خطيئة ماكرون

السبت، 08 ديسمبر 2018 12:27 م
خطيئة ماكرون
بقلم/ أحمد صلاح المستشار الإعلامي السابق ببروكسل

تشهد العاصمة الفرنسية باريس موجة من الاحتجاجات العاصفة منذ منتصف نوفمبر الماضي، في إطار حركة مسماه بـ " السترات الصفراء " وقد سُميت بهذا الاسم لأن المتظاهرين يرتدون سُترات صفراء عاكسة للضوء وقداستوحى المتظاهرون اسم الحركة المُماثل لزيهم من قانون فرنسي دخل حيّز التنفيذ في 2008، يوصي جميع قائدي السيارات حمل سترات صفراء مُميّزة وارتدائها عند الخروج على الطريق في حالات الطوارئ.

كيف تطورت الاحتجاجات:

من الواضح ان حركة الاحتجاج " السترات الصفراء " قد نمت وانتشرت بسرعة بالغة ونظمت صفوفها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولذلك فلم يظهر لها قادة ومنظمون، لكن ما تتسم به الحركة هو التنسيق عبر فيسبوك ثم الدعم الشعبي ولذلك فتشير الأرقام الرسمية الى انه خلال بضعة أيام فقط من انطلاقها في منتصف نوفمبر، فقد بلغ عدد المتعاطفين والمساندين لها قرابة 300 الف في فرنسا وبلجيكا لتبدأ بطابع اجتماعي ثم لا يلبث وان يتحول الى طابع اجتماعي وسياسي. الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي ماكرو لآن يتحدث في البداية بنبرة تميل للحلول الوسط في بداية الأزمة، لكنه قال إنه لن يسحب ضريبة الوقود التي ترتب عليها ارتفاع الأسعار الخاصة بالمحروقات مبرراً موقفه هذا بأن رفع أسعار الوقود جزء لا يتجزأ من استراتيجية الطاقة المستقبلية لمكافحة التغير المناخي، لكنه قال إنه "منفتح على الأفكار الجديدة حول كيفية تطبيق الضريبة."

وعلى جانب آخر، فيتهم المحتجون الرئيس الفرنسي بأنه "فقد الحس بهموم الناس". المر الذي اضفى على الحرمة بعدا شعبيا لان المحروقات تمس السواد الأعظم من طبقات المجتمع ولذلك فقد اندلعت الصدامات خلال الأيام الماضية المر الذى دفع الشرطة الفرنسة لإغلاق مداخل شارع الشانزليزيه السياحي، وقامت بتفتيش الداخلين إليه.

خطيئة الرئيس ماكرون:

  في ضوء تصاعد الازمة بين الحكومة والمتظاهرينالذين رفضوا لقاء رئيس الوزراء ادوارد فيليب ، هذا بالإضافة الى انضمام بعض الأحزاب اليمينية الى صفوف المتظاهرين ليخرج الاطار العام عن الطابع السلمى متجهاً نحو اطار اخر يتسم بالتخريب والسلب والنهب وهى تصرفات غريبة ، في مجملها ، عن القيم الفرنسية الامر الذى دفع الرئيس الفرنسي لان يتراجع عن زيادة قيمة الضرائب على المحروقات  التي تمثل السبب الرئيسي لهذه التظاهرات .وقد جاءت هذه الخطوة من الرئيس الفرنسي لتفويت الفرصة على القوى الداخلية وبعض العناصر الخارجية التي نجحت في تفريغ التظاهرات من طابعها الاجتماعي  لتصبح ذات طابع سياسي خالص.

وعلى الرغم من انتفاء أسباب اندلاع التظاهرات، الا ان المتظاهرين او المخربين ( وفقا لتوصيفهم الواقعي ) لم يكفوا عن تصرفاتهم الخارجة  وما ترتب عليها من إصابة العاصمة الفرنسية وبعض المدن الأخرى بالشلل التام جراء اغلاق المتاجر واغلاق 36 محطة مترو وقطار. بل وصل الامر الى ما هو ابعد من ذلك بالتهديد بالنزول للشارع اليوم السبت ما دفع الرئيس الفرنسي لان يزيد من تدابيره بزيادة اعداد قواتالامن الى 89 الف منهم 8 الاف في باريس وحدها هذا الى جانب نزول قوت الجيش الى الشارع الامر الذى يتطلب رفع حالة الاستعداد اللون " البرتقالي " .

وفى الواقع، وباستقراء المشهد في مجملة، فان الرئيس الفرنسي قد أخطأ في التعاطي مع الازمة وتقدير ابعادها الحقيقية،لأنه بخروجها عن طابعها الاجتماعي كان يتعين على الرئيس ان يعي تماما ان الامر يتعلق بحركة سياسية وليس بحركة اجتماعية تحركها عناصر متطرفة داخلية وأخرى خارجية تسعى للي ذراع الرئيس الفرنسي على خلفية موقفة من بعض الملفات الأوروبية مثل " جيش أوروبا الموحد "الذي يهدد من شأنه المصالح الأمريكية في القارة العجوز.

ولذلك فكان يتعين على الرئيس الفرنسي تقديم لجوؤه لنزل الجيش الىالشارع بدلا من التراجع عن زيادة الضرائب على المحروقات لأنها لم تعد تمثل السبب الرئيسي في التظاهرات، حفاظا منه على مقدرات البلد والتعامل مع المخربين بمزيد من الحسم والقوة لانتفاء صفتهم كمتظاهرين وارتداء عباءه المخربين والخارجين عن القانون. كما ان تراجعه هذا أضعف مؤسسات الدولة من جانب واثبت ضعف وهشاشة موقفه كرئيس للجمهورية الفرنسية من جانب آخر هذا بالإضافة الى الخطيئة الكبرى في تصرف ماكرون بأنه أعلى من صوت المخربين والخارجين عن القانون على حساب مؤسسات البلد ووضعهم على قدم وثاق مع المتظاهرين السلميين الذين يعبرون عن آرائهم بشكل سلمى، وترتب على ذلك اضعاف هيبة الدولة ومؤسساتها.كما ان هذا التصرف ادخل البلاد في سلسلة لن تنتهى من أعمال التخريب والسلب والنهب التي ترتدى ثوب التظاهرات الاجتماعية، فكان يتعين عليه استرجاع مقولة رئيس الوزراء البريطاني السابق " عندما يتعلق الامر بأمن البلاد، فلا تسألنى عن حقوق الانسان " وهى مقولة حقيقية تماما عندما تخرج التظاهرات عن سياقها السلمى لتنال من مؤسسات البلد ، التي لو تم اضعافها او النيل منها ،فلن يكون هناك انسان ولا حقوق.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق