تكتل بلدان البحر الأحمر وخليج عدن
الجمعة، 14 ديسمبر 2018 03:34 م
أمس الاول الأربعاء أُعلن فى الرياض عن تأسيس كيان للدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، يضم سبع دول، وهى مصر والسعودية والسودان وجيبوتي واليمن والصومال والأردن، وهدفه " تعزيز التعاون الاقتصادي والبيئي والأمني والتنمية لدول الحوض"، ووفقاً لما قاله عادل الجبير وزير الخارجية السعودى "سيساهم في تعزيز التجارة والاستثمار بها، ويربط اقتصادنا مع بعض، وسيساهم في إيجاد تناغم في التنمية بين دولنا في هذه المنطقة الحساسة، وبالتالي يساهم في منع أي قوى خارجية من القيام بدور سلبي في هذه المنطقة الحساسة".
البيان الختامى الذى صدر عن اجتماع الرياض قال إن الأتفاق جاء "تعبيراً عن الرغبة المشتركة لتعزيز سبل التعاون فى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية بين الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، والسعى لتحقيق مصالحها المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمى والدولى، وتقديراً للأهمية التى يمثلها هذا الممر المائى الهام للدول العربية والأفريقية المشاطئة وللملاحة والتجارة الدولية، وفى إطار المسؤولية التى تقع على عاتق هذه الدول لتوفير الأمن والأمان لهذا الممر الذى كان ولا يزال جسراً للتواصل بين الحضارات الثقافات".
كما أشار البيان إلى أنه تم الاتفاق على أهمية إنشاء كيان يضم الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن يستهدف التنسيق والتعاون بينها ودراسة السبل الكفيلة بتحقيق ذلك فى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية والأمنية، وأن يعقد اجتماع قادم لكبار المسؤولين بالقاهرة لمواصلة بحث كافة التفاصيل ذات الصلة بذلك.
وزارة الخارجية قالت أن الاجتماع الذى شارك فيه سامح شكرى وزير الخارجية "بحث التعاون وتعزيز التنسيق المشترك بين الدول الأفريقية والعربية المشاطئة للبحر الأحمر، باعتباره شريانا مائيا هاما في مجال التجارة والمواصلات الدولية"، مع الإشارة إلى أن مصر سبق واستضافت الاجتماع الأول يومى 11 و12 ديسمبر 2017 وسوف تستضيف الاجتماع القادم لهذه الدول قريبا في القاهرة لاستكمال المناقشات، وأن سامح شكرى أشار خلال الاجتماع إلى وجود العديد من فرص التعاون بين دول المنطقة، التي تتطلع مصر إلى استثمارها من أجل غدٍ أفضل لشعوب المنطقة.
إلى هنا أنتهى الحديث الرسمى عن التكتل الجديد، ومن بعدها بدأنا نسمع أرهاصات إستراتيجية عن هدف ومغزى التكتل الجديد، وأن هدفه تحويل منطقة البحر الأحمر من مرتع للقرصنة، وصراع النفوذ ودوامة الحروب إلى جسر مهم للتواصل بين الحضارات، أخذاً فى الأعتبار أن البحر الأحمر يعد من أحد أهم طرق الملاحة الدولية التي تنقل نحو 15% من التجارة العالمية، كما يعيش في دوله المطلة عليه أكثر من 200 مليون نسمة، وبالتالى من المهم أن يكون هناك توافق بين الدول العربية والإفريقية المطلة عليه لتأسيس قوة جديدة لمواجهة التحديات الراهنة التي تواجهها المنطقة، عبر تحقيق التنسيق والتكامل اللازمين بينهم، وقد سبق أن تحدثت عن أهمية وجود مثل هذا التكتل فى مقال منشور على موقع اليوم السابع بتاريخ 28 يوليو 2016، بعنوان "هل نحتاج لآلية لحوض البحر الأحمر"، نظراً لما لهذه المنطقة من أهمية إستراتيجية.
فى البداية علينا العودة للوراء قليلاً، وتحديداً عام 2005، حينما عرض رئيس إريتريا أسياس أفورقى على مصر بقوتها والسعودية بموقعها عقد لقاء لدول البحر الأحمر، للحفاظ على أمن البحر الأحمر، لكن هذا المقترح لم ينفذ إلى الآن ربما بسبب إسرائيل ووضعيتها فى هذه اللقاءات؟، ومع مرور السنوات تجدد الحديث عن الآلية داخل كواليس الدبلوماسية الإقليمية، التى حاولت تطوير المقترح، عملاً بفكرة أننا نعيش فترة التكتلات الإقليمية التى تستهدف تحقيق التنمية للدول والشعوب، بالإضافة إلى عدة عوامل ساعدت على إعادة طرح الفكرة من جديد، ومنها استمرار الأزمة اليمنية، والخوف من أى تحركات مستقبلية من جانب الحوثيين للسيطرة على مضيق باب المندب، أو تهديد مصالح الدول المطلة على البحر الأحمر، ولا ننسى أيضا أن أمن البحر الأحمر لايزال يواجه تحديا حاليا خاصة فى منطقة الجنوب، بعد استمرار وجود سفن عسكرية تابعة لقوى أجنبية بدعوى محاربة القرصنة، فضلا عن الاضطرابات المستمرة فى اليمن.
فكرة التكتل الجديد تحمل فى طياتها الكثير من الإيجابيات، أهمها خلق قدرة إقليمية للتكامل بين دول البحر الأحمر، لتكون جزءًا من المصالح العالمية، سواء أمنيا أو اقتصاديا، خاصة فى ظل التدخلات التى اعتدنا أن نراها فى البحر الأحمر طيلة السنوات الماضية تحت ذرائع مختلفة، منها مكافحة الإرهاب والقرصنة، وأمور أخرى تكشف عن نوايا خارجية لضرب أمن واستقرار الدول المطلة على البحر الأحمر، لذا فمن المهم أن تكون هناك آلية فعالة لدول المنطقة، على الأقل تبدأ أمنيًّا للحفاظ على استقرار دول المنطقة، على أن تدعهما فى مرحلة لاحقة آليات اقتصادية تسمح بتعاون تجارى واستثمارى، وتتيح حرية الانتقال للسلع والأفراد بين دول المنطقة، بشكل يصل بنا فى النهاية إلى إعادة ترتيب الأوضاع فى البحر الأحمر، وتحويله إلى منطقة جذب تجارى واقتصادى.
وقد يكون من المفيد الإشارة إلى أن هذا التكتل ليس الأول من نوعه، ففى منطقتنا العديد من التكتلات المشابهه، منها على سبيل المثال تعاون الدول المطلة على البحر المتوسط فى برامج متعددة، حتى وإن لم تحقق المطلوب منها بشكل كامل، لكنها مثلت تغيرا مهما يمكن البناء عليه فى الآلية الجديدة للبحر الأحمر، مع تجنب السلبيات التى وقعنا بها فى البحر المتوسط.
فى المجمل يمكن القول أننا أمام تحرك إقليمى مهم سيكون له مردود جيد على الأرض، خاصة أنه مبنى على أسس قوية، وتفكير عميق، حتى لا نكون أمام مولود مشوه.