعقلانية و بلا مغامرة أو مكابرة ،لتجد أمريكا أن طريقها أصبح مسدودا إزاء الحضورالروسي الوازن ، و مع رفضها للتورط في قتال مع تركيا الأطلنطية بسب منظات كردية قرر ترامب الانسحاب والتخلى عن الحلفاء وبيع الأتباع ، وهكذا هم الأمريكان ليس لهم أمان ، والمتغطي بهم عريان !
..وفي تل أبيب حيث أصبحت إسرائيل عاجزة عن الهجوم على المواقع السورية خوفا من السقوط بوسائل الدفاع الجوي السورية القوية بعد دعمها بالصواريخ الروسية الجبارة (إس 400) بعدما كانت الطائرات والصواريخ الصهيونية تهاجم سوريا دعما للارهابيين الإسلامويين كلما تعرضوا لهزيمة أمام الجيش السوري ، ولاستفزاز روسيا أو لمحاولة إحراجها أمام أصدقائها السوريين والعرب !
..وفي أنقره والدوحة وعواصم تابعة أخرى من المحرضين والممولين والمدربين والمسلحين والذين فتحوا بلادهم مأوى للارهابيين ، وفتحوا معابرهم لتدفق عصابات الإرهابيين والمرتزقة من بقاع العالم ، فلقد تغيرالواقع فتغيرت الوقائع خصوصا بعد انضمام تركيا لروسيا وإيران في منصة آستانة بما دفع الشاويش أوغلو من الدوحة ، راعية الارهاب في سوريا وليبيا ومصر، استعداد تركيا للتعاون مع الرئيس الأسد بعد فوزه في انتخابات ديمقراطية ّ!
هكذا حدثت من التحولات السورية والعربية والإقليمية والدولية ما لايمكن تجاهلها بانحسارالارهاب وتراجع المعارضة واستمرارالدولة الوطنية والقيادة الشرعية بحماية الجيش العربي السوري ، وبتقدم مسار الحل السياسي عبر مسارآستانا ، القائم على وحدة سورية وسيادتها وسلامها ، بالقضاء على الميليشات الإرهابية وبالتفاوض بين الحكومة والمعارضة ،و باحترام شرعية مؤسساتها وبإرادة شعبها بانتخابات رئاسية وبرلمانية ..بمسار إقليمي لاعربي ، بعدما عزل العرب أنفسهم بمقاطعة سوريا .
هذه التحولات أجبرت أمريكا وفرنسا وبريطانيا واسرائيل وكل أعداء سلام سوريا في الغرب وكل أعداء الرئيس الأسد في الاقليم على المراجعة والتراجع !!
من هنا يرى معظم المراقبين أن المبادرة السودانية جاءت كمحاولة لرأب الصدع العربي بعودة سوريا الى العرب وعودة العرب إلى سوريا بالتشاورمع عواصم عربية وإقليمية ودولية ربما لم تبتعد عن القاهرة وموسكو والرياض وأبوظبي ومسقط والجزائروأنقرة ، وربما جاءت كإشارة لاتخلو من بشارة عن مبادرة عربية جرى التوافق عليها بالدول ذات الصلة بالأزمة لاستعادة سوريا استجابة لقرار البرلمان العربي .
بينما تركزت حالة ( الاستنكار) بوضوح في العواصم والأوساط التي سقطت رهاناتها على تدمير قدرات الجيش العربي السوري ، كمقدمة لهدم الدولة الوطنية السورية واسقاط قيادتها السياسية ، وتسليم الحكم لصالح الجماعات المسلحة الإرهابية وميليشيات المرتزقة العابرة للحدود والمعارضة المرتهنة كأدوات لعواصم عربية وإقليمية ودولية ..
كما عبر عنها الذين كانوا يحلمون بتكرار السيناريو الليبي الشرير في سوريا العربية لتتحول إلى بؤرة للارهاب الداعشي والقاعدي والإخواني الدامي كما تحولت ليبيا بكل الأسى والأسف ، وأيضا بقرار كارثي مخجل للجامعة العربية بإقرارالمشروع القطراني الذي سلم ليبيا لأعدائها المستعمرين، واستجلب العدوان العسكري الأطلسي الفرانكوصهيوني والأنجلو أمريكي ، و كررت هذا الموقف المخزي الذي لايشرف أحدا مع سوريا بعد ليبيا والعراق أيضا !
وأيا كان الاختلاف حول المبادرة السودانية الأكثر إثارة التي فرضت نفسها على وسائل الاعلام العربية والأجنبية خلال الأيام القليلة الماضية في تقييمها، فلا أظن أننا يمكن أن نختلف كثيرا على توصيفها .
باعتبارأنها تشكل اختراقا حقيقيا لحواجزنفسية واجتيازا لسدود وهمية وتجاوزا لحقول ألغام سياسية عربية إنقيادا لسياسة قطرانية شريرة حركتها دوائرغربية ضد الأمن الوطني السوري وضد الأمن القومي العربي .
أخيرا .. يحدث هذا التحرك الذي وإ ن جاء متأخرا فخير من ألا يأتي ، وربما ينجح في كسرالجمود السياسي ويفتح الطريق لإنهاء حالة القطيعة غير المبررة بل وغير القانونية قبيل قمة بيروت الاقتصادية العربية الشهر المقبل وقبل انعقاد قمة تونس العربية في مارس المقبل . وأخيرا .. الآن فقط أمكن أن يتقدم رئيس عربي في إشارة وبشارة لكسر الجمود بعد الشلل الذي أصاب العمل العربي المشترك على مدى سبع سنوات عجاف !